03/07/2013 - 13:00

تمرد.. لما الشعب قال كفاية../ أحمد م. جابر

ومن الجلي اليوم أن حملة تمرد تمكنت من استقطاب ملايين المصريين لتحقق هدفها عبر أسلوب قديم متجدد وهو جمع توقيعات المواطنين على وثيقة (تمرد) وهذا التوقيع الذي يقدمه المواطن المصري باعتباره كما ورد في الوثيقة (عضوا في الجمعية العمومية للشعب المصري) هو الخطوة التي يتخذها هذا المواطن ليتحول من ناخب إلى مواطن منتقلا من شرعية الصندوق إلى شرعية المواطنة، بهدف إرسال رسالة واضحة أن الشعب هو صاحب السلطة يمنحها من يشاء ويمنعها عمن يشاء

تمرد.. لما الشعب قال كفاية../ أحمد م. جابر

توالت التطورات سريعا مع بزوغ فجر الأحد 30/6، موعد انطلاق ما يمكن تسميته  (الموجة الثانية) من الثورة المصرية، هذا اليوم الذي يفترض من يقفون وراءه أن يكون ومن جديد فاصلا بين عصرين: عصر الاستيلاء على الثورة وعصر استعادة الثورة لأصحابها الشرعيين، عبر (إنهاء عقد) الشعب مع رئيس لم يف بشروط هدا العقد، وبالتالي وجب سحب الثقة منه واستعادة السلطة لمصدرها وهو الشعب هنا، مقابل ما يعتبره مناهضو التحرك من أنصار حركة (الاخوان المسلمين) وحملة (تجرد) وأحزاب إسلامية أخرى، يومهم الموعود للدفاع عن (شرعية) رئيس وصل إلى الحكم بصناديق الانتخاب، ولابد بالتالي من المحافظة على الديمقراطية الانتخابية.

ومن الجلي اليوم أن حملة تمرد تمكنت من استقطاب ملايين المصريين لتحقق هدفها عبر أسلوب قديم متجدد وهو جمع توقيعات المواطنين على وثيقة (تمرد) وهذا التوقيع الذي يقدمه المواطن المصري باعتباره كما ورد في الوثيقة (عضوا في الجمعية العمومية للشعب المصري) هو الخطوة التي يتخذها هذا المواطن ليتحول من ناخب إلى مواطن منتقلا من شرعية الصندوق إلى شرعية المواطنة، بهدف إرسال رسالة واضحة أن الشعب هو صاحب السلطة يمنحها من يشاء ويمنعها عمن يشاء.

لذلك لم يكن غريبا أن يكون أحد الأهداف المباشرة ميدانيا للحملة تجاوز الكتلة الحرجة التي صوتت في الانتخابات التي جاءت بالرئيس محمد مرسي ليس فقط من صوتوا له وليسوا بالضرورة أنصارا مطلقين له) بل أيضا من صوتوا لمنافسه في آن معا.

ويبدو أن الأمور تسير بسرعة نحو حسم المعركة خصوصاً بعد الانذار الذي وجهته القوات المسلحة لـ (مختلف الأطراف) بضرورة تلبية مطالب الشعب خلال 48 ساعة، ولايخفى على المراقب المستقل أن هذا الانذار موجه في الجوهر رغم صيغته العائمة لمن يمسكون بالسلطة أي للرئيس محمد مرسي وجماعة الاخوان المسلمين.

وبغض النظر عن النتائج التي ستفضي إليها مليونيات (تمرد) في شوارع مصر، أو ما الذي سيحدث بعد ساعات قليلة على نشر هذا المقال،  مع انتهاء فترة إنذار الجيش، وهو ما ستغطيه وسائل الإعلام اليومية حتما بشكل واسع، إلا أنه يبقى مطلوباً تحليل هذه الحركة ومحاولة الاقتراب منها كونها (أي حملة تمرد) كشكل سياسي ستترك بدون أدنى شك تغيرات جوهرية على شكل الحراك السياسي، ليس في مصر وحدها، ولعل هذا أنجز فعلا..

في إطار علم الاجتماع السياسي، تبدو(تمرد) أقرب إلى (اللاحركات الاجتماعية) كما وصفها وحللها آصف بيات، إلا أن هناك فروقا واضحة تجعلها تستعصي حتى على هذا التصنيف، سواء من حيث الوصف أو الآلية أو الديناميات الداخلية. وهي وان كانت بدأت على شكل (حملة ) توسعت أفقيا، إلا أنها سرعان ما بدأت تأخذ شكل الحركة المنظمة، سواء عبر تظهير مؤسسيها ومنسقيها إعلاميا كقادة للتحرك، بل وإسباغ صفات من الإعلام لم يحدث أن رفضوها أو استنكروها مثل (مؤسس تمرد) أو (اللجنة المركزية لتمرد) وغيرها، ما يجعلها تنتقل من حالة شعبوية إلى وضعية إطار سياسي أقرب إلى ما يمكن تسميته (ضمن التجربة الفلسطينية مثلا) لجان المطلب الواحد، حيث أن الفوارق السياسية والأيديولوجية والثقافية والاقتصادية وغيرها لأعضاء تمرد من أفراد أو أحزاب تجعلهم أقرب إلى الانفضاض نحو أجنداتهم الخاصة في سياق الثورة بمجرد تحقيق هذا المطلب الواحد. ولعل ما يؤيد هذا الطرح بدون قصد ربما شهادة أحد أبرز قادة جبهة الإنقاذ (حامدين صباحي) عن تمرد إذ صرح: لافضل لنا في تمرد، انها قيادة الشباب، لايمكن ركوبها أو توظيفها لطموحات سياسية لأحزاب أو شخصيات، وهو يرى أن هذا جزء من نجاحها، وأنها أكبر من كل أحزاب المعارضة لأنها حركة شعبية ليست سياسية أي ليست حركة سياسيين. وهذا صحيح كله، لكن تمرد في الجوهر حركة سياسية ستتماثل في مرحلة من مراحلها مع السياسيين، وهذا ما يرجح تحليلنا بخصوص المطلب الذي سيتحقق ويستفيد منه الجميع، ومن ثم سينتقل كل إلى أجندته الخاصة، على العكس من جماعة الاخوان و(تجرد) المحتشدين أيديولوجيا وتبدو معركتهم معركة بقاء أو فناء. مع ملاحظة أن بعض أصوات المعارضة تبالغ في حديثها عن مظاهرات الثلاثين من حزيران كمعركة حياة أو موت، ولعله فاتها أن الشعوب لاتدخل هذا النوع من المعارك كونها لا تموت.

وانطلاقا من هذا بغض النظر عن التصنيف والتحليل المنهجي لـ (تمرد) فإنني حاولت مقاربتها من خلال ثلاثة أسئلة طرحتها على ناشطين مصريين مثقفين وناشطين سياسيين وأعضاء في تمرد..

كان السؤال الأول عن ماهية (تمرد) في السياق الثوري السياسي المصري، هل هي موجة ثانية من الثورة بمعنى هل يتم الحديث عن ثورة جديدة أم (الثورة مستمرة) ؟

وقد أجمع الناشطون المعنيون، أن (تمرد)-وصفها بعضهم بأنها حركة فيما رفض ذلك آخرون معتبرين أنها مجرد حملة- هي تعبير عن ثورة لم تنته، وحسب (أحمد بلال وهو صحفي وناشط سياسي) فإنه لا يوجد ثورات معلبة تبدأ بموعد وتنتهي بآخر، ويرى أن الثورة محكومة بإحدى نهايتين إما أن يتم القضاء عليها وهو ما لم يحدث في الثورة المصرية والنهاية الأخرى أن تنتصر الثورة وتحقق أهدافها، والثورة المصرية  لم تعرف أيا من النهايتين بعد إلا أنها ظلت مستمرة طوال العامين، وبالتالي فإن تمرد هي حلقة رئيسية وأصيلة من حلقات (ثورتنا وستكون الحلقة الأخيرة.. حلقة النصر.)، من جهته (أيمن أنور القيادي في حزب التجمع) يرى أن أي ( ثورة في العالم تحتاج وقتاً لكي تتمكن من إحكام سيطرتها علي الوطن وتطهيره من كل رموز الفساد والاستبداد، والثورة المصرية مرت بعدة مراحل: الأولى هي التخلص من النظام الفاسد الذي كان يحكم مصر، وما يحدث هو موجة ثانية لثورة 25 يناير لتتخلص الثورة من كل من حاول سرقتها من الثوار، رافضاً  مفهوم (ثورة ثانية) لأن هذا المفهوم في مضمونه انقلاب آخر على الثورة الأولى وهذا خطأ في المسميات.

وفي الحقيقة بغض النظر عن ماهية الحراك الثوري الجديد، فمن الواضح أنه يرسم أفقا جديدا ليس فقط لثورة 25 يناير وإنما لمفهوم التطلعات الشعبية وحدودها وكيفية إشباعها.

وفيما يتعلق بالماهية التنظيمية لـ (تمرد) طرحنا سؤالا حول كيفية التوفيق بين كونها –كما يقول ناشطوها-  لامركزية وأقرب للعفوية الشعبية، حيث تبدو (تمرد) كحركة اجتماعية أفقية غير منظمة وفي جوهرها يتضح أنها شديدة التنظيم.

يصحح أحمد بلال أن (تمرد حملة وليست حركة ومن هنا تأتي مركزيتها ولا مركزيتها)، فهي حملة أطلقها بعض النشطاء الذين تحولوا إلى مصب للاستمارات ومن هنا تتخذ الشكل المركزي، وهي أيضًا حملة أصبحت ملكاً لكل الحركات والأحزاب والمواطنين حيث أصبح كل من هؤلاء يجمع التوقيعات فأصبحت تظهر الحملة بشكل لا مركزي. بينما يرى أيمن أنور أن حركة تمرد مرت بعدة مراحل: الأولى أنها خرجت بشكل عفوي جدا وكان الجميع وخصوصا القوى السياسية المعارضة يقفون موقف المتابع في البداية لمعرفة الحركة وأهدافها، والمرحلة الثانية عندما اتضحت الرؤية وانضم لها الأحزاب وجميع القوى السياسية الوطنية لها اتخذت الحركة شكلا تنظيميا جماهيريا في الشارع.

فيما اعتبر الناشط والطالب الجامعي  هاني عبد الراضي أن حركة تمرد عبارة عن دعوة عفوية للشعب المصري لجمع توقيعات ضد هذه السلطة والمشاركة الشعبية الكبيرة هي ما أضاف لها التنظيم، حيث أن إيمان المواطنين بالفكرة جعلهم جنود عن الحملة.. لا يفكرون في أي تصعيد أو أي مكاسب يفكرون فقط في نجاح الحملة وتلك هي روح الثورة، مستبعدا استيلاء الأحزاب على الحملة لأن المكسب الوحيد للأحزاب أن تنجح الحملة في إسقاط مرسي.

وفي الآثار التي ستتركها الحملة والحراك الميداني المرتبط بها على العمل السياسي في مصر رأى أحمد بلال أن تمرد مدت جسرًا بين الثوار الذين بلغوا من الفعل الثوري مداه، وبين المواطنين العاديين الذين نطلق عليهم حزب الكنبة، والذين لم تكن لديهم أي ثقافة احتجاجية على الإطلاق. حيث التوقيعات فعل احتجاجي وطبيعة المواطن المصري أنه فلاح يخشى دائمًا التوقيع على أي ورقة خشية أن يوقع على بيع أرضه. هذه هي طبيعة المواطن المصري. هذه الطبيعة تغيرت في حملة تمرد حيث أصبح المواطن يوقع وبرقمه القومي وهذا الأمر يعني أن الثورة وصلت إلى أصحابها الحقيقيين، ووصلت الشوارع والحواري بعد أن كانت حبيسة الميادين، هؤلاء الذين وقعوا سيشارك على الأقل جزء كبير منهم في الموجة الثورية المقبلة وحتى الجزء الذي لن يكون بمقدوره أن يشارك سيمثل حائط صد ضد الدعاوى الإخوانية ضد الثوار.

واعتبر أيمن أنور أن التجربة تمثل امتحانا فعليا لكل حزب سياسي فأي حزب أو حركة أو أي كيان سياسي لا يعمل لصالح أجندة الشعب والوطن سينتهي للأبد، وجماعة الإخوان المسلمين نموذج للتنظيم الحديدي الذي سينصهر علي عتبة الشعب المصري لأنها جماعة عملت لصالح أجندتها الخاصة لا لصالح الشعب والثورة والوطن التي انتظر الجميع أن تعيد لمصر ولشعبها المكانة الطبيعية التي تستحقها، مما دعا الشعب لرفض حكم الإخوان والنزول لاستعادة ثورته، على حد تعبيره.

وذهب هاني عبد الراضي إلى أن يوم 30 يونيو ضربة مؤثرة في الساحة السياسة أيا كانت النتائج، ويوم 30 يونيو هو اختبار واضح للشعب المصري هل هو داعم لمشروع الإخوان أم معارض له وقدر الاستجابة ستكون الأوزان النسبية للقوى السياسية.

في الختام، تلك كانت محاولة للإضاءة على حركة تكتب فصلا جديدا من تاريخ مصر الحافل بالفصول المضيئة التي يسجلها هذا الشعب يوما بعد يوم في طريق يبدو شاقاً نحو الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ومما لاشك فيه أن ما حدث ويحدث إنما هو دليل على وجود شباب مازال قادرا على الحلم، وما زال مؤمنا بإمكانية تحقق لأحلام المرتبطة بإرادة ثورية والمحتضنة بالشعب، ولاشك أن حملة (تمرد) وضعت مصر في مرآة نفسها، حيث أثبتت أن عاما من حكم مصر من قبل الجماعة كاد يودي بمصر إلى الكارثة، في ذات الوقت الذي فشلت فيها المعارضة بأن تقنع الشعب بأن من بينها من يصلح بديلا... ومن استحالتين: استحالة قدرة النظام على النجاح، واستحالة قدرة المعارضة على توفير بديل: كانت تمرد.

التعليقات