03/07/2013 - 12:57

ويظل الشعب المصري لثورته أميناً......لكن../ علي جرادات

في الواقع انتهت سلطة "إخوان" مصر. أما ترسيم ذلك فمسألة وقت ليس إلا

ويظل الشعب المصري لثورته أميناً......لكن../ علي جرادات

في الواقع انتهت سلطة "إخوان" مصر. أما ترسيم ذلك فمسألة وقت ليس إلا. ففي 30 يونيو جاءت الموجة الثانية من ثورة 25 يناير قوية هادرة مبهرة، حيث غطت ملايين المتظاهرين ميادين مدن وقرى مصر كافة، فيما العصيان المدني يدق الباب، ما حدا بالجيش أن يطلب "تحقيق مطالب الشعب" خلال 48 ساعة في انذار واضح للرئيس المصري. إذاً صار "الإخوان" في عنادهم "كناطح صخرة يوماً ليوهنها......فما لانت وأوهى قرنه الوعل". أما لماذا؟

أولا: بهذه الموجة من الثورة استعاد الشعب المصري وطلائعه الشبابية زمام المبادرة لتصحيح مسارها، وصار الداخل المصري قادراً على إجبار الخارج، إقليمياً ودولياً، على الرضوخ وإعادة الحسابات وإنهاء التعامل مع هذا الداخل كبيادق شطرنج، وعلى بدء التعامل معه كديناميكية يفرضها طوفان بشري ولا يمكن احتواؤها، بل تفرض التوافق مع مطالبها. فالداخل هو نواة البيضة التي فقست صوص ديك خرج منها يصيح، ذلك على الرغم من كل التوافقات الخارجية التي سهلت وصول "الإخوان" للحكم لاستخدامهم أداة في محاولات إعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة، وكأننا أمام سايكس بيكو جديدة.

ثانياً: المجتمع المصري مجتمع شاب، فيه أكثر من 50% تحت سن 25. وهذه طاقة موضوعية هائلة عبرت عنها حركات شبابية طليعية تمثلت عصرها، ولم تأت من فراغ، بل هي ثمرة كفاح وطني وقومي ديمقراطي مديد. طليعة شعارها: "الأيدي المرتعشة لا تقوى على البناء". فكان لها، (خلافاً لمعارضات أعيتها عقود من "تجريف" المجتمع السياسي والمدني)، أن أطلقت في 25 يناير --ضمن حالة عربية عامة- ثورة سلمية التف حولها شعبها، وبسرعة قياسية، أطاحت رأس نظام مستبد فاسد وتابع.

ولعل أحد أهم مشاكل جماعة "الإخوان" كثاني قوة منظمة بعد الجيش، أنها منذ تولت السلطة باسم، وعلى كتف، هذه الثورة، حاولت كمن "يستنبت شارب الطفل" استعجال أمر "أخونة" الدولة والمجتمع، وكأن الجماعة تساوي المجتمع، فانطبق عليها مأثور القول: "على نفسها جنت براقش"، عندما أطلقت- بلا حدود- شهوات الحكم والتفرد فيه وإقصاء الآخرين عنه، ناسية، بوعي أو بجهالة، أنها بذلك إنما تضع تكوينها الفكري والسياسي الثيولوجي، (الدين السياسي)، أمام امتحان لم يحصد غير انكسار الشوكة، بحسبانه تكويناً يعاني تخلفاً يجعله خارج العصر والممكن التاريخي وحسابات عامة المصريين وأولوياتهم الاقتصادية الاجتماعية مادام يتقمص ديمقراطية صندوق الاقتراع، ويفصلها عن حاجاتهم كجائعين، ويفرض عليهم الانصياع لأوامر "السمع والطاعة"، وكأنهم أعضاء في "جماعة" لا أعضاء في مجتمع تصهرهم المواطنة كأفراد أحرار متساوين، بل وكأن بوسع نظام الأعطيات حل مشاكلهم المستفحلة في العمل والسكن والتعليم والصحة والحرية في المعتقد والاختيار والتعبير. هذا علماً أن هموم المواطن المصري، والعربي عموماً، باتت اليوم تحصيل لقمة العيش ومستوى اقتصادي يجعله حراً من أية تأثيرات تأتي من خارجه وتزيف صوته الحقيقي وتجعله مُشْتَرى بأنبوبة غاز أو كيس طحين. ولا غرابة إذ كيف لجماعة سلطوية استحواذية إقصائية تقمصت دور القائد الديمقراطي أن تتصرف على أساس أن هنالك في الديمقراطية ديمقراطية التمثيل، وهنالك الديمقراطية المباشرة التي يعد الطوفان البشري الذي تشهده مصر منذ 30 يونيو شكلاً من أشكالها، حيث عبر الشعب المصري عن رفض السلطة التي تحكمه والواقع الذي يعيش. هنا انكسر منطق "الإخوان" القائم على مسلمات نصية أيديولوجية لا ترى في التاريخ سوى مؤامرة على عقلهم ونصهم.

ثالثاً: كان جوهر مأزق المعارضة الوطنية الديمقراطية هو تخلي أطرافها- المنقسمة على نفسها- عن المسار الثوري، وقبول المجابهة على أرضية دستورية بدأت مع أول إعلان دستوري صاغه- بموافقة "الإخوان" و"المجلس العسكري"- المستشار طارق البشري. وهو ما كان دون طموح مفجر الثورة، الشباب، المعبر عن الحاجات الواقعية لجماهير شعبية عريضة التفت حول هذه الثورة وأعطتها زخمها الفعلي.

اليوم: تجاوز الشباب هذا المأزق من خلال "حملة تمرد"، بعد أن حاول ذلك أكثر من مرة لتكون الذروة في 30 يونيو، حيث أنقذ الشباب المعارضة من مأزقها، وأصبح القول الفصل بيده، وبالتالي بيد الشعب الذي التف حوله بصورة لم تشهدها مصر في تاريخها الحديث. شعب يهتف- تحت علم مصر- بصوت واحد بشعار سياسي ناظم: "انتخابات رئاسية مبكرة"، و"نحن ثوار لا كفار"، "إرحل طوعا وفوراً أو نطيحك بالعصيان المدني". ما يعني أن شعب الثورة وشبابها استفادا من التجربة وهضما دروسها، ولم يعودا في زمن تسليم السلطة للجيش، وإطاحة رأس النظام، فقط، إنما في زمن تفكيك هذا النظام وإعادة بنائه على يد قيادة سياسية وميدانية مقدامة تمتلك تصوراً واضح المعالم للتغيير المنشود وفقاً لأهداف الثورة في"العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية والإنسانية".

   بهذا كله اهتزت أركان النظام لدرجة أن هنالك من رموز قيادة "الإخوان" من يقول "ليتنا لم نتورط في تسلم رئاسة مصر". أما لماذا؟ لأن ارتدادات الزلزال الجاري في مصر، بوصفها مرآة الأمة، ومركز تنظيم "الإخوان" الدولي، ستصيب الوطن العربي كله، وستترك آثارها العميقة على مكانة ودور "الإخوان" فيه، بل وعلى مكانة ودور تيارات "الإسلام السياسي، عموماً.

   لكن هذا ينطوي على مخاطر مطلوب تفاديها، أولاها: أن تُقدم قيادة "الإخوان"، وللدقة جناحها الصقري، مع حركات "إسلامية" أخرى، على ارتكاب حماقة الانتقال إلى حالة تكفيرية عنيفة، علماً أن سجلها حافل بذلك، إن كان في مصر أو غيرها، ما يدعو إلى التفريق بين "سلطة الإخوان" وتنظيم "الإخوان"، بمعنى أن إطاحة سلطتهم بطريقة سلمية لا تعني البتة إقصاء أو استئصال تنظيم "الإخوان" المطلوب العمل على تحويلهم إلى حزب سياسي علني مرخص وفقاً لقانون الأحزاب، أي العمل على دمجهم في المجتمع السياسي والمدني على قاعدة مدنية الدولة، وبحسبانهم حزباً ضمن أحزاب، وعليهم قبول حقيقة أن ما جرى لهم لم يكن بسبب "اللا إخوانية"، إنما بسبب انكشاف عجزهم عن قيادة الدولة، وفشلهم في تحقيق إنجاز ذي شأن، إن بالمعنى الوطني والقومي، أو بالمعنى الديمقراطي بشقيه السياسي والاجتماعي، عدا أنهم أعادوا الدولة إلى ما قبل الحداثة، حين ساووا- في الممارسة- بين المجتمع و"الجماعة"، وحولوا منصب رئيس أكبر دولة عربية إلى رئيس لـ"جماعة" وليس رئيساً لكل المصريين، بل وأشاروا عليه بإصدار "إعلان دستوري" لا يملك صلاحية إصداره، ليصبح بموجبه  حاكماً بأمره،  فيما هو رئيس تولى الحكم باسم ثورة، وعد بالعمل على تحقيق أهدافها، ولم يفِ بوعده، وفاز بأصوات معارضيه نكاية في منافسه، ثم انقلب عليهم، وعمل على اقصائهم، ومرر في ليل-بتوجيه من "جماعته"- مشروع  دستور غير توافقي، وافقت عليه 20% فقط من هيئة الناخبين.

دستور ساوى في مادته الأولى الهوية العربية للدولة المصرية بامتداداتها الإسلامية والإفريقية والمتوسطية؛ وعرَّف في المادة (219) مبادئ الشريعة الإسلامية بـ"أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المُعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة"، ما يعني مذهبة الدولة والمجتمع؛ وأضاف في المادة (4) "أخذ رأي هيئة علماء الأزهر" في تفسير مبادئ الشريعة، أي ليس المحكمة الدستورية فقط؛ ولم ينص في المادة (10): "المصريون سواء أمام القانون"، على "بمعزل عن دينهم أو مذهبهم أو جنسهم أو معتقدهم أو طبقتهم أو....، ما يعني العودة إلى نظام الملة العتيق وإلغاء نظام المواطنة الحديث؛ وربط في المواد المتعلقة بالحقوق الاجتماعية الحد الأدنى للأجور بالإنتاج، وليس بالأسعار والأرباح، ولم يحدد حدا أعلى لملكية الأراضي، ولم يمنع تملّك الأجانب لها؛ وأجاز حل النقابات، وليس مجالسها الإدارية فقط، ما يعني تعميق إدراج مصر في دواليب نظام الليبرالية الجديدة؛ وأعطى  في المواد المتعلقة بنظام الحكم، (شبه الرئاسي)، رئيس الجمهورية صلاحية تعيين رؤساء أجهزة الرقابة التي يفترض فيها المراقبة على سلطته، وعلى السلطة التنفيذية، عموماً، ما يعني إعادة انتاج نظام الاستبداد بحلة جديدة؛ وأضاف مادة: "تضمن الدولة والمجتمع عدم المساس بالأخلاق والقيم الأصيلة"، المساوية لمعزوفة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". إذاً أين الغرابة في أن يظل الشعب المصري لثورته أميناً ويطيح "سلطة الإخوان"؟!

التعليقات