24/07/2013 - 11:05

استئناف المفاوضات والاستحقاق المفروض../ علي جرادات

موافقة قيادة منظمة التحرير على استئناف المفاوضات دون قبول حكومة إسرائيل للمطالب الفلسطينية المعلنة إنما تساوي العودة لتجريب المجرب الذي لن يفضي إلا إلى تعميق المأزق الفلسطيني متعدد الأبعاد

استئناف المفاوضات والاستحقاق المفروض../ علي جرادات

لم ينفع تعهد قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بتعطيل استكمال خطوة الحصول على صفة "دولة غير عضو" بالانضمام إلى التشكيلات التخصصية لهيئة الأمم المتحدة، وفي مقدمتها محكمة الجنايات الدولية، في دفْع إدارة أوباما للضغط على حكومة نتنياهو للقبول بوقف إجراءات الاستيطان والتهويد، وإطلاق سراح أسرى ما قبل "أوسلو" والإقرار بحدود العام 1967 كمرجعية للمفاوضات، كخطوات لا بد منها لجعل خطوة استئناف المفاوضات خطوة ذات معنى. بل على العكس، وكالعادة، تملصت إدارة أوباما من وعودها،  وعادت لممارسة الضغط على الطرف الفلسطيني لإجباره على القبول بـ"استئناف المفاوضات"، مستخدمة صيغة ملتبسة، فحواها موافقتها هي- وليس حكومة نتنياهو- على المطالب الفلسطينية، وساعدها في ذلك قبول "اللجنة الوزارية العربية" بهذه الحيلة، المرادفة لاستئناف المفاوضات "دون شروط مسبقة" كما تطالب وتعلن حكومة نتنياهو. وبالمثل لم ينفع تقديم "اللجنة الوزارية العربية" لتنازل الموافقة المجانية على "تبادل الأراضي" في توفير الضغط الأمريكي الموهوم على حكومة نتنياهو الثابتة على موقفها: استئناف المفاوضات "دون شروط مسبقة". ماذا يعني هذا الكلام؟

بمعزل عن شكلها أو تخريجتها فإن موافقة قيادة منظمة التحرير على استئناف المفاوضات دون قبول حكومة إسرائيل للمطالب الفلسطينية المعلنة التي لا تلبيها- ولو في حدها الأدنى- الحيلة الأمريكية، إنما تساوي العودة لتجريب المجرب الذي لن يفضي إلا إلى تعميق المأزق الفلسطيني متعدد الأبعاد، داخلياً: انقسامات متعددة الأوجه، وخارجياً، العجز عن مواجهة الاحتلال. إذ حتى لو جاءت هذه الموافقة وفق تخريجة أن تقدم إدارة أوباما حيلتها مكتوبة، فإن حصيلة المفاوضات-مساراً ونتيجة- تبقى هي ذاتها، أي الذهاب للتفاوض كغاية في حد ذاتها. هكذا تريده حكومة نتنياهو برعاية أمريكية. بل، وحتى لو جاءت هذه الموافقة-كما تبدو لي- من قبيل "مشاغلة" أو "مسايرة" موقف إدارة أوباما لتجنب تحميل قيادة منظمة التحرير  مسؤولية إفشال جهود استئناف المفاوضات، فإن الأمر لا يعدو كونه تقطيعاً للوقت لن يحصد- برأيي- سوى تأجيلاً لاستحقاق لا مفر منه، جوهره: التجرؤ على خطوة تخليص ملف الصراع من الرعاية الأمريكية المعادية للقضية والحقوق والرواية الفلسطينية، ونقله بالكامل إلى رعاية هيئة الأمم ومرجعية قراراتها عبر استكمال خطوة الحصول على صفة "دولة غير عضو" بالانضمام إلى كل التشكيلات التخصصية لهيئة الأمم المتحدة، وأولاها محكمة الجنايات الدولية. أما لماذا؟

1: حكومة نتنياهو، ككل حكومات إسرائيل منذ مؤتمر مدريد، 1991، وحتى اليوم، لا ترفض المفاوضات، لكنها تريدها غاية في حد ذاتها، وبلا "شروط مسبقة"، أي دون مرجعيات القرارات الدولية ذات الصلة بالصراع، ودون الوقف الكلي والشامل، ولا حتى الجزئي والمحدود، لإجراءات الاستيطان والتهويد وفرض حقائقها على الأرض. وهو ما يجعل مصير جولة التفاوض المزمعة مع حكومة نتنياهو كمصير ما سبقها من جولات تفاوض مع حكومات إسرائيلية سابقة، أي يجعل إمكان تمخضها عن إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 ضرباً من الخيال، لا سيما وأن لدى نتنياهو، كسابقيه من قادة إسرائيل، خطة مسبقة لإدارة المفاوضات وتوجيهها وفقاً لثوابته، وليس وفقاً لكونها مفاوضات مع طرف فلسطيني له مطالب وأهداف وحقوق تكفل الحد الأدنى منها قرارات الشرعية الدولية.

2: حكومة نتنياهو-فعلاً- حكومة مستوطنين بدليل "أنه تم، (وفق تقرير لحركة "سلام الآن")، منذ بداية ولايتها في 18 آذار الماضي إقرار مخططات لبناء أكثر من 5000 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات.. وأنها ضربت رقماً قياسياً غير مسبوق بإصدارها هذا الكم الهائل من تصاريح البناء في المستوطنات خلال أربعة شهور.. وأن هذه الوحدات السكنية الاستيطانية موجودة في مراحل مختلفة من إقرارها وأن بينها 1500 وحدة تقريباً حصلت على المصادقة النهائية من جانب وزير الدفاع، موشيه يعالون، للبدء في بنائها". هذا ناهيك عن أنه في عهد هذه الحكومة أقرت "الكنيست" بالقراءة الأولى قانون برافر القاضي بالاستيلاء على نحو 800,000 دونم من أراضي النقب. وهو ما يعد نكبة ثانية و"خبطة" تهويد وتطهير عرقي مماثلة لـ"خبطة" مخطط كينيغ لتهويد الجليل في العام 1976 التي فجرت انتفاضة "يوم الأرض" المجيدة التي أفشلت ذاك المخطط، حيث لا زالت أغلبية سكان الجليل فلسطينية. هذا ناهيك عن غياب الإقبال اليهودي على السكن والإقامة في الجليل.  

3: حكومة نتنياهو، ككل حكومات إسرائيل السابقة، تمتلك تصوراتها المسبقة للتعامل مع الصراع لا على المستوى الفلسطيني، فحسب، بل، وعلى المستويين العربي والإقليمي، أيضاً، ما يعني أنها تدير عملية التفاوض بعقلية تاجر الجملة الذي لا يتعامل مع القضايا بالمفرق.

4: وهذا كله  تدعمه، بل ترعاه، بتحايل مكشوف، إدارة أوباما، ما يعني أنها ككل الإدارات الأمريكية السابقة، لا تريد- رغم قدرتها- الضغط على حكومة نتنياهو.

5: أما عناصر التأييد الدولي والإقليمي، الرسمي منها والشعبي، للموقف الفلسطيني فسوف تبقى في نطاق "تبرئة الذمة"، ولن تتحول إلى دعم سياسي فاعل إلا إذا توافر لها موقف فلسطيني يدفعها بهذا الاتجاه بدليل ما حازته خطوة التوجه للأمم المتحدة في العام الماضي من تأييد كاسح أثمر الحصول على صفة "دولة غير عضو".

6: أما مواقف الأنظمة الرسمية العربية من القضية الفلسطينية فسوف تبقى في حدود "نقبل بما يقبل به الأخوة الفلسطينيون" طالما لم يتوافر موقف فلسطيني يحرجها أمام شعوبها المنتفضة ويجبرها على الانتقال من خانة "بريان العتب" إلى القيام ولو بالحد الأدنى من واجبها القومي تجاه "قضية العرب الأولى".

بهذا كله بات يقيناً لا شك فيه أن الموافقة الفلسطينية على استئناف المفاوضات بناء على الحيلة الأمريكية لن تفضي إلا إلى استمرار دوران الموقف الفلسطيني في هامش ما تخطط له إدارة أوباما وحكومة نتنياهو لا على المستوى الفلسطيني، فحسب، بل على مستوى الإقليم، عموماً. وهو الأمر المرادف  لتعطيل كل إمكانية لعودة العامل الوطني الفلسطيني إلى مركز الحركة الواسعة والتحولات الكبيرة الجارية في المنطقة. هذا علماً أن هذه العودة لن تكون إلا باستنهاض الحالة الشعبية الفلسطينية وتوحيدها لحماية الموقف السياسي الرسمي. أما مدخل ذلك فقد صار في غنى عن الشرح، أي إنهاء الانقسام الداخلي، وتجديد الشرعيات وتوحيد مؤسساتها ومرجعياتها، وأولاها منظمة التحرير الفلسطينية، بدءاً بمجلسها الوطني، بالانتخاب حيث أمكن، وبالتوافق حيث تعذر. أما دون ذلك فلن يفضي إلا إلى استمرار تحرك العامل الوطني الفلسطيني كمتغير خارجي وليس في صلب خطة الولايات المتحدة للمنطقة ارتباطاً بمصالحها ومصالح ربيبتها إسرائيل. فالولايات المتحدة تفكر في العامل الفلسطيني كعامل يجب تهدئته بغرض تثبيته، والحيلولة دون أن يأخذ مفاعيله وآثاره في مجمل الحراك الشعبي العربي الجاري الذي أعيد اعتباره في مصر في 30 يونيو الماضي.

التعليقات