02/08/2013 - 11:40

مراكمة العراقيل أمام المقاومة../ عوض عبد الفتاح

إن إجبار الطرف الفلسطيني على العودة إلى المفاوضات بدون شروط، ووعد السلطة بأربع مليارات، يهدف إلى ترسيخ بنية النظام الفلسطيني الرسمي الفاشل والمترهل والعاجز وغير المؤهل لإجراء إصلاح داخلي، والرافض والعاجز عن اعتماد بدائل كفاحية. كل ذلك يهدف إلى مراكمة العراقيل أمام مقاومة شعبية واسعة وحقيقية.. ولكن إلى متى؟

مراكمة العراقيل أمام المقاومة../ عوض عبد الفتاح

على امتداد تسعة شهور سيجلس المحتلون الإسرائيليون مقابل ممثلي سلطة الحكم الذاتي في رام الله، في غرفة أو غرف ليتداولوا بشأن المسائل الجوهرية المتعلقة بالصراع. ستكون أيدي إسرائيل طليقة على الأرض في حين أيدي السلطة مكبلة طيلة هذه المدة. هذا ما تقرر بعد انتهاء الجولة التمهيديّة الاستكشافية التي جرت في واشنطن برعاية الداعم الأساس للمشروع الصهيوني هذا الأسبوع.

كانت إسرائيل بحاجة الى هذه المفاوضات وإن بدون شروط إطلاقًا. وفقًا لموقف نتنياهو القائل بإدارة الصراع وليس حله. وإن خضوعها لمطلب إطلاق عشرات الأسرى الفلسطينيين جاء مقابل مواصلة البناء الاستيطاني وهو الأهم استراتيجيًا بالنسبة لإسرائيل. ألم يقل وزير الإسكان الإسرائيلي أوري ارييل لصحيفة معاريف "مقابل إطلاق كل مخرب ستُبنى آلاف الوحدات السكنية" ناهيك عن مباهاته بجرائمه ضد الفلسطينيين. إسرائيل تواجه عزلة متزايدة في العالم. وهي  تريد غطاء لسياساتها الاستعمارية غير المتوقفة وها هي تحصل عليه.

ممثلو سلطة الحكم الذاتي تنازلوا عن شروطهم، مقابل وعد برشوة أخرى  "دسمة" – 4 مليارات دولار. كل هذه الوعود مشروطة بتقدم المفاوضات؛ أي بمواصلة تقديم التنازل من جانب الفلسطينيين.

ممثلو السلطة الفلسطينية، الذين ذهبوا الى هذه المفاوضات متحدين الرأي العام الفلسطيني، ومواقف غالبية الفصائل المنضوية داخل منظمة التحرير الفلسطينية، فضلاً عن حركتي حماس والجهاد، يرددون أنهم يريدون أن يظهروا للعالم أن إسرائيل هي الرافضة للسلام وبعد ذلك يعودون إلى دراسة البدائل الأخرى!!

ليس لهذا الكلام رصيد لأنه:
اولاً: إن عشرين عامًا من المفاوضات كانت كافية لإثبات نية الفلسطينيين بالسلام. بل يمكن القول إن القيادات الفلسطينية كانت مستعدة للذهاب مسافة كبيرة وخطيرة عن الثوابت الفلسطينية. وبعضها مستعد لذلك الآن.. مثل التنازل عن حق العودة. وحصره داخل الضفة والقطاع.. حيث يتكدس في هاتين المنطقتين مئات آلاف اللاجئين في مخيمات البؤس.

  ثانيًا: ثلاث سنوات أو أكثر مرت، توقفت خلالها المفاوضات ولكنها هدرت أيضًا دون أن تجري خلالها إلا خطوات جزئية (على المستوى الدولي) ولم تستكمل بسبب الخضوع للضغوط والتهديدات الأمريكية والإسرائيلية. أما على مستوى المصالحة فلا زلنا في نقطة الصفر.

ثالثًا: أكدت قيادة السلطة الفلسطينية خلال هذه السنوات الثلاث بشكل قاطع عجزها الكامل (بل رفضها) عن اجتراح البدائل وأهمها المقاومة الشعبية، العامل الحاسم في دحر المشروع الكولونيالي. لقد تكرست ذهنية الهرب من المواجهة وغابت روح الإقدام وروح الإبداع والخيال لدى النخبة الفلسطينية الحاكمة في محاصرة المشروع الاحتلالي. هذا هو نتاج اتفاق أوسلو وأحد أهدافه الرئيسية؛ ترويض النخب الفلسطينية وهدم مفاهيم حركة التحرر.

رابعًا: تواصل عملية الاستيطان والنهب والتطهير العرقي ومُزودة بالغطاء الذي يمنحه استئناف المفاوضات. وهذا هو الفرق بين الاستيطان بغطاء واستيطان بدون غطاء. والأخطر هو حالة الانتظار والاسترخاء وتعطيل القوى الناجمة عن نسج الأوهام التي تُعلـّق على المفاوضات.

لن تقبل إسرائيل حتى التنازلات التي أعلن الطرف الفلسطيني الرسمي عنها مسبقًا، الذي سيتعرض الى ضغوط مستمرة من جانب الراعي الإمبريالي لتقديم المزيد من التنازلات. ولأنه لن يجرؤ على الهبوط أكثر بسقف المطالب الفلسطينية، فإنه سيُحمّل هو المسؤولية عن إفشال المفاوضات في حين يخرج الطرف الإسرائيلي منتصرًا.

إزاء ذلك كله، وفي ظل العودة الى المفاوضات العبثية، التي تعني تكريس الكارثة الفلسطينية، ليس هناك خيار أمام الشارع الفلسطيني وقواه الحية سوى الخروج من حالة المعارضة الناعمة لهذا النهج، وتصعيد الحراك الشعبي الذي عبرت، وإن بشكل محدود، عنه بعض الأطراف الفلسطينية اليسارية والشعبية.

إن إجبار الطرف الفلسطيني على العودة إلى المفاوضات بدون شروط، ووعد السلطة بأربع مليارات، يهدف إلى ترسيخ بنية النظام الفلسطيني الرسمي الفاشل والمترهل والعاجز وغير المؤهل لإجراء إصلاح داخلي، والرافض والعاجز عن اعتماد بدائل كفاحية. كل ذلك يهدف إلى مراكمة العراقيل أمام مقاومة شعبية واسعة وحقيقية.. ولكن إلى متى؟

التعليقات