13/08/2013 - 16:21

زيادة نسبة الحسم من 2% الى 4%: لماذا يعارضه نواب عرب؟../ د. مسعود اغبارية

ونشرت صحيفة إسرائيلية أن كثيرا ممن شاركوا في تلك الاحتجاجات قد غادروا البلاد للتفتيش عن حياة أفضل في مناطق اخرى في العالم. ما نشر أن حوالي 40% من اليهود الإسرائيليين يحملون جوازات سفر غير الجواز الإسرائيلي وهم ينتظرون فرصا حتى يهاجروا من هذه البلاد يخيف من يقترحون زيادة نسبة الحسم لانها تزيد الخناق وحرية الإختيار والتفكير عند الكثير من الإسرائيليين.

زيادة نسبة الحسم من 2% الى 4%: لماذا يعارضه نواب عرب؟../ د. مسعود اغبارية

ليس احتجاج أعضاء الكنيست العرب سواء كان بالصمت أو بغيره، إن كان في مكانه أصلاً، على اقتراح تعديل قانون في إسرائيل لزيادة نسبة الحسم في الانتخابات العامة للسلطة التشريعية (الكنيست) من 2% الى 4 % الذي صوتت عليه الكنيست بالقراءة الاولى في نهاية تموز 2013 هو الذي سوف يعطل بند زيادة نسبة الحسم ويمنع تواصل قراءاته في الكنيست أو حتى إبطاله بعد إقراره ولو بعد حين كما حدث لقوانين اخرى، وإنما قناعات متزايدة في أوساط أكاديمية ورسمية إسرائيلية، من بين أبرزها إستراتيجيي حزب العمل وإن كان الحزب بعد انتخابات كانون الثاني 2013 في المعارضة، لأن التعديل الذي تم اقتراحه بالاصل من قبل حزب جديد سيأتي بنتائج وخيمة على البنية الاجتماعية والسياسية في إسرائيل، حيث يتجاهل تعدد العرقيات الاثنية الكثيرة التي يعود أصلها إلى أكثر من 110 مجموعة عرقية غير متجانسة كل بحاجة الى متنفس لنشاطات سياسية مميزة، وسيزيد احتمال توحيد الأحزاب العربية وقد يدفعها أيضا للتواصل مع مجموعات غير عربية وخاصة مع مجموعات مهاجرة من الشرق ومن دول الاتحاد السوفيتي سابقا، لبناء تكتلات جديدة  من المتوقع ان تكون اكثر تأثيرا مما هي اليوم في تحديها للسياسات التي تمارس ضدهم. حدد مئير شطريت حين كان وزيرا للداخلية في إسرائيل، أن 70% من المهاجرين الذين قدموا الى البلاد من الدول التي كانت تؤطر الاتحاد السوفييتي منذ بداية سنوات التسعين من القرن الماضي غير يهود. كذلك هناك زيادة  في تذمر أحزاب شرقية ومتدينة مع تفاقم الازمات الاجتماعية والاقتصادية والحركات الاحتجاجية الاجتماعية التي بدأت تغزو الشوارع في صيف 2011 وتشكل بداية تغييرات أساسية في البنية الاجتماعية الإسرائيلية.

ونشرت صحيفة إسرائيلية أن كثيرا ممن شاركوا في تلك الاحتجاجات قد غادروا البلاد للتفتيش عن حياة أفضل في مناطق اخرى في العالم.[1] ما نشر أن حوالي 40% من اليهود الإسرائيليين يحملون جوازات سفر غير الجواز الإسرائيلي وهم ينتظرون فرصا حتى يهاجروا من هذه البلاد يخيف من يقترحون زيادة نسبة الحسم لانها تزيد الخناق وحرية الإختيار والتفكير عند الكثير من الإسرائيليين.[2]

يمكن تعريف نسبة الحسم على أنها نسبة الاصوات الصالحة التي يجب على كل حزب الحصول على الأقل عليها كي يشارك في تقسيم المقاعد في البرلمان. فحين تكون على سبيل المثال الاصوات الصالحة 4 مليون صوت، وحين تكون نسبة الحسم 2 % تكون الاصوات المطلوبة من كل حزب الحصول عليها حتى يشارك في توزيع مقاعد الكنيست 80 ألف صوت.

معارضة النواب العرب، لماذا؟

تميز رد أعضاء الكنيست العرب بالصمت مع جملة هنا وتبرير هناك لأهمية هذا الاسلوب، وجمل متقطعة لمعارضة التعديل. النائب محمد بركة يفترض أن التعديل سيعمل على "إسكاتنا في الكنيست" غير ان رده حمل روح تحد وإصرار على مواصلة المسيرة من أجل تحقيق المصالح العربية.  النائب حنا سويد يقول: "إن القانون يهدف الى اخراج الصوت العربي الحقيقي من الكنيست". (.........).  النائب جمال زحالقة يؤكد ان التعديل  هو عنصري يستهدف الى ترانسفير سياسي ومناقض لمبادئ الديمقراطية التي تعتمد على حكم الأكثرية وحقوق الاقلية. النائب إبراهيم صرصور يصف التعديل بأنه عنصري يهدف الى تجفيف وجود العرب داخل الكنيست. [3]  عضوان من الأعضاء العرب زحالقة وصرصور أشارا الى احتمال ان يؤدي هذا الامر الى دفع العرب لتحقيق وحدة بينهم. النائب زحالقة قال ولو بشكل غير مباشر، وهو بذلك يشير الى ان القانون ربما سوف يساعد في توحيد القوى السياسية العربية " كررنا دعوتنا دائما لوحدة الأحزاب العربية وإقامة قائمة مشتركة".

قد تعود معارضة النواب العرب لهذا التعديل لتخوفهم قصير الأمد على مقاعدهم، وهذا في الحسابات السياسية أمر متفق عليه ومقبول، غير أن هذا الرد لم يكن مدروسا لأننا قد نتحدث عن تطور قد يساعد ولو لم يقصد المبادرون له بتاتا، زيادة تمكين العرب وزيادة قوتهم حتى في حلبة الكنيست للتأثير على متخذي القرار في إسرائيل من اجل خدمة مصالح الجماهير العربية.

هل حقا يعنى التعديل إخراس الصوت العربي في الكنيست وهل يتناقض الامر ومبدأ الديمقراطية في علاقة الاقلية والأغلبية؟  أعتقد ان الامر ليس محاولة لكم المواطنين العرب ومنع تمثيلهم في الكنيست كما يدعي البعض، حيث يرى قادة المشروع الصهيوني في وجود عربي في الكنيست قرينة لتسويق ديمقراطية اسرائيل في العالم، مع أنني لا استثني ان يكون هذا التفكير معشعشا في عقول أغلب قادتهم السياسيين. كما انني لا أرى في زيادة نسبة الحسم في الانتخابات تناقضا ومبادئ الديمقراطية، وليس بالضرورة مضرا في حق الاقليات في هذه الحقبة التاريخية التي بها محاولات التنسيق والتعاضد وحتى التوحد من اجل نيل الحقوق الاساسية وليس بالضرورة على أسس عرقية أو قومية أو حتى طبقية تتزايد في الكثير من مناطق العالم.

يمكن الادعاء أن هذا التعديل هو إجراء يقوم به مسؤولون في نظم سياسية تعتمد الانتخابات كوسيلة لخلق شرعية سياسية ولنقل السلطات، من اجل تقليل عدد الاحزاب الممثلة في البرلمان بغية زيادة احتمال الاستقرار السياسي وتجنب إبتزازات احزاب صغيرة. هذا متبع على سبيل المثال في تركيا وتصل نسبة الحسم الى 10% وفي هذه النسبة نجح الأكراد، وهم الاقلية الكبيرة في تركيا حيث يتجاوز عددهم العشرين مليون كردي، في الحصول على تمثيل برلماني رغم صعوبات كثيرة. وتصل نسبة الحسم في المانيا 5%.

حين سيلمس المبادرون لهذا التعديل وعلى رأسهم ديفيد روتم، رئيس لجنة التشريع في الكنيست ومن ابرز زعماء حزب "يسرائيل بيتينو" برئاسة افيغدور لبرمان، أن التعديل قد يأتي بنتائج إيجابية بالنسبة للعرب من أبرزها توحيد الأحزاب العربية في حلبة الكنيست، لن يترددوا من العدول عنه أو حتى إلغائه بعد إقراره.

تاريخيا هناك رأي يقول إن الموافقة على إلغاء قانون الانتخاب المباشر لرئيس الوزراء في إسرائيل عام 2003 الذي حدد ان هدفه تقوية شرعية رئيس الوزراء حيث سيتم انتخابه من الناس مباشرة وإضعاف محاولات إبتزاز الاحزاب الصغيرة حين تشكيل حكومات إئتلافية، بعد إقراره عام 1992  وتم تطبيقه بشكل عملي في ثلاث انتخابات عام 1996 وعام 1999 وعام 2001، لعدة أسباب من بينها أن القانون ساعد على زيادة وزن الصوت العربي بشكل واضح ليصبح أكثر تأثيرا في حسابات نجاح أو فشل رئيس الوزراء نفسه.[4] أحزاب صهيونية، بالتحديد حزب العمل، كانت نشطة وقد دعمت جمعيات تساعد على زيادة نسبة التصويت بين العرب من أجل ان يقوم المواطنين العرب بالتصويت ولا يهم لأي حزب لأن الفرضية كانت عندهم حين يأتي العربي للتصويت فسوف يصوت لحزبه ولكن حين يصوت في صندوق رئاسة الوزراء سوف يختار مرشح حزب العمل لانه أقرب اليهم من مرشح حزب الليكود.  وتحقق الامر بالفعل حيث زادت نسبة التصويت بين العرب ب 7.9% من 69.7% في انتخابات عام 1992 الى 77.9% عام 1996 حين تم إجراء الانتخابات وفق القانون الجديد.

مؤشرات تدفع نحو توحيد الجهود

دخول الاحزاب العربية، او تلك الأحزاب التي تعتمد بالأساس على اصوات عربية، في انتخابات قادمة وهي متفرقة مع نسبة حسم تصل الى 4%، هو انتحار سياسي بامتياز. لذلك هناك عدة مؤشرات تشير الى ان ارتفاع النسبة ليست بالضرورة ضارة للجماهير العربية في الداخل بل قد تدفع الى توحيد الجهود والى زيادة الاستعداد للتحدي وكلاهما يدفعان لزيادة التمكين السياسي، من بين ابرزها:

1.     اثبتت الانتخابات السابقة وخاصة الاخيرة في شهر كانون الثاني 2013 انه لا يوجد حزب عربي او أحزاب ترتكز على اغلبية اصوات عربية يستطيع النجاح والحصول على مقاعد في الكنيست الإسرائيلي لو كانت نسبة الحسم 4% . وفي اصعب الحالات يمكن التوحد في حزبين بدل ثلاثة احزاب حيث وصلت مجموع النسب الاجمالية لأصوات الاحزاب العربية او التي تعتمد بالاساس على اصوات عربية الى 9.11%.  على سبيل المثال حصلت الجبهة الديمقراطية للسلم والمساواة على 2.99% من اصوات الناخبين العامة وحصل التجمع الوطني الديمقراطي على 2.56%، وحصلت القائمة العربية الموحدة  على 3.56%.

2.     يعيش المواطنون العرب في الداخل الفلسطيني في ظروف تحد قاسية حيث يواجهون سياسات وممارسات عنصرية، ويتطورون عبر أربع مراحل تطور طبيعية متداخلة مترابطة احصائيا: في المرحلة الاولى يزداد المواطن العربي وعيا للسياسات الإسرائيلية الموجه ضده وضد مجتمعه وشعبه وامته التي بدأت حتى قبل قيام دولة اسرائيل  بأعمال ارهابية راح ضحيتها كثير.[5] في المرحلة الثانية يزيد التقارب فيما بينهم بالتفتيش عن القواعد المشتركة منها الهوية والمصلحة. في المرحلة الثالثة يبدأ العمل والتوجه نحو العمل الجماعي سواء من خلال احزاب او جمعيات او منظمات مهنية او تلك التي تقع في إطار المجتمع المدني. في المرحلة الرابعة يزيد استعدادهم لتحدي السياسات الظالمة التي تمارس ضدهم على كافة الاصعدة.

3.     إن تم إقرار هذا القانون يمكن النظر اليه، كوننا من القوى المنتهكة حقوقها، بشكل إيجابي، وخاصة أن التوجه في المجتمع الإسرائيلي نحو العنصرية في تزايد ويحيد فئات غير يهودية ويهودية مما يضع هذه المجموعات خارج الإطار العام، يزيدها وعيا ويدفعها للتفتيش سوية عن المصلحة المشتركة ويدفعها للعمل الجماعي ويزيد استعدادها لتحدي هذه السياسات العنصرية. وجود انقسامات سياسية واجتماعية وإقتصادية آخذه بالإتساع في إسرائيل، يحتم على القادة العرب ليس التواصل فيما بينهم فقط وإنما التواصل مع فئات مستضعفة لخدمة اهداف انسانية أساسية مشتركة. إن كان جوهر مطالبنا، دولة ديمقراطية واحدة، وهي مطالب تتزايد في السنوات الاخيرة حتى من قبل نشطاء سياسيين يهود، علينا الا نستثنى احدا إن وافق على منع التمييز وعمل على خلق مساواة حقيقية تضمن حقوق الجميع. انتخاب لجنة المتابعة يجب ان يكون قضية أساسية ومنها ننطلق للتفتيش عن تحالفات جديدة مع قوى مستضعفة في البلاد وهي كثيرة.

ردودنا وتحديد مواقفنا السياسية تجاه سياسات عنصرية تتزايد في السنوات الاخيرة يجب ان تستند على قواعد علمية موضوعية. هذا يحتم على قادتنا السير على سكة واضحة المعالم نحو تحقيق المطالب الاساسية المشروعة، الامر الذي يساعد على زيادة احتمال انجاز المهام بنجاح. علينا ألا نرفض قرار رفع نسبة الحسم لـ 4% بدون دراسة علمية لأن في الأمر، كما رأينا، مؤشرات إيجابية قد تساعد على توحيد الطاقات والجهود وتوجيهها في مسار واحد ضد سياسات تهدف تخلفنا وعدم حصولنا على حقوقنا الأساسية.

 



[1] صحيفة هآرتس، الموقع الالكتروني، www.haaretz.co.il 13 آب، 2013.                                     

[2] نشرها شلومو زاند في كتابه الجديد "מתי ואיך חדלתי להיות יהודי?: מבט ישראלי" وترجمته للعربية "متى وكيف توقفت أن أكون يهوديا" دار النشر زمورا-كنيرت-بيتان، تل ابيب، 2013. هذا يشمل اكثر من مليون اسرائيلي يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية ولسنوات طويلة ويشمل هؤلاء القادمون اجدادهم من دول شرق اوروبا بعد انضمام تلك الدول للإتحاد الاوروبي حيث نشر ان الكثير منهم يتقدمون بطلب الحصول على جنسيات اجدادهم من اجل ضمان مستقبل اكثر حظا لهم في تلك البلاد.

[3] مقابلة مع النائب ابراهيم عبد الله صرصور في اسبوعية "حديث الناس"  7 آب، 2013

[4]  الدراسة قام بها كاتب هذه السطور وسوف تنشر في القريب في كتاب له عن الانتخابات في الوسط العربي سيصدر عن دار النشر، الحكيم، الناصرة.

[5]  للمزيد من التفاصيل انظر كتاب إيلان بابيه، التطهير العرقي في فلسطين، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 2007 

 

التعليقات