28/08/2013 - 13:27

تهديد سورية: نص إسرائيلي يتلوه لسان غربي../ علي جرادات

تهديدات الولايات المتحدة والدول الغربية عموما بتوجيه ضربات عسكرية لسورية، لا علاقة لها بذريعة استخدام الغازات الكيميائية السامة، ولا بدعوى التباكي على ضحايا الصراع السوري الداخلي، بل بما تريده ربيبة الولايات المتحدة، إسرائيل، من تدمير لسورية الدولة والكيان والجيش

 تهديد سورية: نص إسرائيلي يتلوه لسان غربي../ علي جرادات

منذ تولت الولايات المتحدة قيادة ثالوث دول "المركز" الرأسمالي: أميركا الشمالية وأوروبا الغربية واليابان،  صار التدخل في شؤون الدول والمس باستقلالها وسيادتها الوطنيين إستراتيجية أمريكية دائمة، تتغير أشكالها وذرائعها، أما هدفها فثابت، هو: السيطرة على ما أمكن من دول "المحيط"، والتحكم بخياراتها ونهب ثرواتها وإخضاعها لمشيئة هذا "المركز" مع ما له من أدوات وتوابع محلية متغيرة، وحلفاء إقليميين ثابتين، في مقدمتهم: إسرائيل، حليف الولايات المتحدة الإستراتيجي الثابت، وتركيا، عضو حلف "الناتو" الوحيد في منطقة الشرق الأوسط.

واليوم يرتفع منسوب تهديدات الولايات المتحدة وحلفائها الدوليين والإقليميين ضد سورية إلى درجة التلويح بالتدخل العسكري المباشر، ودون قرار من مجلس الأمن، في الصراع الدائر فيها وعليها، بذريعة استخدام الغازات السامة، بينما التحقيق الدولي بشأنه، وبشأن من قام به، لم يحسم بعد.

هنا، وبمعزل عما إذا كانت إدارة أوباما ستنفذ تهديداتها فعلاً، أو أنها تلوح بها لتحسين شروطها وشروط حلفائها، وبغض النظر عن حجم الضربة، إن حصلت، وعن بنك أهدافها، وعن سيناريوهات القيام بها، وعن تداعياتها ومآلاتها، فإن ثمة حقيقة ثابتة خلف هذا التصعيد الأمريكي والغربي، هي: إن توجيه ضربة عسكرية غربية لسورية يخدم أولاً وأخيراً إسرائيل والحفاظ على تفوقها على ما عداها من دول المنطقة وقواها. وهذا ما تؤكده حقائق تاريخ التدخلات العسكرية الأمريكية في دول "المحيط"، وفي مقدمتها الدول العربية ودول غلافها الإقليمي. ولمن يرى الأمر على غير هذا النحو سيان: بوعي أو بجهالة، تجدر الإشارة السريعة إلى:

بعد هزيمة الولايات المتحدة في فيتنام كان من الطبيعي أن تعيد إدارات البيت الأبيض حساباتها وترتيب أولويات سياستها الخارجية، بما في ذلك أشكال تدخلاتها العسكرية. وهو ما انعكس في تبني إستراتيجية إدارة الحروب بالواسطة، (الحرب الباردة)، وصولاً إلى استراتيجية أرسى قواعدها آنذاك مستشار الأمن القومي، بريجينسكي، وأطلق عليها "الاحتواء المزدوج"، وكان تشجيع الولايات المتحدة للحرب العراقية الإيرانية لإنهاك طرفيها معاً، أولى تطبيقات هذه الإستراتيجية. وربما يفيد التذكير برأي رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، مناحيم بيغن، في تلك الحرب، حيث قال: "نتمنى النجاح لطرفي الحرب". وفي ظني أن حكومة نتنياهو الداعمة بشدة  لتوجيه ضربة عسكرية أمريكية غربية تطال المنشآت العسكرية النوعية للدولة السورية، تتمنى استمرار الصراع الداخلي فيها، والنجاح لطرفيه. كيف لا، ونتنياهو هذا مجرد تلميذ تربى في مدرسة مناحيم بيغن؟!
 
وفي بداية تسعينيات القرن الماضي كسبت الولايات المتحدة الحرب الباردة، وانفردت في السياسة الدولية ونظامها وهيئاتها وقراراتها. هنا تناست إدارات البيت الأبيض دروس هزيمة فيتنام، واغتر صناع سياستها الخارجية إلى درجة أن تتلبسهم، و"المحافظون الجدد" منهم بالذات، مطلقات وسرديات وتبسيطات أيديولوجيا "نهاية التاريخ". بذلك صار من الطبيعي أن تتعاظم الأحلام الإمبراطورية الأمريكية، وأن تكثر مغامراتها الحربية وتدخلاتها العسكرية المباشرة، وأن تنتعش طموحاتها في تأبيد نظامها الليبرالي المعولم المتوحش، ومحاولات فرضه على ما أمكن من دول العالم لإحكام السيطرة عليها وتشديد نهبها والمس باستقلالها وسيادتها، بل وتفكيك وتقسيم بعضها وتدمير جيوشها، وفي مقدمتها الدول العربية. ولا عجب في أن يكون تدمير العراق الدولة والجيش والكيان بذريعة، بل بكذبة، امتلاكه أسلحة دمار شامل، أولى ضحايا تغول الولايات المتحدة في ظل حكم "المحافظين الجدد". فالعراق عمق إستراتيجي لقضية فلسطين، حيث تتموضع إسرائيل، حليف الولايات المتحدة الإستراتيجي الثابت، وعصاها الغليظة.

لكن ولما كان التاريخ لا نهاية له في الواقع، بل وله مفاجآته ومكره، وسخريته من كل محاولات حشره في قوالب أيديولوجية جامدة لا تشكل سوى اسقاطات رغبات البشر على حركته الدائبة، فقد جاء حصاد التدخلات العسكرية المباشرة لـ"المحافظين الجدد" مراً، حيث ساهمت في انفجار أزمة جديدة من الأزمات الاقتصادية البنيوية الدورية للرأسمالية. وهو ما أشغل الولايات المتحدة في معالجة أزمات داخلية، وخلق فرصة تاريخية، لبزوغ أقطاب دولية تنافس بقوة داخل النظام الدولي، في مقدمتها: روسيا صاحبة الدرع الصاروخي والقوة النووية التي فشلت محاولات تحويلها إلى دولة "عالم ثالثية"، والصين التي لاحت لها-بعد طول تربص- فرصة تأكيد مكانتها السياسية في النظام الدولي خارج إطار التحالف الغربي بعد أن صارت قوة اقتصادية عالمية عظمى، بل، وأكبر دائن للولايات المتحدة، ما قاد إلى تشكيل مجموعة دول "البريكس" كمنظومة اقتصادية بديلة تحاول حماية نفسها من تغول نظام العولمة الليبرالي الغربي المتوحش بأدوات سيطرته الاقتصادية الثلاث: منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد والبنك الدوليين. هذا ناهيك عما وفرته هذه الأزمة الاقتصادية الغربية وتداعياتها السياسية من فرصة تاريخية لتفلت بعض دول "المحيط" من الارتهان لمشيئة دول "المركز" الرأسمالي الغربي، مثل أكثر دول أمريكا اللاتينية سكاناً ومساحة وموارد، لتضاف إلى دول "محيطية" أخرى لم تنخرط أصلاً في إطار التبعية للغرب، مثل إيران وكوريا الشمالية وكوبا وسواها.

هنا كان من الطبيعي أن تراجع الولايات المتحدة مرة أخرى حسابات تدخلاتها العسكرية المباشرة. وهو ما انعكس في خروج "المحافظين الجدد" من البيت الأبيض، وفوز منافسهم الديمقراطي، أوباما، في دورتين انتخابيتين،  وفي العودة إلى إستراتيجية بريجنسكي القديمة، وتقليص التدخلات العسكرية المباشرة ما أمكن، واللجوء إلى التدخل العسكري غير المباشر كما جرى في سورية حتى الآن، أو إلى قيادة تدخلات حلف الناتو العسكرية "من الخلف" كما حصل في ليبيا بعد توافر غطاء من جامعة الدول العربية، وقرار ملغوم من مجلس الأمن.

لكن ما اعتمدته إدارة أوباما من تدخل عسكري غير مباشر في سورية اصطدم بموقف تيار"المحافظين الجدد" وحكومة نتنياهو وبعض حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين، المطالب باستغلال الصراع الدائر في سورية، وتوجيه ضربات عسكرية تستهدف منشآتها العسكرية النوعية، على غرار أو أوسع مما قامت به إسرائيل من ضربات سابقة،  كان من شأن المزيد منها أن يقود إلى تأجيج الحالة الشعبية العربية، وإلى إحراج الأطراف العربية الداعمة للتدخل الخارجي في سورية، وإلى تسويغ تدخل أطراف عربية وإقليمية تناهض هذا التدخل، ومنهم حزب الله بالذات، بحسبان أن المعركة صارت مع إسرائيل بشكل مكشوف لا لبس فيه.

على أية حال، التهديدات الأمريكية والغربية الجارية لسورية، مفتوحة على كل الاحتمالات، ويصعب التنبؤ في شأنها، سواء لناحية إن كانت ستقع بالفعل أم لا، أو لناحية حجمها وتداعياتها ومآلاتها إذا وقعت، لكنها في الحالات كافة، خطيرة، وتضع المنطقة على حافة حرب إقليمية مجهول نطاقها، ومعلومة الأطراف التي يمكن أن تشارك فيها أو تنجر إليها. حرب طالما سعت إليها  حكومة نتنياهو وحرضت الغرب بقيادة الولايات المتحدة على إشعال فتيلها، بحسبان أن إسرائيل أول المستفيدين منها، خاصة وأن تهديدات نتنياهو على مدار أعوام بقيام إسرائيل بشن مثل هذه الحرب ضد إيران أو لبنان أو سورية أو معها جميعاً، ظلت مجرد جعجعة فارغة، نال نتنياهو  بسببها، وبتوصيف بعض الإسرائيليين أنفسهم، لقب "كلب ينبح لكنه لا يعض". إذاً هل ثمة غرابة في القول: إن تهديدات الولايات المتحدة والدول الغربية عموما بتوجيه ضربات عسكرية لسورية، لا علاقة لها بذريعة استخدام الغازات الكيميائية السامة، ولا بدعوى التباكي على ضحايا الصراع السوري الداخلي، بل بما تريده ربيبة الولايات المتحدة، إسرائيل، من تدمير لسورية الدولة والكيان والجيش، بمعزل عن طبيعة وهوية نظامها. ألم يحصل هذا للعراق بذريعة "أسلحة الدمار الشامل". ما يعني أن تهديدات توجيه ضربات عسكرية لسورية ما هي إلا نص إسرائيلي يتلوه لسان غربي. 

التعليقات