05/09/2013 - 18:27

عامان على مخطط برافر.. وماذا بعد؟../ د. ثابت أبو راس

لقد وضعت قيادة عرب النقب وكل فعالياتنا السياسية إستراتيجية اسقاط مخطط برافر وإبطاله بدون الخوض بتفاصيله لأن هناك فجوة كبرى بين ما تقترحه الحكومة في المخطط وبين مطالب الأهالي بحقهم المبدئي بملكيتهم لأراضيهم التاريخية والاعتراف بكل قراهم. وقد ثبتت صحة هذه الإستراتيجية وأبقت النقاش مع الحكومة في الناحية المبدئية

عامان على مخطط برافر.. وماذا بعد؟../ د. ثابت أبو راس

يصادف الحادي عشر من شهر أيلول الجاري مرور عامين على إقرار مخطط برافر في الحكومة الإسرائيلية. هذا المخطط الذي يهدد باقتلاع عشرات آلاف المواطنين العرب من أراضيهم، يهدم بيوتهم، ويخطر بمصادرة غالبية أراضيهم الساحقة، كان قد طُرح إلى طاولة الحكومة كمشروع قانون لإقراره في الكنيست ، وقد أقر بالفعل، بالقراءة الأولى نهاية حزيران 2013.

سنتان من الكر والفر بين الحكومة الإسرائيلية وأذرعها من جهة والمواطنين العرب من جهة أخرى. فقد خططت الحكومة إلى إقرار المخطط كقانون في الكنيست مباشرة بعد المصادقة عليه في الحكومة، وذلك خلال ستة اشهر، إلا أن الحكومة اصطدمت بصمود الأهالي في النقب وعزمهم على إسقاط المخطط.

خلال هذه الفترة لجأت الحكومة إلى طرق التفافيّة للتحايل على الرأي العام الدولي والعربي المحلي الذي يقف ضد المخطط، وقد بادرت إلى توكيل الوزير السابق بيغن بمهمة "الاستماع" إلى مواقف وآراء سكان القرى غير المعترف بها، وأصحاب الأراضي الذين عبروا له عن رفضهم القاطع للمخطط. بالحقيقة، مهمة بيغين الحقيقيّة كانت تسويق المخطط ومحاولة إقناع أترابه في الحكومة الإسرائيليّة بصعوبة تسويق المخطط كما هو. لذلك اقترح بعض التعديلات الطفيفة التي "لا تسمن ولا تغني عن جوع"، وقد شمل فيها تقليص فترة تطبيق المخطط من خمسة إلى ثلاثة سنوات وزيادة طفيفة بالتعويض في الأراضي مقابل التعويض المادي.

لا تنتظر حكومة إسرائيل إقرار مخطط برافر في الكنيست، إلا أنها تطبقه على أرض الواقع يوميا. هذا ما رأيناه في قرية عتير على سبيل المثال. لقد أصبحت سياسة هدم البيوت سيدة الموقف، وقد اعترفت وزارة الداخلية في رسالة موجهة لمركز "عدالة" أنها "نجحت" في هدم 862 بيتا في العام 2012 منها 449 هدمها أصحابها خوفا من أن ترغمهم الداخلية على تمويل هدم بيوتهم بأنفسهم. أما في النصف الأول من السنة الجارية 2013 فقد هدمت السلطات الإسرائيلية 399 بيتا منها 187 تم هدمها على يد أصحاب البيوت أنفسهم.

تستخدم السلطات الإسرائيلية الضغط الاقتصادي على أصحاب البيوت غير المرخصة من أجل دفعهم لترك بيوتهم. يوميًا، يحاكَم العشرات من أبناء النقب في محكمة بئر السبع على خلفيّة البناء غير المرخّص، حتى وإن كانوا من أبناء القرى التي تم الاعتراف بها حديثًا. على أي حال السلطات لا تمنح سكان هذه القرى رخص البناء قبل تنازلهم عن أراضيهم، ويتم تغريمه هؤلاء بعشرات آلاف الشواقل.

تزامنا مع المصادقة على اقتراح قانون برافر في القراءة الأولى، وبدء تطبيقه على أرض الواقع، تزيد الحكومة الإسرائيلية وأذرعها من حملة التحريض على عرب النقب. فقد أصبح التحريض على العرب عامة وسكان النقب منهم خاصة ثقافة متفشيّة. ثقافة تضليل وكذب هدفها تجريم الضحية التي همشت ويميز ضدها منذ قيام الدولة. لذلك فهم يكذبون عندما يقولون إن عرب النقب يسيطرون على أرض النقب، بل ذهب أحدهم للادعاء بأن "البدو قد احتلوا النقب" مع العلم أنهم يجلسون ويستعملون 2% من مساحته. عرب النقب متهمون بأن كل ما يبنونه مخالف للقانون، إلا أن نفس هذا الإعلام المشوّه، لا يكلّف نفسه بأن يذكر أن الدولة نفسها تمنع الاعتراف وتخطيط القرى القائمة أصلا قبل قيام دولة إسرائيل.

قبل أكثر من شهر رأينا وزير الشرطة أهرونوفيتش، في محاولة منه لإقناع الحكومة بزيادة ميزانية وزارته، يحذر من أن عرب النقب سيستخدمون السلاح ضد الشرطة عند اقتلاعهم من أراضيهم. وقبل ذلك رأينا إلى أين وصل التحريض على البدو من خلال اتهام مواطن عربي، لمجرد أنه بدوي، في الجريمة التي حصلت في بنك "هبوعليم" في بئر السبع، والتي راح ضحيتها أبرياء، والتي كانت قد نُفذت على يد مواطن يهودي.

وقد أعقب ذلك مقالة مطولة في صحيفة "معاريف" للصحفي المدعو أفيرغان يصف فيها العشائر البدوية كعائلات إجرام، ويستخدم الصحفي مصطلحات عسكرية وخطابًا أمنيًا، في قوله، مثلاً، أن عشيرة العزازمة "مخيفة" و"الأخطر بين منظمات الإجرام البدوية" وتسيطر "على الطريق الإستراتيجي الأهم في إسرائيل". حيث تقع في هذا الحيز "مناطق إطلاق نار، معسكرات جيش وخطوط إمداد النفط والغاز والذي تستعمله الطائرات الإسرائيلية المقاتلة التابعة لسلاح الجو في النقب والعربة ".

من جهة ثانية تحاول المؤسسة الإسرائيلية ربط عرب النقب بأحداث سيناء الأخيرة، واتهام الاحتجاجات الشبابية ضد برافر برفع أعلام تنظيم القاعدة في المظاهرة الأخيرة في الأول من آب هذا العام. هذا الخطاب التحريضي هدفه نزع الشرعية عن عرب النقب وضربهم من أجل تطبيق مخطط برافر.

في مواجهة ذلك يخوض عرب النقب معركة صمود وبقاء على أرضهم من خلال الأنشطة المستمرة على جميع الأصعدة. فمقابل مخطط برافر يقترح المجلس الإقليمي مخطط بديل له يضمن الاعتراف بجميع القرى الغير معترف بها. من جهة ثانية فقد أصبح مخطط برافر محط اهتمام محافل دولية حقوقية وسياسية وبرزت منظمات المجتمع المدني في مرافعتها الدولية، وفي مقدمتها مركز "عدالة"، متوجةً نشاطها بقرارات من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ضد المخطط. أما في البرلمان الإسرائيلي فقد نجحت الحكومة بكسب التصويت على اقتراح القانون العنصري بفارق ثلاثة أصوات فقط. هذا رغم أن الفعاليات السياسية والاجتماعية في النقب لا تعوّل على النضال البرلماني، كون الحكومة الإسرائيلية تتمتع بغالبية واضحة وتستطيع تمرير القانون عند الحاجة. أما على الصعيد القضائي فيستعد محامو عدالة ومنظمات حقوقية أخرى لمواجهة القانون العنصري في المحكمة العليا.

إن النضال الجماهيري والميداني، ودعم صمود الأهل في قراهم كان وما زال حجر الزاوية في إفشال مخطط برافر، ففي السنتين الأخيرتين قامت لجنة التوجيه العليا لعرب النقب، الجسم المنبثق عن لجنة المتابعة العليا، بنشاطات مكثفة ضد المخطط توجت بمظاهرات صاخبة في القدس وبئر السبع. هذه المظاهرات دُعمت، وبشكل متواصل، من قوى ديمقراطية يهودية مناصرة لقضية عرب النقب.

لقد وضعت قيادة عرب النقب وكل فعالياتنا السياسية إستراتيجية اسقاط مخطط برافر وإبطاله بدون الخوض بتفاصيله لأن هناك فجوة كبرى بين ما تقترحه الحكومة في المخطط وبين مطالب الأهالي بحقهم المبدئي بملكيتهم لأراضيهم التاريخية والاعتراف بكل قراهم. وقد ثبتت صحة هذه الإستراتيجية وأبقت النقاش مع الحكومة في الناحية المبدئية.

لكن من جهة أخرى وللأسف هناك شعور بفتور ما عند أحزابنا وحركاتنا السياسية في الفترة الأخيرة. الأجسام السياسية مشغولة على ما يبدو بما يحدث في سوريا ومصر وكأننا نستطيع التأثير على مجريات الأحداث هناك. والأسوأ من ذلك أن الأحزاب والحركات السياسية تجند لنشاطاتها الفردية أكثر من نشاطاتها الوحدوية تحت سقف لجنة المتابعة ولجنة التوجيه العليا. النقب بحاجة للجميع ولكل القوى موحدة. نادانا في الماضي وينادينا اليوم: تعالوا نفشل مخطط برافر قبل فوات الأوان.
 

التعليقات