07/09/2013 - 23:03

لهذه الأسباب تأخرت واشنطن عن توجيه الضربة../ هاني عوكل

واهم كل من يعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد القوة العظمى، أو أنها فقدت قوتها وهيبتها في العالم، وأن ما يجري في سورية يشكل تردد الموقف الأميركي بشأن توجيه ضربة لدمشق، من أجل معاقبة نظام الرئيس بشار الأسد بسبب استخدامه السلاح الكيماوي

لهذه الأسباب تأخرت واشنطن عن توجيه الضربة../ هاني عوكل

واهم كل من يعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد القوة العظمى، أو أنها فقدت قوتها وهيبتها في العالم، وأن ما يجري في سورية يشكل تردد الموقف الأميركي بشأن توجيه ضربة لدمشق، من أجل معاقبة نظام الرئيس بشار الأسد بسبب استخدامه السلاح الكيماوي.

نعم هناك اليوم لاعبون دوليون كبار، على شاكلة روسيا والصين والهند الصاعدة وغيرها من الدول التي باتت تتمتع بحضور دولي، لكن ستبقى الولايات المتحدة على الأقل لعقد كامل، الدولة الأقوى في العالم، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.

لقد كانت الولايات المتحدة وما تزال، حريصة كل الحرص على ضرب سورية، إنما تأتي مجموعة من العوامل التي أخرت توجيه الضربة العسكرية، أولها بطبيعة الحال العامل الخارجي المتمثل بالموقف الروسي، وثانيها الوضع الداخلي الأميركي، وثالثاً عدم معرفة الأميركيين لرد الفعل السوري تجاه الضربة الأميركية، ورابعاً الخوف والقلق على إسرائيل ومحاولات تأمين وتحصين أمنها، وخامساً قيمة الفاتورة التي ستترتب على هذه الضربة.

لا تريد واشنطن التورط في توجيه ضربة قد تؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية في المنطقة، لذلك فهي تتأنى وتحسب بالمسطرة الفائدة والخسارة من توجيهها، وكان يمكن للرئيس باراك أوباما الموافقة على شن الضربة دون الرجوع إلى الكونغرس، لكنه يسعى إلى الحصول على ضوء أخضر داخلي يمكنه من حشد التحالف وإعلان ساعة الصفر للبدء بضرب سورية.

أولاً: لا تريد الولايات المتحدة ضرب سورية وحدها، لأنها تدرك أن ظهر الأخيرة محمي بحلفاء استراتيجيين أمثل إيران وروسيا والصين وحزب الله، ولذلك تبذل جهداً في كسب المزيد من الحلفاء والمستعدين للقتال إلى جانبها، حتى تمكن من موقفها وقوتها.

ثانياً: الضربة لن تكون "وخزة دبوس" كما صرح بذلك وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل، لكنها أيضاً لن تسعى إلى إسقاط النظام السوري، إرضاءً لروسيا والصين تحديداً ولتحجيم ردود فعلهما، إنما الهدف الأساس من الضربة هو سورية، وإلا ما المغزى من توجيه ضربة لا يسقط فيها النظام؟.

ثالثاً: صعَّب الحليف البريطاني على واشنطن من توجيه ضربة عسكرية عاجلة وسريعة، دون الرجوع إلى الكونغرس، ففي حين خرجت بريطانيا من دول التحالف الراغبة في معاقبة سورية، وجد الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه مضطراً لأخذ الموافقة من الكونجرس.

رابعاً: يعتقد أوباما أن عدم توجيه ضربة سيعقد من الوضع في سورية، لذلك لا يريد التورط في هذا المستنقع لوحده، وإنما يريد للكونغرس أن يتقاسم المسؤولية بصدد الضربة، خصوصاً وأن أطرافاً عديدة دخلت على موجه التهديد، أولها سورية وليس آخرها روسيا.

خامساً: إن أكثر ما يقلق الأميركيين هو أمن إسرائيل، ولأنهم لا يعرفون ردود الفعل السورية وغيرها أثناء وبعد الضربة، فإنهم يسعون لنشر قواتهم وضبط قواعدهم وتمكين إسرائيل صاروخياً وإبقاء جاهزيتها عند حدود رد الفعل الذي قد يجعلها شريكاً في عملية التحالف الدولي.

سادساً: في الحرب الدولية على العراق التي تكلفت أكثر من 600 مليار دولار، تحملت فاتورتها في الأساس، بعض دول الجوار العربي، وترغب الولايات المتحدة إعادة هذا السيناريو، بحيث أن تؤمّن تلك الدول الأرضية والميزانية المناسبة لتوجيه ضربة إلى سورية، وعلى أن تتحمل أي تكاليف إضافية.
سابعاً: صحيح أن الولايات المتحدة تقيم حساباً لباقي الأطراف المنخرطة في الصراع حول سورية، لكن ترددها إزاء توجيه الضربة مرده إلى ضعف الموقف الأوروبي، بمعنى أن الحليف التقليدي والأهم بريطانيا، خرج من الحسبة، وخرجت أيضاً دول مثل ألمانيا وإيطاليا.
مثل هذا الموقف أضعف من قدرة الأميركان على التمكن من إقامة تحالف كبير ومتين، ولذلك هم يحاولون الاستعاضة عنه بتأمين الجبهة الداخلية للموافقة على الضربة، تزامناً مع محاولات توسيع التحالف، حتى يمكن النظر بإطالة أمد الضربة والبحث عن خيارات أكثر، في حال توسعت الحرب وخرجت عن حدود التراب السوري.

ثامنا: لا تريد الولايات المتحدة أن يسقط النظام السوري بسبب التدخل الخارجي، إنما ترغب في إضعاف سورية، وإضعاف النظام وقوته العسكرية، بحيث يخرج هذا البلد من دائرة أي صراع مستقبلي مع إسرائيل، ومن أجل تمكين المعارضة من حسم الصراع.

لقد خاضت الولايات المتحدة الكثير من الحروب التي أرهقتها وأتعبت جيبها، ولذلك ستكون حريصة هذه المرة على الخوض في حروب غير مكلفة أو مقلقة بالنسبة لها، وربما جاء التأني بتوجيه ضربة، من أجل تكثيف العمليات والاستخباراتية والبحث عن ضمانات لا تعرض السلم والأمن العالمي الدوليين إلى مخاطر وكوارث غير محسوبة.

فضلاً عن ذلك، تأكد لدى البيت الأبيض أن روسيا لن تخوض حرباً من أجل سورية، والتأكيد جاء على لسان كل من الرئيس فلاديمير بوتين، ووزير خارجيته سيرغي لافروف، اللذين قالا إن "سورية لا ترقى إلى هذا المستوى من الصراع".

وعلى الأرجح، أن تقر الضربة العسكرية على سورية، لأن الغرب يفهم بأن السكوت عنها سيقوي مواقف عدد من الدول مثل كوريا الشمالية وإيران، ثم إن إسرائيل معنية بضربة موجهة لسورية، واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة نشط من أجل ضمان الموافقة عليها.

إسرائيل توافق على ضرب سورية، لأن ذلك سيعني بالنسبة لها إضعاف إيران، فهي، أي إسرائيل ليست خائفة من سورية، إنما يهمها إيران التي تسعى لامتلاك القنبلة النووية، ولذلك تعتقد تل أبيب أن ضرب سورية يشكل بوابة ومقدمة للاستقواء على إيران والاستفراد بها وضربها في المستقبل.

وعلى كل حال يتبين مما يجري حول سورية، أن العرب لا يمتلكون وحدة القرار، وأنه مصادر لصالح القوى الدولية، التي وحدها تلعب في الميدان، في حين يُستخدم عربنا أدوات ودمى للصراعات فيما بينهم، ويزداد تشرذمهم وضعفهم يوماً بعد يوم.

أما من يعتقد أن الولايات المتحدة غير قادرة على توجيه ضربة عسكرية فهو مخطئ، فهي وإن كانت تمتلك أقوى اقتصاد، وأقوى قوة عسكرية على وجه الأرض، فإنها أيضاً معنية بتشكيل تحالفات تحصن موقفها وتدعمه على جميع المستويات.

أميركا وهي تقوم بذلك، فإنها تسعى لتعميق وتأكيد وجودها في الشرق الأوسط، على حساب دول مثل روسيا والصين، وتحجيم القوى الإقليمية الحليفة لسورية، وضمان أمن إسرائيل وتفوقها على كافة الأصعدة.
 

التعليقات