13/09/2013 - 10:19

ما بعد "أوسلو" وسقوط صَنم الدولة.. / خالد بركات

بعد 20 عاما، لا أرض لدولة فلسطينية مفترضة، ولا عودة للاجئين، ولا القدس عاصمة، ولا أي شيء يقدمه الكيان الصهيوني. الشيء الوحيد الذي يقترحه وينفذه الاحتلال اليوم، كحل للصراع، هو نظام الابارتهايد الاستيطاني العنصري، هذا هو الحل الإسرائيلي

ما بعد

ربما أكثر ما يحتاج إليه الشعب الفلسطيني اليوم هو أن يعود إلى نفسه أولاً، يجمعها مرّة أخرى، كما فعل في الماضي، ويعيد صياغتها في مشروعه الوطني التحرري الشامل، المشروع الذي ضاع منه في شعاب التيه والعبث وطريق المفاوضات والبحث عن صنم الدولة الفلسطينية، ضياع بدأ منذ العام 1974 وحتى يومنا هذا. ولكن، كيف تعود الشعوب إلى نفسها ووعيها الجمعي وتصوغ إرادتها الوطنية الحُرّة، وهي مُكبلة ومُثقلة ومُحاصرة؟ بل وفي الحالة الفلسطينية، هي مشتتة ومبعثرة وعلى مختلف الصعد والمستويات؟ وهل يعود الشعب إلى نفسه حقًا؟ كيف وبأية ادوات؟ وهل هذا ممكن دون رؤية سياسية شاملة وثورية وعصرية؟ هل هذا ممكن دون قوى منظمة طليعية، تسعى لوحدته السياسية والتنظيمية حتى يستانف طريق التحرر والعودة وحق تقرير المصير؟

نعم، هو المريع الأول من جديد.. بالعودة إلى حيث انتهى غسان كنفاني. إذ لا بد من استعادة حقيقية وجوهر مشروعنا السياسي أولا والذي تاه طويلا. و لنعترف الآن، أن شعار "قرع جدران الخزان" هو الشعار الوحيد الممكن والذي يجد صداه في أوساط الجيل الفلسطيني الجديد من الشباب، سيما وقد تهاوى مشروع أوسلو الكارثي، وسقط معه صنم الدولة الفلسطينية، ومنظريه وأداوته. هكذا تقول لنا الجغرافيا، هكذا تقول بلدوزرات الاحتلال والاستيطان، والسياسات الإسرائيلية اليومية. وهذا ما يقوله الجدار أيضا الذي يقطع جسد الضفة، ويحاصرها، هذا ايضا ما يقوله الواقع المادي المعاش، و 5200 أسير وأسيرة في سجون الاحتلال، هذه حقائق، وليست "وجهة نظر" و"رأي"، بل الحقيقة الوحيدة، الصارخة التي وصل إليها شعبنا في الوطن والشتات ووصل اليها العدو وفي آن واحد.

بعد 20 عاما، لا أرض لدولة فلسطينية مفترضة، ولا عودة للاجئين، ولا القدس عاصمة، ولا أي شيء يقدمه الكيان الصهيوني. الشيء الوحيد الذي يقترحه وينفذه الاحتلال اليوم، كحل للصراع، هو نظام الابارتهايد الاستيطاني العنصري، هذا هو الحل الإسرائيلي. هو "الحقائق على الأرض" التي يفرضها الاحتلال بقوة السلاح، متسلحا بالموقف الأمريكي من جهة، وبضعف الجانب الفلسطيني والعربي من جهة أخرى، وهو اليوم لا يتوانى عن القول إن ما يريده فعلا هي تجمعات فلسطينية من العبيد والخدم يعملون في خدمة مشروعه العنصري الاقتلاعي.. ولحمايته!

ارتكبت القيادة الفلسطينية الراهنة مجزرة سياسية بحق الشعب الفلسطيني، أخطر وابشع من اي مجزرة أخرى تعرض لها، حين اقدمت على توقيع اتفاق أوسلو وصاغته لها يد صهيونية أمريكية في الغرف المظلمة، وجرى هذا من خلف ظهر الشعب الفلسطيني. ونعرف الآن، أن هذا الاتفاق الكارثي، والذي قيل فيه اكثر مما قاله مالك في الخمر صار دفنه والإجهاز عليه مهمة وطنية وقومية بامتياز، إذ بعد 20 عاما من التفاوض والعبث يجد الشعب الفلسطيني نفسه يقف على أرض أقل وحقوق أقل، وتشظى حُلمه الجماعي في الخلاص والتحرر والعودة، واستعادة وطنه وكرامته. واليوم بعد أن رأى بالشواهد والدلائل كيف بيعت قضيته في مزاد التفاوض وعلى عينيك يا تاجر، صار عليه أن "يقلع شوكه بيده". ويستأنف طريقه مرة أخرى..

ومن نافل القول، أن لا شرعية لأي اتفاق، أو مشروع، لا يباركه الشعب الفلسطيني ولا ترعاه الأكثرية الشعبية الساحقة، بالدعم المباشر والعلني، فهل حقا يبارك شعبنا الاتفاق ( اتفاق إعلان المبادئ ) الذي وقعته قيادة منظمة التحرير وقيادة الكيان الصهيوني في يوم 13 سبتمبر / أيلول عام 1993، أي قبل 20 عاما بالتمام والكمال؟ وهل يهلل شعبنا لذكرى هذا الاتفاق اليوم، أم يلعنه في كل مخيم وقرية ومدينة وبيت؟ هل يحتفي به الناس في حيفا ورام الله وغزة أم يلعن من هندسه ومن صاغ بنوده ومن وقع عليه؟

أن يعود الشعب الفلسطيني إلى نفسه، أي أن يعود إلى ضميره الجمعي، وإلى البديهي والبسيط في حقيقته التاريخية، في وجوده، في حقوقه الوطنية المشروعة التي لا تقبل الجدل ولا المراوغة ولا اللف والدوران. إن شعبًا تشرد واقتلع من وطنه عام 1948، ويعيش نصفه تحت الاحتلال، ونصفه الآخر في المنافي والمخيمات، لا يمكنه اليوم أن يجمع شظاياه من جديد إلا في إطار مشروع سياسي تحرري شامل، ومن خلال إعادة بناء حامله التنظيمي الكفاحي، جبهته الوطنية المقاومة، الخالية من الفاسدين والمفسدين ومن ارتكبوا – وما زالوا يرتكبون، الجرائم السياسية والوطنية بحق الشعب، بالتآمر على مقاومته، ومن خلال استمرار المفاوضات وتوقيع اتفاقيات الذل والعار..

استمرار المفاوضات العبثية، التي يقودها فريق أوسلو، هي اجترار وتكرار لعملية سياسة عقيمة وتجربة فشلت فشلا ذريعا، لكنها عملية خطيرة في نفس الوقت، تهدد حقوق شعبنا، واستمرارها يشرعن الاحتلال والاستيطان ويُقَطّع الجسد الفلسطيني ويعزز حالة الانقسام والتفكك بين الفلسطينيين، ولا يساعد على تحقيق الخلاص الجماعي من الاحتلال. برنامج التسوية هذا لا يفيد إلا طبقة هوامير المال وشركات "المصري" ونهج "روابي" والتطبيع مع الصهاينة.. وإن التصدي للمفاوضات العبثية ليست مهمة "الشباب" في رام الله وحدهم، بل هي مهمة وطنية وقومية - شعبية أولا- ومسؤولية تطال الجميع، بل هي مهمة كل صديق للشعب الفلسطيني حريص على قضيته وحقوقه واهدافه الجماعية..

بعد 20 عاما على توقيع اتفاق أوسلو، سيئ الصيت والسمعة، لا بد من القول: آن أوان المحاسبة والفعل، محاسبة كل من فرّط بالحقوق وعرّض قضية الشعب للتهميش والتشوية، والمحاسبة ممكنة فقط بالفعل الشعبي الضاغط والمستمر في الشارع والميدان والجامعة والمصنع، وبمشاركة كل فئات شعبنا. وإن المحاسبة ممكنة إذ تقودها الطبقات الشعبية المسحوقة والمخيمات الفلسطينية في فلسطين والشتات، صاحبة المصلحة في التغيير والتقدم والثورة، وهي وحدها القادرة على فرض إرادتها وإجراء التعديل والتصويب المطلوب في مسيرة الشعب، من خلال استعادة الطريق الصحيح، والبوصلة التي رسمها يوما الفدائيون الأوائل وعلى هديها مشى الشهداء، ومن يهتدي بهؤلاء، سوف لن يضل الطريق..
 

التعليقات