14/09/2013 - 12:47

المفاوضات تأخذنا إلى الدولة الفاشلة../ هاني عوكل

إذا لم تعِ القيادة الفلسطينية حجم المأزق الذي وضعت نفسها فيه، ولم تصحح مسارها وتوقف هذه المفاوضات العبثية وغير المسؤولة، فإنه ينبغي على الشعب الفلسطيني وكل قواه الحية والفاعلة، المطالبة القوية والعاجلة بوقف هذه المهزلة، لأن المفاوضات أولاً وأخيراً ليست سوى مقبرة لأي نقاش أو مقترح اتفاق

المفاوضات تأخذنا إلى الدولة الفاشلة../ هاني عوكل

العالم منشغل في هذه الأيام إلى حد كبير بما يجري في الشرق الأوسط، وتحديداً موضوع سورية والخيارات المحصورة بين الحل الدبلوماسي أو العسكري، اللذين يستهدفان في الأساس السلاح الكيماوي السوري، ويشيران بطبيعة الحال إلى خلاف دولي حاد حول هذا البلد.

الحصة الأكبر لسورية في درجة الاهتمام الدولي حالياً، إلى جانب الوضع المصري وعقدة سيناء، والأوضاع الأمنية الصعبة في العراق واليمن، فضلاً عن مأزق "الترويكا" في تونس والصراع غير المحسوم بين الحكومة والمعارضة التي تطالب الأخيرة الأولى بالاستقالة.

بعض الدول العربية التي تشهد اضطرابات وأوضاعاً سياسية واقتصادية وأمنية جد صعبة، تسير على طريق الدول الفاشلة، وربما تندرج ليبيا تحت هذا المسمى، إلى جانب العراق واليمن، فهذه الدول تشهد تجاذبات سياسية ومخاطر اقتصادية تقودها إلى تحت الصفر.

فلسطين ليست بعيدة عن هذا الإطار، وإن لم تنل كفايتها من حصة "الكعكة" الإخبارية، بسبب أهمية الكثير من القضايا الأخرى، إلا أنها تسير أيضاً على طريق الدولة الفاشلة، ولا عجب في أن المفاوضات الجارية الآن، تأخذها بيدها وأرجلها إلى حتفها.

لا أحد يعرف بالضبط ما يجري في كل جولة تفاوضية، وهناك تكتم شديد للغاية يلف هذه المفاوضات، ربما بطلب أميركي وإسرائيلي، لكن يكفي أن الجانب الفلسطيني أشار إلى أنه لم يتم الحديث إلى اللحظة حول قضايا مهمة ودسمة أو أن اختراقاً حصل في موضوعات حيوية.

أغلب الجولات التفاوضية قيل إنها تمهيدية لم تتناول لبّ القضايا المختلف عليها، وأشك أن الأميركان أعطوا ضمانة بخصوص دولة فلسطينية على حدود العام 1967، باستثناء ضمانتهم لاستمرار عقد المفاوضات بصرف النظر عن نتائجها.

المسؤولون الفلسطينيون قالوا إن إسرائيل إلى اللحظة لم تعرض أي شيء مهم، وما جرى برأينا ليس أكثر من "هرطقات" سياسية لم ولن تخدم أي تقدم في المفاوضات، لكن في حقيقة الأمر، إسرائيل فعلت أشياء كثيرة خارج إطار المفاوضات، وهي كفيلة بنسف العملية التفاوضية برمتها.

إسرائيل صاغت رسالتها للفلسطينيين عبر إجراءات أحادية الجانب، تستهدف مستقبلهم ومستقبل قضيتهم ودولتهم، فإلى جانب الأعمال الاستيطانية الصاروخية، أكدت إسرائيل أن الكتل الاستيطانية ستكون جزءاً من الدولة اليهودية في أي حال نهائي.

وتصر أيضاً على قبول الفلسطينيين لدولة يهودية، بما يترتب على ذلك من التزامات تخص المسمى، في حين تؤكد أوساط في حزب الليكود المتطرف، رفضها لأي اتفاقية مؤقتة مع الطرف الفلسطيني، الأمر الذي يعني أن لا أحد في إسرائيل معني بإنجاح المفاوضات، خصوصاً وأن الليكود يمثل الحكومة وصناعة القرار في إسرائيل.

إذا كان المفاوض والمسؤول الفلسطيني يشتكي من إسرائيل ومن أن بداية هذه المفاوضات مثل ختامها، فلماذا إذاً تواصل السلطة الفلسطينية حشر نفسها طوعياً في عش الدبابير، طالما وأن كل الأفعال الإسرائيلية العدوانية توجب على المفاوض الفلسطيني وقف هذا الهزال التفاوضي؟

السيد عريقات قال إن استمرار المفاوضات مع تواصل الاستيطان سيكون أمراً مستحيلاً، وعدد تسعة أسباب دفعت السلطة الفلسطينية لقبول المفاوضات، فلماذا لا يتم مراجعة هذه الأخيرة ووضعها على ميزان الربح والخسارة وبالتالي تقييمها وعمل اللازم؟

قلنا في إحدى المقالات السابقة إن هذه المفاوضات سهّلت على إسرائيل تعميق الاستيطان، هذا الذي زاد أسرع مما كان عليه قبل بدء المفاوضات، ومع ذلك فإن الإدارة الأميركية لم توقف إسرائيل أو تحذرها حتى تبقي أعمالها الاستيطانية على الأقل عند مستوى ضيق ومحدد.

وقلنا أيضاً إن إسرائيل تريد محاصرة الدولة الفلسطينية بدولة مستوطنات، تخدمها سياسياً وأمنياً وحتى تفاوضياً، وأن الاستيطان سيجعل من أي دولة فلسطينية مستقبلية فاشلة بامتياز، لأن من شروط قيام الدولة هو الترابط والتواصل الجغرافي والتمكين السيادي.

لقد حاصرت أوسلو حقيقةً الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وجعلت منها ذكرى وشهادة للتاريخ، وجرى استثمار الانتفاضة الثانية التي وقعت أواخر أيلول 2000، من أجل تعميق الاحتلال وخنق الفلسطينيين، واعتبار ما بعد أوسلو مجرد مفاوضات عبثية لمشروع إسرائيلي يسعى لضم الأراضي بالمصادرة والاستيطان.

وحالياً يمكن القول إن المفاوضات حاصرت وقيدت المسعى الفلسطيني، الذي كان يلكم إسرائيل بضربات قوية على رأسها، نتيجة المعارك الدبلوماسية التي حققها الفلسطينيون في الأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية، والتي يجري الآن الالتفاف والمراوغة عليها بكذبة عقد المفاوضات وجعل أي حل أو اتفاق محصور بين الطرفين المفاوضين.

مع كل ذلك، يواصل الفلسطينيون هذه المفاوضات بدون إستراتيجية أو بدائل واضحة، ويتعاملون معها بعاطفية زائدة، منتظرين الفرج من أميركا، كما هو حال العرب الذين استنجدوا بواشنطن والغرب وطالبوهم بتوجيه ضربة عسكرية إلى سورية.

دعونا نقول إن السلطة الفلسطينية استجابت للضغوط الدولية وانسجمت مع المواقف العربية الداعية لبدء مفاوضات مع الطرف الإسرائيلي، ولنعتبر أن السلطة لم تقترف خطأً عظيماً حين قررت الذهاب إلى المفاوضات، لكن ما "يجلط" الحقيقة هو الاستمرار في فصول هذا المسلسل المأزوم والمهزوم.

هذا يستلزم على السلطة الفلسطينية وقف التفاوض حالاً والآن، ووضع الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي، كلٌ أمام مسؤولياته، لتجنب مجزرة الاستيطان التي من شأنها إفشال القضية الفلسطينية، وعلى أن نعود لمواصلة النضال الدبلوماسي والشعبي السلمي.

الآن وفوراً ينبغي وقف المفاوضات، خصوصاً وأن بؤرة الاهتمام موجهة ومحصورة بقوة نحو سورية، وفي حين تعجل إسرائيل في تعميق الاستيطان، وبناء مستوطنات جديدة، وتهويد القدس الشرقية، وسحب الهويات المقدسية من أصحابها الفلسطينيين، نقول إن إسرائيل تستثمر هذه اللحظات وتفعل ذلك دون رقيب أو حسيب.

حالياً، لا أحد يعير الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ذلك الاهتمام الكبير، فالأحداث تتبدل على وقعها، ثم إن لا أحد يرصد ويضع فاتورة للانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة، ويعرضها على المجتمع الدولي، في وقت خدمت فيه الولايات المتحدة إسرائيل، وجعلتها تستفرد بالطرف الفلسطيني وتهيمن على مسار المفاوضات.

إذا لم تعِ القيادة الفلسطينية حجم المأزق الذي وضعت نفسها فيه، ولم تصحح مسارها وتوقف هذه المفاوضات العبثية وغير المسؤولة، فإنه ينبغي على الشعب الفلسطيني وكل قواه الحية والفاعلة، المطالبة القوية والعاجلة بوقف هذه المهزلة، لأن المفاوضات أولاً وأخيراً ليست سوى مقبرة لأي نقاش أو مقترح اتفاق.

إن حفظ ماء الوجه يدعونا للعودة إلى سلوك الخيار النضالي الدبلوماسي في المحافل الدولية، على قاعدة جماهيرية حاشدة، تناضل سلمياً في الداخل وتسعى لفضح الاحتلال بكافة الوسائل والأشكال، طالما وأن الرياح الإسرائيلية تأتي عكس ما تشتهيه السفن الفلسطينية.

وعلى مقولة الكبيرة فيروز "الآن الآن وليس غداً"، لابد وأن تتوقف على وجه السرعة، عجلة المفاوضات التي تقودها إسرائيل وتوجهها وتلعب فيها على أرضنا كيفما تشاء، بدون أي لاعب فلسطيني. أوليس صحيحاً أن إسرائيل تلعب في الملعب الفلسطيني؟.

التعليقات