08/10/2013 - 18:02

المفاوضات من أجل أمن إسرائيل ويهوديتها../ إبراهيم الشيخ

إن أقصى ما ستقدمه دولة الاحتلال وبالتنسيق مع أمريكا والدول الغربية الأخرى إغراءات اقتصادية وتحقيق السلام الاقتصادي، وذلك من خلال زيادة الدعم المادي وإقامة بعض المشاريع، وزيادة التصاريح للعمال الفلسطينيين داخل الكيان الصهيوني، وإطلاق بعض الأسرى الفلسطينيين، وهذا يشكل دليلا واضحا على عدم جديتها بالتوصل إلى حل يرضي الطرف الفلسطيني مما سيؤدي إلى فشل هذه المفاوضات

 المفاوضات من أجل أمن إسرائيل ويهوديتها../ إبراهيم الشيخ

يذهب الطرف الفلسطيني إلى المفاوضات ممثلا بالسلطة الفلسطينية التي انتهجت المفاوضات سبيلا وحيدا من أجل استرجاع الأراضي المحتلة، ولكن حتى هذه اللحظة لم تحقق هذا الهدف وذلك بعد عشرين عاما من المفاوضات المضنية، وفي بعض الأحيان العبثية لمجرد المفاوضات كما أرادها ويريدها الجانب الإسرائيلي لتحقيق مكاسب سياسية، وإقناع العالم بأنه يريد الحل ويسعى إلى السلام، ومن جهة أخرى يذهب الطرف الفلسطيني مجبراً تحت ضغوط عربية وأمريكية، لكي لا يقال إن الفلسطينيين لا يريدون المفاوضات والحل، وهناك مسألة مهمة يخاف منها الطرف الفلسطيني ألا وهي قطع المساعدات المالية التي تعتبر سيفا مسلطا على رقاب السلطة الفلسطينية.

إسرائيل تذهب إلى المفاوضات مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية وموقفها المعروف والمنحاز لها، فدولة الاحتلال تفاوض من موقع القوة وتفرض ما يناسبها من الحلول، وتضع الشروط على الطرف الفلسطيني، وتضرب عرض الحائط بكل القوانين وردود الفعل الدولية التي تنتقد الاستيطان وإن كانت هذه الانتقادات تتم باستيحاء من قبل الدول الغربية. هذا وبالرغم من سير المفاوضات تستمر إسرائيل بمخططاتها الاستيطانية وتهويد القدس، ويتم قتل الفلسطينيين بدم بارد وهدم البيوت غير عابئة بالموقف الفلسطيني الذي بالكاد نسمعه فيما يخص انتقاد إسرائيل، وذلك حفاظا على سير المفاوضات.

لكن من جهة أخرى يذهب الطرف الفلسطيني إلى هذه المفاوضات، لأنه حسب ما تتذرع به السلطة الفلسطينية بأنه ليس هناك خيار آخر، وخاصة بعد إسقاط خيار المقاومة الذي كان من الممكن أن يُقوي الموقف الفلسطيني، وليس هذا فقط إنما يذهب الطرف الفلسطيني ضعيفا بفعل الانقسام الحاصل منذ عدة سنوات، ووجود سلطتين لكل منها أجندتها، إضافة الى ذلك ضعف الموقف العربي الذي يشجع استمرار المفاوضات دون أي دعم ملموس للطرف الفلسطيني، لأنه من الواضح أن الدول العربية تفتقر إلى أوراق القوة التي من الممكن استعمالها للضغط على إسرائيل أو على الولايات المتحدة، ولكن ما يحصل هو العكس.

بدون شك إن أي مفاوضات تجري بين طرفين متنازعين، لا بد لكل طرف من الأطراف أن يعمل على استجماع أوراق القوة والضغط من أجل الحصول على أفضل النتائج لمفاوضاته وتحقيق مصالحه، ولكن كما هو معروف لا يوجد تكافؤ بين الطرفين، وميزان القوة راجح لصالح دولة الاحتلال، فخطأ الطرف الفلسطيني الرهان على حسن نية إسرائيل بتقديم أي تنازلات، وهذا لن يحصل أبداً من خلال المفاوضات في ظل الهوة الشاسعة في ميزان القوة، وبالرغم من القرارات الدولية المساندة للحق الفلسطيني التي تشكل ورقة قوية بيد الطرف الفلسطيني، إلا أن الولايات المتحدة وإسرائيل تستغلان ضعف الطرف الفلسطيني وتريده التخلي عن مرجعيات الأمم المتحدة في محاولة للاستفراد بالطرف الفلسطيني لطرح الحلول المناسبة لدولة الاحتلال، وفرض الأمر الواقع على الأرض.

إن المراقب لهذه المفاوضات التي وَضعت لها الأطراف مدة زمنية محددة بتسعة أشهر للوصول إلى اتفاق وحل جميع المسائل العالقة بين الطرفين، إلا أنه وبعد مضي الشهر الأول على هذه المفاوضات أعلن أحد المفاوضين الفلسطينيين بأن المفاوضات كانت عقيمة، ووفق التسريبات التي رشحت مؤخراً عن سير هذه المفاوضات والتي تتحدث عن تعثرها وعدم تحقيقها أي اختراق يذكر، فالسلطة الفلسطينية ستجد نفسها في وضع صعب في حال فشلت هذه المفاوضات، فأكثرية الشعب الفلسطيني ترفض هذه المفاوضات التي بالتأكيد لن تؤدي إلى حل يرضي جميع الفلسطينيين، وخاصة اللاجئين الذين يصرون على العودة إلى ديارهم التي هُجروا منها.

يتساءل معظم الفلسطينيين عن الخطوة القادمة، ماذا ستفعل القيادة الفلسطينية في حال فشلت هذه المفاوضات بعد عدة أشهر؟ وهل هناك أي خيار آخر غير المفاوضات، أو إستراتيجية معينة أو بديل في جعبة السلطة الفلسطينية؟ أم ستنتظر رئيس أمريكي آخر يتعهد بحل القضية الفلسطينية كما جرت العادة؟ أم ستذعن للضغوط الأمريكية والعربية مرة أخرى للعودة إلى المفاوضات العبثية؟ وهل سينتظر الشعب الفلسطيني عشرين سنة أخرى من المفاوضات والاحتلال جاثم على الأرض الفلسطينية التي لن يبقى منها شيء بعد أن تكون دولة الاحتلال سيطرت على كامل الأرض وهودت القدس بكاملها؟ أم تستقيل القيادة وتعلن فشلها في تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني، ويجري حل السلطة الفلسطينية وتنفجر انتفاضة ثالثة ضد الاحتلال؟ أم يرجع الفلسطينيون إلى حل الدولة الواحدة؟

في ظل ميزان القوة غيرالمتكافئ وعدم نزاهة الراعي الأمريكي، ودعمه للمحتل وضعف عربي واضح، بلا شك كل هذه العوامل مجتمعة تؤدي إلى تعنت الطرف الإسرائيلي الذي يشعر بأنه غير مضطر لتقديم أي تنازلات للطرف الفلسطيني، وهذا يبدو واضحاً من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، وكانت آخرها على لسان نتنياهو الذي طالب الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل دولة للشعب اليهودي والتنازل عن حق عودة اللاجئين.

ما يهم نتنياهو ودولة الاحتلال هو أمن دولة إسرائيل ومواطنيها، ويشدد نتنياهو على أن إسرائيل ستصرعلى ترتيبات أمنية صارمة لضمان أمنها في أي اتفاق يوقع مع الفلسطينيين، وأن لب الصراع في الشرق الأوسط هو ما يحصل بالدول العربية على خلفية ما يعرف بالربيع العربي، وليس الاحتلال الإسرائيلي، وستماطل إسرائيل بانتظار عما ستسفر عنه التغيرات في المنطقة، وخاصة ما يحصل في مصر وتعقيدات الأزمة السورية وأيضا ملف إيران النووي، لأن الأمن يبقى الهاجس الأكبر الذي يقلق دولة الاحتلال.

إن أقصى ما ستقدمه دولة الاحتلال وبالتنسيق مع أمريكا والدول الغربية الأخرى إغراءات اقتصادية وتحقيق السلام الاقتصادي، وذلك من خلال زيادة الدعم المادي وإقامة بعض المشاريع، وزيادة التصاريح للعمال الفلسطينيين داخل الكيان الصهيوني، وإطلاق بعض الأسرى الفلسطينيين، وهذا يشكل دليلا واضحا على عدم جديتها بالتوصل إلى حل يرضي الطرف الفلسطيني مما سيؤدي إلى فشل هذه المفاوضات.

لذلك لا بد من إنهاء الانقسام وتحقيق وحدة فلسطينية تتبنى إستراتيجية مقاومة المحتل بكل الوسائل، وعدم مهادنته وإبرام الهدن والتنسيق معه، لأن ذلك يشجعه على اقتراف المزيد من جرائم القتل والتعسف والهدم والاعتقال، ولا بد من استجماع أوراق القوة والضغط من أجل إرغام دولة الاحتلال على الاعتراف بالحقوق الفلسطينية كاملة.

التعليقات