12/10/2013 - 16:08

طلقوا المفاوضات../ هاني عوكل

إذا لم يوقف مفاوضونا هذه المهزلة العابثة بكل مقدراتنا، فأعتقد أن على حامي المشروع الوطني الفلسطيني، شعبنا العزيز، الثورة على المفاوضات

طلقوا المفاوضات../ هاني عوكل

لو تصفحنا الانترنت على عجالة، أو استمعنا إلى نشرات الأخبار، سنعثر كل يوم على خبر يتضمن ممارسات إسرائيلية مستفزة بحق الفلسطينيين ومقدساتهم، وكأن الأمر يتعلق بنشاط محسوب ومتفق عليه، أن يتزامن ويتكثف مع المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية التي انطلقت منذ شهرين تقريباً.

تباعاً وفي صفحات كثيرة، يمكنني سرد أكثر من إجراء إسرائيلي مستفز وعنصري خلال اليوم الواحد، وعلى الأغلب أن هناك قراراً إسرائيلياً يأخذ ثلاث وجهات: الأول يتصل بتكثيف الاستيطان، والثاني يستهدف المواطنين والأراضي الفلسطينية المحتلة، والثالث يتعلق بهجمة إسرائيلية شرسة ضد المقدسات في مربع المسجد الأقصى.

هذه الإجراءات كلها تأتي في وقت يتفاوض فيه الفلسطينيون والإسرائيليون، وسط أحاديث عن ضرورة تكثيف الاجتماعات، خصوصاً بعد أن صرح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أنه سيمضي في اتفاق مع الفلسطينيين إذا اعترفوا بإسرائيل دولة يهودية.

ألم يدرك المفاوضون الفلسطينيون أن نتنياهو نسف سلفاً كل مضامين الاجتماعات التفاوضية السابقة واللاحقة أيضاً، ومع الأسف نستمع إلى خطاب من السيد الرئيس محمود عباس، يقول فيه إن الاجتماعات الثنائية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي جدية!

لا يا سيدي الرئيس، وأرجوك أن تسمح لي القول إن هذه المفاوضات ليست جدية، ولن تحقق السلام خلال المهلة التي حددها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، لأن الطرف الإسرائيلي ليست لديه نية لإنجاز سلام حقيقي.

ليست المشكلة في الوقت، فهو خاضع بطبيعة الحال لمواقف الأطراف المعنية، ولعل إسرائيل تؤكد على موقفها الناسف للمفاوضات منذ انطلاقتها، عبر كافة الممارسات التي تقوم بها، لأنني أجزم أن هذا التعسف والصلف تجاه الفلسطينيين وأرضهم ومقدساتهم زاد أضعافاً بعد قيام هذه المفاوضات.

وهل إذا كان يتعكز الطرف الفلسطيني على موافقة الأميركان قيام دولة فلسطينية على حدود العام 1967، سيفضي حقيقةً إلى قيام الدولة المستقلة؟ يبدو أن واشنطن أرخت الحبل لإسرائيل لكي تستفرد بالشعب الفلسطيني، ولو كانت الأولى معنية بإنجاح المفاوضات، لحاولت على الأقل، تخفيض عملياتها الاستيطانية والعسكرية ضد الفلسطينيين.

الخطر الحقيقي والمتصاعد الآن، يتصل بالمحاولات الدؤوبة لاقتحام المسجد الأقصى وطمس المقدسات الإسلامية تمهيداً لتهويدها، الأمر الذي لم نسمع إلى اللحظة عن مواقف حاسمة ومسؤولة من الطرف الفلسطيني الرسمي، تدعو لوقف هذه الانتهاكات.

أخاف أن يتم مصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية، وتهويد المقدسات الإسلامية، واعتقال الفلسطينيين للتفاوض حولهم، في حضرة وتحت سقف المفاوضات، وعلى الأرجح أن هذا ما يحدث فعلياً، في حين أننا مكبلون تماماً وخاضعون لرحمة الأميركي والإسرائيلي.

هناك استيعاب وإدراك بأن السلطة الفلسطينية واجهت ضغوطات كبيرة، سياسية واقتصادية، حتى توافق على المفاوضات، وخضعت لابتزاز مالي من قبل مجموعة من الدول، ربطت مساعداتها الخارجية للسلطة، بموافقة الأخيرة على المضي قدماً في مفاوضات مع الطرف الإسرائيلي.

لكن من غير الممكن والمقبول تماماً توجيه هذه الضغوطات لحماية المشروع الإسرائيلي على حساب نظيره الفلسطيني، ولا ينبغي السكوت عن كل أنواع الابتزاز الإسرائيلي، خصوصاً حينما يتعلق الأمر باستباحة دم الفلسطينيين وأرضهم ومقدساتهم.

على السلطة الفلسطينية أن تبحث في خيارات متعددة لتجنب كارثة المفاوضات، إذ حقيقةً ليس هناك ما يخسره الفلسطيني، فعلى الجانب السياسي موقفنا جد صعب وهزيل، ولا يمكن وضعنا في ميزان القوة إلى جانب إسرائيل، وبالتالي هي المتحكم الأول والرئيسي في الوضع الفلسطيني برمته.

حتى أن الوضع الاقتصادي الفلسطيني صعب أيضاً، وهو يتجه إلى الأسوأ، لأنه اقتصاد ضعيف وهش، وتابع للاقتصاد الإسرائيلي، والأهم أنه وبحكم الاحتلال لا تتوفر بنية تحتية اقتصادية فلسطينية سليمة، فضلاً عن خضوع المساعدات الدولية الخارجية لمنطق العصا والجزرة.

إن حجم مديونية السلطة في اتساع، وقد بلغت منذ العام 1994 إلى يومنا هذا، ما يقارب 4 مليار دولار، في حين أن ثلث موازنة السلطة سنوياً، تغطيه المساعدات الخارجية، هذه التي لا يمكن المراهنة عليها إلا بعد الترجي وتقبيل الأيادي، والأهم أنها لا تصل كاملةً.

ماذا يعني ذلك؟ هذا يعني أن هناك عجزا سياسيا وآخر اقتصاديا، وهناك معضلة أخرى تتصل بعجز مجتمعي، سببه الانقسام الداخلي الذي قسَّم الناس وقسّم الأرض والهوية الفلسطينية، وهذه جميعها بطبيعة الحال لا تخدم المفاوض الفلسطيني، فلماذا يصر على التفاوض وهو مكشوف تماماً؟

لا أعتقد أن هناك في الأفق حلولاً كثيرة يمكن اجتراحها من هذه الصعوبات، ذلك أن استمرار المفاوضات في ظل هذا التغول الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، إنما يدل على أننا ننهج سلوكاً فاضحاً، وينبغي فتح الخيارات على غاربها وبدون مواربة.

يا جماعة الخير، إسرائيل أعلنت استهدافها المقدسات الإسلامية، وهناك أعمال شغب واستفزازات وانتهاكات لحرمة المسجد الأقصى، وكل الخشية أن يأتي علينا يوم تكون فيه القدس قد هودت، وابتلعت المقدسات الإسلامية لصالح الحفريات المتواصلة إلى اللحظة.

ومع الأسف، الكل الفلسطيني منشغل بمصالحه الخاصة، فلا أحد يتطلع إلى تلك الجرائم الإسرائيلية، سوى بالتعليق عليها، وما أشطر قيادتنا الفلسطينية في الشجب والاستنكار والوعيد، ولا أستثني منهم أحداً، سواء قياداتنا في الضفة الغربية أو في قطاع غزة.

إن الحكمة تقتضي أن يتوقف المفاوض الفلسطيني على الفور، الخوض في هذه المفاوضات، وأن يراجع حساباته ويقدم كشفاً للحساب عن ما جرى منذ انطلاقتها قبل شهرين، والأهم أن يأخذ في الحسبان موقفه المستقبلي من أي مفاوضات قد تنعقد مع الطرف الإسرائيلي.

حقيقةً، سجلت السلطة الفلسطينية قبل بداية المفاوضات، موقفاً جيداً ويحسب لها على شروطها التي ينبغي تحقيقها قبل أي انطلاق مفاوضات جديدة، لكنها مع الأسف تخلت عن بعض تلك الشروط، وها هي إسرائيل غير مقيدة بالاستيطان، وتفعل كل ما تريد في هذا الملف.

الأجدر على السلطة الفلسطينية أن تجمد المفاوضات وتفضح إسرائيل، وتضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته تجاه ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو أن تعلن سلطتنا وفاة المفاوضات والدعوة إلى تأمين المقدسات الإسلامية ووقف مصادرة الأراضي من قبل إسرائيل.

أخيراً إذا لم يوقف مفاوضونا هذه المهزلة العابثة بكل مقدراتنا، فأعتقد أن على حامي المشروع الوطني الفلسطيني، شعبنا العزيز، الثورة على المفاوضات، باعتباره مصدر السلطات وصاحب الحق والمخول الرئيس للخوض في حاضر ومستقبل القضية الفلسطينية.
 

التعليقات