21/12/2013 - 13:41

العالم ليس أمريكا../ عثمان أبو غربية

لقد فتح القبول الدولي للنووي السلمي في إيران الطريق لأن تدخل هذا النادي كل من السعودية ومصر وعليها أن لا تتردد ولو للحظة للحاق بمرحلة عالمية مازال العرب خارجها، وهي مرحلة يمكن ان تكون مدخلاً لقوة الردع المتبادل في الشرق الاوسط وهذا مصدر دور واستقرار أو نزع أسلحة الدمار الشامل من الشرق الأوسط

العالم ليس أمريكا../ عثمان أبو غربية

ألف السيد زيبيغوني بيرجنسكي أحد مستشاري الأمن القومي السابقين في الولايات المتحدة كتابه على رقعه الشطرنج الكبرى في الثمانينات من القرن الماضي، وبقدر ما كان الكتاب محترفاً ضمن قوانين الجيو استراتيجيا فقد عبّر عن التطلعات الأمريكية للهيمنة المطلقة على العالم والوصول إلى أحادية القطبية الدائمة، واعتبارها للقوى المؤهلة للعب دور عالمي قوى منازعة وتستحق مقاومة سياستها وبرامجها الخاصة بها لتطوير قواتها وتنمية ذاتها والحفاظ على مجالها الحيوي.

اعتبر السيد بيرجنيسكي أن هناك خمسة قوى لديها مقومات بمقدار ما لهذا الدور، وهي : روسيا، وأوروبا المتحدة، والصين، واليابان. وقد عبر بشكل مباشر وغير مباشرعن ضرورة معالجة فرص كل منها مستعرضاً بدقة متناهية نقاط القوة ونقاط الضعف أمام فرصة كل طرف منها.

وقد تمكنت الولايات المتحدة من فكفكة عرى المحاولات الواعدة لمتحد أوروبي محوره: باريس – برلين، عندما نأت، بريطانيا بنفسها وبقيت في فلك التوجهات الأمريكية من الأصل، وعندما تمكنت الولايات المتحدة من استقطاب دول أوروبية هامة من الصف الثاني إضافة للدول المستقطبة أصلاً من شرق أوروبا، ونجحت في الدعم الخفي لتغيرات داخلية في كل من فرنسا والمانيا، وقد سقط الحلم الديغولي.

وكانت أعباء الهند أكبر من قدرتها على التحليق، والقاعده الجغرافية والبشرية والجيو سياسية لليابان وحتى العسكرية اضعف من حجم النهوض في هذا المستوى. وتم تحييد قوة روسيا في الإطار الدولي. كما تم التعامل بحذر شديد مع التقدم الصيني الكاسح في مقابل حذر الصين من خطوط التماس الحيوية للولايات المتحدة.

لم يكن ذلك قدر العالم فقد تدخل عاملان أساسيان: الأول وهو الأزمات، سواء لاقتصاد السوق بقيادة الولايات المتحدة، أو في إطار التورط في مستنقعات أمن عالمية.

والثاني وهو نجاح محاولات التقدم وعدم التخلي عن المكانة العالمية في الصين وروسيا، وخاصةً بعد التحدي الأخير من قبل السيد بوتين في موضوع سوريا، واتباعه نهج استخدام أوراق القوة في الإطار العالمي مدفوعاً بتحديات من أهمها نصب شبكة الصواريخ شرق ووسط أوروبا وتركيا، وإيغال الولايات المتحدة في العمل لانكفاء روسيا حتى الدفع لانكفاء نهائي في البحر الأبيض المتوسط عن طريق التغيير في سوريا بهيمنة غربية، عدا العبث فيما يمكن أن يسمى الحديقة الخلفية للبيت الروسي ضمن مجال روسيا الحيوي.

تمكن السيد بوتين أن يتجاوز نزعة صديقه ورئيس وزرائه السيد ميدفيدف في الإبقاء على الاتجاه الرئيس نحو الاقتصاد والتنمية الذاتية، معتبراً أي السيد بوتين أن ذلك لا يتم بمعزل عن الدور العالمي، وعن الخروج عن إطار حدود روسيا، وقد ساعده في ذلك نقاط القوة لدى روسيا ونظامه وقدراته الشخصية، وكذلك نقاط القوة لدى إيران ومتانة تحالفها في سوريا، وقد أصبح لإيران نقاط قوة أساسية دفعت الولايات المتحدة إلى مساومتها من تحت الطاولة عبر دوله عُمان. لقد أثبت اختراق السيد بوتين لنزعة الاتجاه نحو الاقتصاد أولاً جدواه، وأعاد كثيراً من الهيبة لروسيا، ومهد لمشاركة روسية وصلت حد اتفاق مع الولايات المتحدة أغضب الكثيرين من حلفائها، وجعل الكثيرين منهم يجدون أنفسسهم أمام ضرورة تقييم سياساتهم وأوراق قوتهم ونقاط ضعفهم، ومنهم بعض الدول العربية الأساسية.

كذلك لم يتم التمكن من احتواء المد الصيني، وراحت الصين تطور قدراتها العسكرية بعد أن أصبح لديها قوة اقتصادية جبارة، حتى في نطاق القوات البحرية والدخول في نادي امتلاك حاملات الطائرات المتقدمة.

أصبح العالم على شفير سباق تسلح جديد كان من أهم عوامله استفزاز الغرب لروسيا في نصب الصواريخ التي ادعت الولايات المتحدة سابقا أنها لمواجهة الخطر الإيراني، واستمرار ذلك حتى بعد الاتفاق مع إيران، ومحاولات العبث في أوكرانيا، وتصنيع الصواريخ عالمية التدمير برؤوس غير نووية ولكنها فعالة ومتطورة وتنطلق من البحر والجو والبر الى أي مكان في العالم وبكثافة مؤثرة.

إذن ليس هناك فرصة سوى أن تستعيد الحرب الباردة بعض ملامحها.

وإضافة إلى التناغم الروسي الصيني نشأت منظومة دول الإبسا بين الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل، وهي دول تتمتع بدرجة من الاستقلال كافيه لظهور حركة دولية جديدة أكثر تناغماً مع التوجه الروسي الصيني، إذا جاز التعبير، ويمكن أن تكون نواة تشبه ما نشأ في بداية النصف الثاني من القرن الماضي، وهو حركة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز بزعامة مصر والهند ويوغوسلافيا وأندونيسيا.

وضع الوفاق الأمريكي الروسي في الشرق الأوسط ملامح جديدة من اللاعبين الإقليميين في طور التكوين، ومن أهم نقاط ضعف هذه الخارطة قلق فرص الدور العربي في أجواء انعدام الوزن العربي ضمن ظروف ما سمي بالربيع العربي، ونجاح نسبي لسياسات التدمير الذاتي تجاه العرب، وإخفاق سياسات بعض الدول العربية الأساسية.

يبرز هنا سؤالان: سؤال إقليمي وآخر فلسطيني.على المستوى الإقليمي هل تستطيع دول المنطقة العربية والإسلامية أن تشق الطريق نحو كتلة إقليمية متناغمة، ولديها تقاطعات الحد الأدنى المشترك على الأقل.

لا شك أن هناك نزاعات مانعة، وأن كثيراً من التراكمات تشكل سداً لا يستهان به، وأن كون ملامح الشرق الأوسط الجديدة ما زالت في إطار التكوين، وهو أحد عوائق الاستقرار الداخلي والإقليمي، وسياسات الخضوع لأجندات قوى الاستعمار المتوفرة في كثير من المواقع، كل ذلك يعقد التفاهم الإقليمي العربي الإسلامي لتشكيل كتلة توفر وزناً خاصاً متكاتفاً للإقليم .

من الممكن أن يبرز سؤال حالم: هل يمكن أن تتداعى كل من مصر وإيران وتركيا والسعودية وسوريا والعراق إلى لقاء سداسي يمهد لبداية طريق واعد.

طبعاً بين السعودية وإيران ما صنع الحداد، وكذلك مع سوريا، وبين مصر وتركيا ما صنع الحداد، وبين معظمهم من الجراح ما يتسع على جسر الهوة. لكن جمال عبد الناصر سبق وصنع ذلك عربياً، كذلك فإن مصالح إستراتيجية وبعيدة المدى وما فوق القطرية تستدعي دمل الجراح .

هذا اللقاء يمكن أن يمهد لاتساع الدائرة شيئاً فشيئاً لتضم أكبر عدد ممكن من الدول العربية والاسلامية، حيث بعض دول المغرب العربي مثل الجزائر والمغرب، ودول من آسيا مثل الباكستان وأندونسيا وماليزيا، ثم يلي ذلك قطعاً صيغة عربية إسلامية شاملة تجسد مصالح الاقليم .

ذلك ما يجب أن يبدأ برسم ملامح إستراتيجية مشتركة تتعمق شيئاً فشيئاً .

هل تستطيع هذه الدول أن تقفز فوق الحواجز بينها وفوق الحاجزالأكبر وهو الهيمنة العالمية .

هناك فرصة تلوح وهامش يتبلور من خلال قفز روسيا فوق أحادية القطبية.

وهناك فرصة أمام مصر، من المنطقي أن نتوقع من مصر أن تفكر أولاً بسرعة الاستقرار والأمن وإنجاز خطتها وترميم اقتصادها. وثانياً: بالنطاق الحيوي المباشر المحيط بها سواء في سيناء وغزة، أو في السودان أو في ليبيا، ولكن من المنطقي أيضاً أن تعمل في عدة اتجاهات في آن واحد لأن التشكل قائم، وعليها أن تكون ركناً أساسياً من أركانه .

أما على المستوى الفلسطيني فإن الولايات المتحدة ومن خلال ثقلها في حراك سياسي لا يلوح منه أي طائل أو جدوى تحقق عدة أمور: الأول الاستفراد دولياً بهذا الحراك وكأن العالم هو أمريكا، متجاوزه دور الرباعية بما فيها روسيا الناهضة.

الثاني: من خلال منهجها لإيجاد حل وسط للحل الوسط السابق في دوامة مستمرة تخفض من خلالها السقف الفلسطيني من جهة، وتفرض ما تصل اليه أو تطرحه من سقوف مرجعية بديلة للشرعية الدولية أو للرباعية أو غيرها، متعامية عن كل الحقوق الوطنية الفلسطينة الأصلية والطبيعية .

الثالث: كسب الوقت لأهدافها الإقليمية ومنح الوقت كذلك لتغييرات الأمر الواقع التي يفرضها الاحتلال، وتأجيل توجه الطرف الفلسطيني إلى المؤسسات الدولية إلى حد فقدانه لأرضيته على مدى الزمن والمتغيرات.

من المؤكد أنه في مثل هذا الواقع العربي وانعدام الظهير العربي والقاعده الارتكازية، وكذلك الوضع الذاتي المشوب بكل ما فيه من نقاط ضعف، والاستفراد الأمريكي، فإن فرص الوضع الفلسطيني صعبة وهوامشه ضيقة الى درجة تجعل من غير المجدي دفع أي ثمن لهذه الهوامش، وضرورة الخروج على المألوف والمكرر فيها.

من المهم توقي الاستفراد الأمريكي، وتفادي إسقاط الدور الدولي وخاصةً العالمي من خلال الأمم المتحدة، أو القوى الدوليه من خلال روسيا والصين، وقوى المساندة الدوليه التي أظهرت ثبات مواقفها في مفاصل ومحكات عديدة وحساسة.

مع الانتباه أن دور أوروبا تفرضه في الأساس قوة أوروبا، ودور روسيا تفرضه أولاً قوه روسيا قبل أن يفرضه الموقف الفلسطيني المستفرد به. ومع ذلك فإن لهذا الموقف محددات يجب أن يجيد العمل بموجبها .

إن هذا التوقي يشكل حاضنة حتى لأهداف الخندق الأخير وهي البقاء والصمود في الوطن وعدم الهجرة والحفاظ على الذات وبناء الإنسان والحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية لتبقى الخيارات قائمة وفقاً للظروف ومتغيراتها والمراحل وموازين قواها .

يبدو السؤالان الإقليمي والفلسطيني في نطاق اللامنطق من خلال الحسابات الظاهرة لموازين القوى القائمة، ولكن بالتأكيد هناك حسابين أساسيين: أولهما موازين القوى الكامنة، وثانيهما الصيرورة والتغيير .

وإذا كان كل ذلك في نطاق اللامنطق فلقد اتبعنا المنهج الثوري كل العقود الماضية، وهو منهج يتطلب كثيراً من الحلم بما فيه من لمحة اللامعقول مع كثير من العقل والإرادة.

في مثل هذه المفاصل لابد للقيادات أن تتخندق في حصون شعوبها وشبيبتها وأجيالها الواعدة، ولكل ذلك استحقاقاته في كسب ثقة الناس باتجاه مواجهة التحديات الخارجية، وكسب ثقتهم في إدارة نظام حياتهم بالمشاركة والمساواة والعدالة وتكافؤ الفرص .

يقف الوضع الفلسطيني على مفصل خطير جداً وكذلك الوضع العربي والإسلامي في حدود إقليمه من جنوب شرق آسيا إلى شواطئ الأطلسي، ولا يجب لطرف في هذا الإقليم أن تخدعه بعض لحظات القوة التي حتماً ستكون عابرة بدون تكامل الإقليم .

من الملاحظ أن الأركان الأقليمية في منطقة الشرق الأوسط لا يوجد فيها أي طرف عربي وحتى في صيغة كتلة متماسكة من عدة أقطار، وأن الاصطفافات الدولية الكبرى لا يوجد فيها أي طرف عربي أو إسلامي سواء تحالف الشرق أو تحالف الغرب أو حتى دول الإبسا الأقرب لمدى هوامش هذا الاقليم وضروراته، وحتى إيران لا مكان لها كركن في هذه الاصطفافات على الرغم من أن بيدها فرصة بحكم إمساكها لأمريكا من اليد المؤلمة، وهي ضرورات إيجاد مخرج من التورط في أفغانستان والمساندة الروسية وخاصة في اطار التخندق معاً في جبهة سوريا .

لقد فتح القبول الدولي للنووي السلمي في إيران الطريق لأن تدخل هذا النادي كل من السعودية ومصر وعليها أن لا تتردد ولو للحظة للحاق بمرحلة عالمية مازال العرب خارجها، وهي مرحلة يمكن ان تكون مدخلاً لقوة الردع المتبادل في الشرق الاوسط وهذا مصدر دور واستقرار أو نزع أسلحة الدمار الشامل من الشرق الأوسط.
 

التعليقات