23/12/2013 - 15:05

الكلام المُباح بعد انقشاع أليكسا../ يونس العموري

كم كذبنا حينما صدقناكم، وكم كانت المأساة حينما اكتشفنا الحقيقة، وأننا لا نملك مقومات البقاء وصراع البقاء، والبقاء لمن هو الأقوى، والأقوى هنا بالضرورة ليس نحن في ظل معادلة البقاء الراهنة، وبالتأكيد أننا لن نكون الأقوى، ولا أعتقد أن ثمة بقاء لنا في ظل بدائية اللحظة، وبدائية وقائعنا ومعادلة وجودنا وتلك التي تتحكم بنا

الكلام المُباح بعد انقشاع أليكسا../ يونس العموري

كم كذبنا حينما صدقناكم، وكم كانت المأساة حينما اكتشفنا الحقيقة، وأننا لا نملك مقومات البقاء وصراع البقاء، والبقاء لمن هو الأقوى، والأقوى هنا بالضرورة ليس نحن في ظل معادلة البقاء الراهنة، وبالتأكيد أننا لن نكون الأقوى، ولا أعتقد أن ثمة بقاء لنا في ظل بدائية اللحظة، وبدائية وقائعنا ومعادلة وجودنا وتلك التي تتحكم بنا.

هو الموقف الذي نحيا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث انكشافنا وانكشاف مؤسساتنا وانكشاف ما يسمى بجهوزيتنا لإدارة أمورنا وشأننا الداخلي. وكنا قد نظمنا الانتخابات للمجالس البلدية والمحلية تلك التي من المفروض أنها المؤسسات الخدماتية لما يسمى بالمواطن، وأشك أن هذا المسمى بالمواطن قد نال جزءا من اهتمامات وأولويات من يعتلون عرش تلك المسماة بالمؤسسات الرسمية .

استميحكم عذرا يا كل المتربعين على عرش هذه المؤسسات، سواء أكانت تلك المنتخبة أو الرسمية في إطار الدولة، والتي نالت الاعتراف رسميا من هيئة الأمم المتحدة. استميحكم عذرا لنقول لكم إن حقيقتنا قد انكشفت، وعوراتنا قد بانت، وصرنا جزءا من كذبة كنا قد صدقناها ورحنا نتناطح في سبيل أحقية كل منا في اعتلاء منصة الكلام والكلام ثغاء أحوى وفارغ المضامين. 

واكتشفنا أيها السادة أن ما يسمى بالمؤسسات هي ورقية بامتياز، بمعنى أنها تنظيرية تجيد صناعة الكلام، ولا تقوى على ممارسة الحد الأدنى من مسؤولياتها. والتجربة (وقائعنا اليوم ...) والكل يدرك حقيقة الحقيقة والحقيقة هنا أننا تحولنا إلى كم بشري هائل مهمل يصارع الطبيعة كل وفقا لقدراته الذاتية وإمكانياته. ومن يملك النفوذ يكون له الحظ الأوفر في إمكانية مناطحة الواقع، وهي مناطحة بكل ما تحمل الكلمة من معنى كانعكاس لمناطحة الحيوانات لظروف قسوة الطبيعة.

هو المشهد البشع الذي كشفت عنه العاصفة القطبية التي ضربت المنطقة ( أليكسا)، والذي يدعو بذات الوقت للتأمل والتفكير بكثير من الحزن لما آل إليه الوضع الفلسطيني الراهن في الأراضي الفلسطينة المحتلة من بحرها لنهرها حيث خضوع الشعب لسلطات مختلفة بالشكل والمضمون والحكم والتحكم والقوانين. ففي القدس كان الشعب الفلسطيني الخاضع لسلطات الاحتلال بالشكل المباشر ضحية الإهمال، وتم التعامل معه على أساس أنهم مواطنون من الدرجة العاشرة حيث لا خدمات حقيقية تم تقديمها لهم جراء هذه العاصفة مما تركهم فريسة سهلة لغول الطبيعة، ومزاجية ما يسمى بسلطات بلدية القدس المحتلة وهو ما لمسناه في الأحياء العربية بمنطقة "القدس الشرقية".

وفي مناطق الضفة الغربية والخاضعة لسلطة أوسلو والتي تحولت إلى دولة من خلال الاعتراف الأممي فيها حيث التخبط كان سيد الموقف بكل مناحي إدارة شؤون الأزمة بدءا من الراصد الجوي الذي لم يعط تقديرات حقيقة وصادقة لفعل العاصفة القطبية، حيث أنه من المفروض أن ثمة مؤسسة لها كيانها تسمى نفسها الأرصاد الجوية الفلسطينية، ولها موازناتها وكوادرها، ويكفي أن نقول إن صفحات على الفيسبوك لشباب من الممكن اعتبارهم هواة في رصد الأحوال الجوية كانت توقعاتهم الأقرب إلى الحقيقة.

إن الحديث عن جهوزية المؤسسات الوطنية لبناء الدولة، والاستعداد للانتقال إلى مرحلة الدولة من مرحلة السلطة قد بان أنه مجرد أكاذيب فقط لا غير، وليس له علاقة بالواقع بالمطلق والتفاصيل كثيرة بهذا الشأن، وأن حاولت هذه المؤسسات أن تلقي باللائمة على الاحتلال، فانقطاع التيار الكهربائي وفقا لأقوال السادة مسؤولي شركة الكهرباء كان نتيجة أعطال من قبل الجانب الإسرائيلي، وتوقف ضخ المياه عن عاصمة سلطة أوسلو (رام الله) كان نتيجة عدم الضخ من قبل الجانب الإسرائيلي. وعدم فتح الطرق نتيجة حتمية لكون سلطات الاحتلال لا تسمح بإدخال المعدات الثقيلة إلى الأراضي المحتلة. وكل هذه التبريرات وغيرها التي سمعناها على مدار الأيام السابقة ما هي إلا أكاذيب ومحاولة للتمظهر بمظهر غير المقصر، وعدم الاستعداد أو الجهوزية وسيد الموقف دائما أن الذي حصل على الخدمة هو من امتلك القدرة المالية والنفوذ لدى المؤسسات المعنية.

إن التفاصيل التي عايشتها الأراضي المحتلة لتؤكد أن التخطيط لما يسمى بالفعل السلطوي هو تخطيط نظري وورقي لا يمكن أن يطبق على أرض الواقع، وكل نظرياتهم قد سقطت مع أول امتحان حقيقي مع الطبيعة وتغولها وافتراسها للبشر.

وقطاع غزة كان ضحية الافتراس الحقيقي لعطايا السماء حيث غرقت غزة، وأصبحت بالفعل كما هي مدينة البندقية، بينما كان سادة المنابر وخطباء الدين الحنيف يقسمون أن الأوضاع تحت السيطرة.

هي مأساة بلد  يخضع لحفنة من البشر أبطالا بالكلام واعتلاء منصات المؤتمرات وورش العمل ورسم الخطط. هذه الحفنة التي لم تعرف حتى كيف تدير أزمة ما بعد العاصفة، فتارة أصدرت أوامرها بضرورة التوجه إلى العمل، واكتشف جيش الموظفين أن الوزرات مغلقة لا يمكن الوصول إليها وتحديدا عند مداخلها، وتارة أخرى حددت أن ساعات الدوام تبدأ من الساعة العاشرة صباحا، ومرة أخرى كان التخبط سيد موقف وتضاربت التصريحات حول الأضرار، فمنهم من قال إن الأضرار بسيطة، ومن هم بالميدان غضبهم كان شديدا حيث أن تقديراتهم الأولية للأضرار تفوق توقعات من يتبارى بالحديث المباشر على الإذاعات والفضائيات.

باختصار أيها السادة لقد شعرنا بالإهانة والمذلة الفعلية خلال الأيام المنصرمة جراء هذه العاصفة، وكنا ضحايا للإهمال والفوضى وفساد مؤسسات، لا اعتقد أنها تصلح لإدارة حارة من حارات المدن، وغابت كل أشكال النخوة والشهامة في مدن من المفروض أن تكاتفها سيد الموقف في ظل احتلالها المباشر.

من هنا فإنها الدعوة المتجددة لإعادة النظر بما يسمى بمؤسسات الدولة وجهوزيتها واستعداديتها لإدارة الشأن الداخلي، ونرجو أن تخرس وتصمت كل الجوقات المطبلة والمزمرة التي تحاول أن تبيض صفحات هي بالأصل سوداء وقاتمة السواد.

وأرجو من الجميع أن يتذكر دائما أن فلسطين خاضعة للاحتلال بمدنها وقراها ومخيماتها بصرف النظر عن تصنيفها الأوسلوي، وهي فقيرة وبالتالي لابد من التعامل معها على هذا الأساس بالتخطيط والتطبيق، وأن لا نتوهم أن احياءنا قد أصبحت من الضواحي الباريسية أو السويسرية، وهو الأمر الخادع الكاذب، والوهم المُباع لنا، في عاصمة السلطة.

إنها المعادلة التي لا بد من التذكير بها، فلسطين المنقسمة والمقسمة خاضعة بكاملها وبأكملها للاحتلال، وإدارة الشأن الداخلي لها ما بين سلطة رام الله وسلطة غزة، وبالتالي لا بد من تحديد أولوياتنا في ظل هكذا وقائع، وأعتقد أن التحديد هنا منطلق انطلاقا جذريا من اعترافنا بالواقع واعترافنا بمؤسساتنا الورقية.
 

التعليقات