07/01/2014 - 18:38

التبادل السكاني: من أبرتهايد إلى آخر أسوأ../ عوض عبد الفتاح

ربما لا يريد هذا المواطن العادي، أو ربما غير العادي، أن يعترف أن الحياة هناك أسوأ، بعد أن حولت إسرائيل الحياة في الضفة والقدس وغيرها من الأراضي المحتلة، بعد عقود من النهب والتهويد والقمع والاعتقال وتقطيع وعزل المدن عن بعضها، إلى جحيم. إذًا من يقبل أن ينتقل من وطنه ومن ظروف صعبة إلى ظروف أكثر صعوبة وخطورة، إلى جزء آخر من الوطن تريده إسرائيل سجنًا كبيرًا، تحت مسمى دولة يحكمها مقاول ثانوي للاحتلال أو نظام الأبارتهايد (سلطة رام الله)

التبادل السكاني: من أبرتهايد إلى آخر أسوأ../ عوض عبد الفتاح


- "هل تريد أن تنتقل إلى الدولة الفلسطينية؟"
- "لا"..  أريد أن أبقى في مدينتي أم الفحم"
- "إذن أنت تحب العيش في دولة إسرائيل؟"
- "لا" هذه أرضي ولدت هنا وسأبقى هنا"

" لن تُرحل من مدينتك، فقط بدل أن تكون مواطنًا في دولة إسرائيل، ستكون مواطنًا في الدولة الفلسطينية وفي الدولة التي تؤيد إقامتها، ألا تريد هذه الدولة". (صحفي إسرائيلي يسأل مواطنا عربيا من أم الفحم).

عند هذه النقطة التي يطرحها الصحفي الإسرائيلي يتلعثم المواطن العربي الفلسطيني الذي يعيش في مدن وقرى منطقة المثلث التي يجري الحديث عنها في أوساط إسرائيلية رسمية منذ سنوات طويلة.. كمنطقة يجب ضمها مع سكانها إلى الدولة الفلسطينية الوهمية على أراضي داخل الضفة الغربية. وأبرزهم العنصري المأفون، وزير خارجية إسرائيل أفيغدور ليبرمان.

لماذا بالفعل يرفض الفلسطيني الحامل للمواطنة الإسرائيلية الانضمام إلى "الدولة الفلسطينية"؟ لا يمكن اتهامه بأنه يحب إسرائيل أو يتماثل مع مضامينها ورموزها وسياساتها. في قرارة نفسه هو يراها كيانًا غريبًا. هناك طبعًا من تدجّن كليًا في إطارها بعد أن تم تغييب وعيه الوطني بالكامل. وهؤلاء أقلية صغيرة جدًا.

ربما لا يريد هذا المواطن العادي، أو ربما غير العادي، أن يعترف أن الحياة هناك أسوأ، بعد أن حولت إسرائيل الحياة في الضفة والقدس وغيرها من الأراضي المحتلة، بعد عقود من النهب والتهويد والقمع والاعتقال وتقطيع وعزل المدن عن بعضها، إلى جحيم. إذًا من يقبل أن ينتقل من وطنه ومن ظروف صعبة إلى ظروف أكثر صعوبة وخطورة، إلى جزء آخر من الوطن تريده إسرائيل سجنًا كبيرًا، تحت مسمى دولة يحكمها مقاول ثانوي للاحتلال أو نظام الأبارتهايد (سلطة رام الله).

إن فلسطين كلها من البحر إلى النهر هي ملك الشعب الفلسطيني. وتقع تحت نظام أبارتهايد عنصري كولونيالي، الذي يمارس القمع والحرمان والحصار والتشويه ويخنق تطور المجتمع الفلسطيني. فقط وجوه هذا النظام الكولونيالي القمعي تتنوع بين منطقة وأخرى، في الضفة، في القدس، في قطاع غزة، في الجولان المحتل، في منطقة 48. ولا عيب القول إن نظام الأبارتهايد داخل إسرائيل أقل فظاظة، وإن كان الجوهر نفسه. ويعود ذلك إلى كون عرب الـ48 خاضعين للقانون الإسرائيلي وهناك مسؤولية تقع على دولة إسرائيل ولو رسميًا تجاه مواطنيها، وبالتالي هذا يحدّ نسبيًا من ممارسة القمع الذي يمارس في مناطق أخرى. قالها منذ زمن د. عزمي بشارة للصهاينة في الكنيست: "خذوا ديمقراطيتكم وأعيدوا لي وطني".

لذلك نقول إن إسرائيل كدولة محتلة مسؤولة عن الشعب الذي احتلته عام 1948 وعام 1967، أمام القانون الدولي. وبالتالي لا يحق لها مواصلة التلاعب بالمواطنين أصحاب الأرض الأصليين والذين فرضت عليهم المواطنة الإسرائيلية، وزيادة عذاباتهم وحرمانهم. هم مواطنون بالشكل.. ومحرومون من معظم حقوقهم المكفولة بالمواطنة المتساوية. ويناضلون ضد الظلم منذ النكبة. إن المقصود هو نقل جزء من عرب ال48 من إطار حالة خاصة من نظام الأبارتهايد كانت حتى وقت قريب مموهة في نظر العيون الأجنبية إلى حالة أبارتهايد سافر وفاضح وأسوأ من نظام الأبارتهايد المندثر في جنوب أفريقيا. لأن الدولة الفلسطينية التي تتحدث عنها المؤسسة الإسرائيلية الرسمية، وكذلك جون كيري وزير الخارجية الأمريكية، ليست إلا نظاما من البانتاستونات (المعازل) بدون سيادة على الحدود والجو. وبالتالي بدون فرصة لتتطور كدولة حقيقية. هذا ناهيك عن أنها ستكون على حساب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم.. وتكريس إسرائيل كدولة كولونيالية وأبارتهايد بغيض.

النقطة الأخيرة؛ إن الهدف من نقل 300 فلسطيني إلى دولة البانتوستونات هو تقليل عدد الفلسطينيين داخل الكيان الإسرائيلي، والحدّ من تأثيرهم وتهديدهم السياسي والأيديولوجي ليهودية الدولة، ولعنصريتها الممأسسة. ما معناه هو جعل دونية من يتبقى من الفلسطينيين أبدية، في كافة مجالات الحياة. وكما قال أحد أبواقهم: حين يتم نقل جزء كبير من العرب في إسرائيل لن يكون صدى لمن يواصل المطالبة بـ"دولة المواطنين" والتي شرطها إلغاء الطابع الكولونيالي والجوهر العنصري للكيان الإسرائيلي.

إن المؤسسة الإسرائيلية تدرك أن لدى فلسطينيي الـ48 قوة سياسية وفعلية وأيديولوجية وأخلاقية كامنة لم يُستثمر بعد إلا جزء منها. ويتوقع باحثون بأن يكون لهذا الجزء دور أكبر في بلورة ملامح الكفاح الوطني والديمقراطي لعموم شعبنا، وفي رسم ملامح الحل المستقبلي للصراع – خاصة إذا فشلت طبخة جون كيري الخطيرة. ونتمنى أن تفشل لأن نجاحها كارثة أوسلوية ثانية. الحلّ العادل يُجيب على الطموحات الشرعية والحقيقية لشعبنا الفلسطيني ويجيب ديمقراطيًا على المسألة اليهودية في فلسطين.. بدون كولونيالية وبدون فصل عنصري.

التعليقات