08/01/2014 - 11:59

إطار كيري المثقوب وسلاح المفاوضات الخُلبي!../ نزار السهلي

ما لم تؤخذ أولويات الشعب الفلسطيني بعين الاعتبار، وليس أولويات المفاوض الإسرائيلي، فإن المفاوضات والتسوية ستبقى على سكتها المأزومة، ولن توقف عجلتها المثقوبة إطارات كيري ولا تفاهمات أمريكا مع عربها، ولا دعم السلطة المالي ولا الثناء الدولي، وستتوقف كل عجلات التسوية أمام الحق الفلسطيني الساطع باستمرار

إطار كيري المثقوب وسلاح المفاوضات الخُلبي!../ نزار السهلي

الأزمة أو المأزق الذي يتخبط فيه هذه الأيام "حلف المفاوضات" الفلسطيني- الإسرائيلي وحليفه الأمريكي يضرب بأكثر من اتجاه، ولم ينجح حتى الطرف الإسرائيلي الذي دأب على فرض شروطه وحصد نتائجه من المفاوض الفلسطيني الذي أوغل في الخضوع والانصياع بعيدا عن الضوابط الأخلاقية والوطنية بحدها الأدنى أمام شعبه، يجد هذا الطرف نفسه يبتلع "لعلعة شعاراته " الحاضنة لمواقفه والعاكسة لخيباته المتكررة أمام الطرف الإسرائيلي.

وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، يبحث عن "إطار" يتفق حوله الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني، وفي صورة الإطار تبدو المواقف الإسرائيلية أكثر وضوحا لجهة تمرير الأفكار والمواقف الإسرائيلية في هيئة "الإطار" الذي يدفعه كيري قدما، ويمكن القول إن أهم ما في جعبة كيري الإسرائيلية هو تسويق فكرة التبادل في الأراضي بين الجانبين وطرح فكرة "أراضي المثلث" مقابل الكتل الاستيطانية في الضفة وظهور مواقف فلسطينية تفاوضية رافضة لهذا المبدأ، إلا أن عبارة "كبير" المفاوضين "تبادل طفيف بالقيمة والمثل" الذي ظل يرددها تفصح عن المعنى الحقيقي لموقف القيادة الفلسطينية من هذا الأمر، الذي ينسحب عليه أيضا الموقف من قضية الغور والاستيطان واللاجئين والقدس، فليست مشكلة أبو مازن مع الطروحات الإسرائيلية ولا عنجهية المحتل ولا عدوانه، بل الأمر محصور على ما يبدو في حساباته الضعيفة وقدرته على بسط إرادته على الشعب الفلسطيني داخل قرى المثلث، طالما الأمر محسوم بالنسبة له فلسطينيا في الضفة ضمن التنسيق الأمني وضرب المقاومة، على الأقل الحالة الفلسطينية المعارضة لنهج التفاوض تبقى في صف المعارضة اللفظية تحت كنف السلطة المالي والسياسي والمعنوي يتشدق المفاوض الفلسطيني بها ويشترك في لغته كثير من القوى الفلسطينية التي تحولت إلى "النضال" اللفظي والبيانات المستنكرة.

من هذه القاعدة المأزومة، ينطلق طرفا المفاوضات إلى عقد جولات التفاوض بمباركة ودعم عربي للجهد "الإطاري" الذي يسعى إليه كيري متنقلا من عاصمة إلى أخرى، وتبقى الحسابات الإسرائيلية تستند إلى رصيد الدعم المرفود بإجراءات على الأرض هي فيصل العملية التفاوضية، يقول وزير الأمن الإسرائيلي موشي يعالون: إن المفاوضات الجارية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية تهدف إلى خلق إطار يتيح استمرار المحادثات، وليس اتفاقا، مشيرا إلى أن "مصلحة إسرائيل تكمن في استمرار المفاوضات".

الحاجة الإسرائيلية الدائمة لوجود طرف فلسطيني يفاوض على الفراغ هي حاجة تبرر وجود السلطة وتضمن لإسرائيل استكمال مشاريعها، هذه المعادلة ليست بجديدة الاكتشاف طالما يفصح عنها قولا وفعلا الجانب الإسرائيلي الذي يحيل الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني إلى ما يسميه استفتاءً للجمهور الإسرائيلي إن اتخذ مفاوضه مساساً أو قراراً يتعلق بالقدس واللاجئين والمستوطنات والأغوار "هي من المفترض أن تكون ثوابت فلسطينية" بينما الجانب الفلسطيني أقصى ما يمكن أن يقدم عليه الوقوف أمام المايكروفون وإطلاق التصريحات المبهمة التي سرعان ما يبتلعها. هذا السلاح الخلبي الذي يمتشقه المفاوض الفلسطيني ويتعامل به مع قضية شعب برعونة وخفة ولغة تتسم بالميوعة يؤشر إلى صناعة نكبة جديدة تطال من صمد داخل أرضه طيلة العقود الستة الماضية، وإلى ضرب الجزء المتبقي من قضية حركة التحرر الوطني الفلسطيني من خلال تخريجة يعمل عليها ضمن "إطار" كيري بما يشبه اتفاق أوسلو ولكن بصيغة تأتي بالضربة القاضية على المشروع الوطني الفلسطيني وما يترتب على ذلك مختلف تماما عن اختراق أوسلو الأول الذي بالغت في الترويج له السلطة الفلسطينية ككيان مولود من رحم أوسلو وثمرته التنسيق الأمني والقادم دولة فلسطينية مقابل الاعتراف بـ"الدولة اليهودية" مع تبعات هذا الاعتراف الذي تسوق له المؤسسة الإسرائيلية قبل طرح ليبرمان لأفكاره التبادلية من خلال جملة إجراءات عنصرية بحق سكان البلاد الأصليين ومصادرة أراضيهم والإعداد لعملية ترانسفير جماعية بحال فوز فكرة التبادل "بالقيمة والمثل" حسب عبقرية كبير المفاوضين! المستقيل من دوره لفظياً والمجتهد والمحموم في لقاءاته التفاوضية عملياً.

ضمن هذه الوقائع يجري التحضير لـ"إطار" كيري وضمن التحديات الإسرائيلية المعلنة جهارا نهارا للاءاتها المتعلقة بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، لا يجد المفاوض الفلسطيني أمامه غير هضم مواقفه الارتجالية والخُلبية متجاهلا عن عمد الجذر الحقيقي للأزمة ومتعامياً في تجاهل مبالغ به عن الغضب الشعبي الفلسطيني الذي تظن العقلية الأمنية للسلطة أنها استطاعت احتواءه غير مدركة أن كل هذه المعطيات تشكل نبعا هائلا لتغذية المقاومة، ولن تتمكن أية "إطارات" مثقوبة أو صلدة أن تعطي شرعية لهزالة الحلول وفق معادلة كل شيء لصالح إسرائيل وشروطها وأمنها، فإذا كانت المفاوضات مصلحة إسرائيلية حسب يعالون فالأجدى أن يكون الرد الفلسطيني بوقف المفاوضات وعبثيتها ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال كمصلحة وطنية فلسطينية والابتعاد عن مزاد الفرص والأوهام، وأنه بالالتفات إلى الشعب ومصارحته وتحسين شروطه النضالية يمكن مواجهة المشاريع الإسرائيلية، فلا التهديد باللجوء للمجتمع الدولي ومنظماته المنافقة يمكن أن يعوض القوة الحقيقة للحق الفلسطيني الممثل بإرادة الشعب الفلسطيني.

ما لم تؤخذ أولويات الشعب الفلسطيني بعين الاعتبار، وليس أولويات المفاوض الإسرائيلي، فإن المفاوضات والتسوية ستبقى على سكتها المأزومة، ولن توقف عجلتها المثقوبة إطارات كيري ولا تفاهمات أمريكا مع عربها، ولا دعم السلطة المالي ولا الثناء الدولي، وستتوقف كل عجلات التسوية أمام الحق الفلسطيني الساطع باستمرار.
 

التعليقات