03/02/2014 - 09:49

أوكرانيا بين كماشتين../ هاني عوكل

شق يريد ويرغب الاحتماء بالجار الروسي الذي يمكن أن يقدم له مساعدات وحوافز اقتصادية لضمان بقاء أوكرانيا في جيب روسيا، وشق آخر يتمنى الاختلاط مع أوروبا ويرغب في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي

أوكرانيا بين كماشتين../ هاني عوكل

ما يزال المشهد الأوكراني واحداً من أهم المشاهد التي تتصدر عناوين الأخبار والصحف العالمية، ليس لطول فترة الأزمة وتداعياتها على المحيط الجغرافي الملاصق لهذه الدولة، وإنما لوجود قوى دولية مهمة ومؤثرة في هذا المشهد عموماً.

قبل الأزمة التي تفجرت منذ شهر تشرين الثاني الماضي، وأوكرانيا منقسمة إلى نصفين تقريباً، شق يريد ويرغب الاحتماء بالجار الروسي الذي يمكن أن يقدم له مساعدات وحوافز اقتصادية لضمان بقاء أوكرانيا في جيب روسيا، وشق آخر يتمنى الاختلاط مع أوروبا ويرغب في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

عنوان المشكلة ابتدأ حين رفض الرئيس الأوكراني يانوكوفيتش توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وحين أدار ظهره للغرب التقى بعدها بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووقع معه على عقد شراكة بين الدولتين، في ظاهره اقتصادي لكنه يحمل دلائل سياسية قوية، ويشكل مؤشراً على اعتبار كييف جزءا من دائرة النفوذ الروسي في المنطقة.

هذا الاتفاق الروسي- الأوكراني مع أنه يحمل بشائر خير على الثانية، وينقذها من تداعيات الأزمة الاقتصادية وفشلها في إدارة هذا الملف، قوبل بسخط شديد من قبل المعارضة التي أعلنت الاحتجاج والنفير العام ضد النظام الحاكم، الأمر الذي عقّد من الأزمة خصوصاً مع تواصل الاحتجاجات وسيطرة المتظاهرين على ميادين ومناطق مهمة في العاصمة كييف.

الأزمة أخذت أبعاداً ومنحنيات خطيرة حين ظلت التظاهرات على أشدها، وواجهتها الحكومة بقرار برلماني يجيز فضها والحد منها، وهذا القانون الذي ترجمته الحكومة على الأرض أدى إلى وقوع اشتباكات بين الطرفين ومقتل خمسة متظاهرين إلى جانب إصابة واعتقال المئات.

مع ذلك ظلت المعارضة متمسكة بموقفها الاحتجاجي، في حين علت سقوف المطالبات بين رفض الشراكة مع روسيا والمضي نحو الاتحاد الأوروبي، وبين ضرورة استقالة الرئيس يانوكوفيتش والدعوة لانتخابات رئاسية، إلى جانب أصوات اكتفت فقط المطالبة بالحد من صلاحية الرئيس لصالح تقوية البرلمان.

وعلى كل حال لم يكن من الممكن وقف التظاهرات بالقوة وذلك لعدة أسباب، أولها أن البلاد منقسمة بالفعل بين موقف يميل إلى النظام، وموقف ضده تماماً ومدعوم بقوة من جانب الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يعني أن لا سبيل لتحقيق الاستقرار بدون تكاليف مرهقة، سوى عبر المفاوضات بين الطرفين وتقديم التنازلات.

أحد هذه التنازلات التي أرغم الرئيس الأوكراني على الامتثال لها، اتصل بإلغاء البرلمان القوانين المقيدة للاحتجاجات التي أثارت غضب المعارضة، تبعها المصادقة على قانون عفو عن المتظاهرين الذين تم اعتقالهم في فترة الاحتجاجات المتواصلة منذ حوالي الشهرين.

تزامن مع هذا الإجراء استقالة رئيس الوزراء نيكولاي آزاروف من منصبه، وقبول الرئيس هذه الاستقالة على اعتبار أنها قد تخدمه لتهدئة المعارضة والمحتجين، إلى جانب أن يانوكوفيتش كان قد اقترح على المعارضة في السابق، المشاركة في الحكومة بمنصب رئيس الوزراء.

مع ذلك وبالرغم من هذه التنازلات من جانب يانوكوفيتش، إلا أن المعارضة تفسر ذلك في أكثر من موقف، ربما أوله أن هذا الانحناء سيقود إلى المزيد من انحناءات أخرى قد تؤدي في النهاية إلى تحقيق مطالبها بين الحد من صلاحيات الرئيس أو التعجيل باستقالته.

وعلى الأرجح أن المعارضة تريد من هذه التنازلات تحقيق مكاسب لصالحها، بحيث أن ذلك سيضمن لها وضع موطئ قدم في الحكومة، ربما عبر المشاركة فيها أو عن طريق المطالبة بانتخابات رئاسية وبرلمانية تعيدها مرةً أخرى إلى الواجهة.

وفي حقيقة الأمر لا يمكن اعتبار الأزمة الأوكرانية سهلة، خصوصاً وأن الحديث يجري عن وضع داخلي معقد وأيضاً خارجي معقد، بمعنى أن أوكرانيا خاضعة لنفوذ قوى دولية تسعى جاهدةً وبقوة للحصول عليها.

ثم إن روسيا لن تفرط أبداً في أوكرانيا، حتى لو أدى ذلك إلى تقسيم البلاد، ولا أوروبا راغبة في ترك هذه الدولة إلى روسيا، ما يعني أننا أمام معركة داخلية وخارجية، وهي بطبيعة الحال تشكل مؤشراً على التحول الذي يشهده النظام الدولي في هذه الأيام.

تعتبر روسيا أن أوكرانيا في حال سقطت في يد الاتحاد الأوروبي، فإن ذلك سيشكل تهديداً خطيراً على النفوذ الروسي في المنطقة والتوسع الذي تسعى لتأمينه في عملية النهوض، إلى جانب الآثار الاقتصادية التي ستعاني منها موسكو نتيجة اعتبار كييف نافذة الاتحاد الأوروبي وسوقاً لوصول البضائع الغربية.

مع ذلك، فإن بوتين في القمة التي جرت بينه وبين الاتحاد الأوروبي في بروكسل، لا يرغب في مواجهة المعارضة الأوكرانية، معلناً أن اتفاقه مع الرئيس الأوكراني حول الغاز لن يتغير في حال وصلت المعارضة إلى سدة الحكم.

ما يبدو مفهوماً هنا، أن البلاد تعيش على وقع مرحلة من الاستنزاف بين الوضعين الداخلي والخارجي، إذ هناك حالة من الشد والرخي على الصعيد الداخلي، لكن مع ذلك وفي ظل عدم توقف المعارضة عن الاحتجاجات، فلعل ذلك ينذر باحتمال وقوع حرب أهلية.

أما بخصوص سيناريوهات المستقبل، فيمكن حصرها في ثلاث، أولها أن يستجيب طرفا الأزمة ويوافقا على وضع خطة لإنهاء النزاع، الأمر الذي يعني بطبيعة الحال الحصول على تنازلات بسيطة من قبل النظام الحاكم وفي نهايتها ترضي الطرفين وتمهد لاستتباب الأمن.

وأما السيناريو الثاني فيعني مواصلة الاحتجاجات التي ستزيد من توتر الوضع الراهن، والتي قد تضع البلاد أمام حرب أهلية، كما حذر الرئيس الأوكراني السابق ليونيد كرافتشوك، الذي دعا الجميع إلى التصرف بمسؤولية عالية.

السيناريو الثالث كثير التشاؤم ومرده إلى غياب التوافق بين الأطراف الدولية المتنازعة كل من روسيا والاتحاد الأوروبي، وانعكاس ذلك على الوضع الداخلي الأوكراني الذي قد يزداد تعقيداً ويؤدي في المستقبل المنظور إلى تقسيم البلاد على غرار جدار برلين، بحيث أن تحال أوكرانيا الشرقية إلى الهيمنة الروسية، وكذا أوكرانيا الغربية إلى الهيمنة الأوروبية.

وعلى كل حال يبقى السيناريو الأول والثاني هما الغالبان حالياً في المشهد الأوكراني، بمعنى أننا قد نشهد مستقبلاً إما حلاً وسطاً بين طرفي النزاع يمهد لمشاركة سياسية تقوم على المحاصصة، وعلى أن يتم إجراء الانتخابات لتحديد الفئة التي ستقود المرحلة المستقبلية، أو أننا مقبلون على معركة كسر العظم التي قد تعني فوز طرف على معارضه الآخر.

وأما بالنسبة للأطراف الخارجية، فستبقى تعمل وكلٌ من موقعه، لضمان سيطرتها على أوكرانيا، فهذه الأخيرة تشكل ميداناً للتنافسين الروسي والأوروبي عليها، وهذا التدخل سيظل يلقي بظلاله على المعادلة الداخلية الأوكرانية.

التعليقات