07/03/2014 - 10:22

الرهاب ومحاولة السيطرة عليه../ فراس غنادري

كثر في الآونة الأخيرة إستعمال كلمات ومصطلحات وممارسة مفاهيم من نوع خوف، تخويف، ترويع، إرهاب فكري، الكارثة القادمة، الرهاب، الخطر القادم، الخوف من المستقبل... وما إلى ذلك من معاني الخوف والتخويف، لذا إرتأيت أن أكتب مقالةً عن الخوف بما تيسر لي من معلوماتٍ وأفكارٍ متواضعةٍ كنت قد اكتسبتها في مختلف المحاضرات وورشات العمل التي شاركت بها في البلاد وخارجها

الرهاب ومحاولة السيطرة عليه../ فراس غنادري

كثر في الآونة الأخيرة إستعمال كلمات ومصطلحات وممارسة مفاهيم من نوع خوف، تخويف، ترويع، إرهاب فكري، الكارثة القادمة، الرهاب، الخطر القادم، الخوف من المستقبل... وما إلى ذلك من معاني الخوف والتخويف، لذا إرتأيت أن أكتب مقالةً عن الخوف بما تيسر لي من معلوماتٍ وأفكارٍ متواضعةٍ كنت قد اكتسبتها في مختلف المحاضرات وورشات العمل التي شاركت بها في البلاد وخارجها.

تنويه: أي تشابه بين الأفكار والأحداث المطروحة والواقع خاصة "أحداث الساعة" يجوز والله أعلم أنه محض صدفة!

وفقاً لعلم النفس فإن خوف معظم الناس الأكبر هو من "الموت" ومن حقيقة فقدان السيطرة على مصيرهم. ومحدودية الإنسان هذه تدفعه ليكون في مواجهةٍ مع بيئته من أجل "تصليح" عدم قدرته على السيطرة على مصيره في توقٍ منه لأخذ زمام الأمور لذاته.

ويشكل الخوف العادي عاملاً محفزاً للأداء والحذر، وهو أمر طبيعي ومطلوب جداً. لكن في حالة الخوف الشديد والرهاب “Phobia” التي يركز فيها الإنسان على الأمور التي تخيفه كثيراً في محاولةٍ منه للسيطرة عليها تكون النتيجة عكسيةً، لأن هذا يؤدي بالإنسان إلى التفكير المتواصل بما يخيفه. ويمنعه هذا من التحرر منه مما يزيد من فقدانه لسيطرته ومن إنتاجٍ لحالة الخوف، ولتفسير ذلك إليكم بعض الأمثلة الحسية:

أطلب من صديق أو قريب لك يجلس بجانبك أن لا يعمل شيئا، وأن يسمح لك بأن تمسك بيده وترفعها فوق رجليه لبرهةٍ، ثم تتركها لتسقط سقوطاً حراً على رجليهِ دون أن يعرف أنك تنوي تركها. وتفيد المعطيات بأن:
20% من الناس ينسابون طبيعياً دون السيطرة على أياديهم وتسقط سقوطاً حراً عند تركها؛
40% منهم يتهيأون لذلك، وأيضاً تسقط أياديهم سقوطاً حراً؛
أما ألـ 40% المتبقون فتبقى أياديهم في الهواء لبرهةٍ، وتنزل من بعدها نزولاً ليس حراً! وهؤلاء الأشخاص عملياً يفقدون السيطرة بسب حاجتهم للسيطرة الكاملة 100% أي أنهم يفقدون السيطرة والقدرة على الخيار أن لا يكونوا في حالة السيطرة التامة والتحكم الذاتي الأوتوماتيكي الكامل!

مثلاً إضافياً هو ذلك التلميذ العنيف "المسيطر" الذي يرد بالعنف بشكل أوتوماتيكيٍ على أي زميل له لم يعجبه سلوكاً ما قام به، في الواقع يكون هذا التلميذ فاقداً للسيطرةِ لأنه يفتقد لإمكانية عدم الرد بعنف.

كذلك ينطبق هذا الأمر على الناس الذين يعانون من رهاب الطيران نتيجةً لحاجتهم للسيطرة الكاملة على مصيرهم، ولتركيزهم على خوفهم! حتى أن هناك مثلاً صارخاً عن طيارٍ حربيٍ إسرائيلي الذي لا مشكلة لديه في الطيران بطائرته فوق أجواء أي دولةٍ عربيةٍ وقصف أي أهدافٍ هناك! مع خطر التعرض للنيران المضادة! لكنه بسبب حاجته للسيطرة الكاملة يخاف من الطيران بطائرة مدنية كأي مسافرٍ آخر!

وهكذا الأمر عند الذين يعانون من الخوف الشديد من الامتحانات، فبتركيزهم على خوفهم من أجل حاجتهم لعدم فقدان السيطرة فهم يفقدون سيطرتهم وقدرتهم على الاختيار، ويكمن الحل والمخرج في الموازنة بين عدم التنازل الكامل عن السيطرة وبين الإدراك بأن هنالك احتمالا بأن "لا تأتِ الرياح بما تشتهي السفنُ" والإيمان أن هنالك احتمالا للنجاح في الامتحان، وأن يعمل هؤلاء كل ما بوسعهم وقدر استطاعتهم بالتعامل مع كل المركبات والعوامل الفاعلة والمؤثرة فعلياً والتي تقربهم من النجاح من جهة أولى، وتمنع شعورهم بالخوف وحاجتهم للسيطرة الكاملة من أن تشل سلوكهم من جهةٍ ثانية.

وبهذه الحالة يتم توجيه الإنسان الذي يعاني من الرهاب والخوف الزائد من قبل الأخصائيين النفسيين لاتخاذ خطواتٍ عمليةٍ مبنيةٍ على أسس وفكر "البوذية" وفلسفة الوجوديات “Existentialism”والتوجيه لعدم التعامل مع الأفكار السلبية، وعدم محاربتها بل تقبل وجودها وتقبل وجود المشاعر السلبية التي ترافقها، وعدم محاولة تصليحها والتعاطي معها، فهي مجرد أفكار ومشاعر لا إرادية ومزاج سيء "غيمة سوداء" عابرة ستنتهي وتذهب وهي ليست "الأنا" ولا "الكيان". والتوجيه لمرور هذه الغيمة بــ 4 خطواتٍ عامةٍ:
1- أنا متأكد من أنني لن أنجح بهذه المهمة؛
2- حالياً أنا خائف من أنني لن أنجح؛
3- كونه على أي حال علي أن أقوم بهذه المهمة أو المرور بهذه التجربة؛
4- سأعمل كل ما في وسعي من أجل النجاح بها.

وللتلخيص أقول أنه وفقاً لعلماء النفس، فإن الخوف الشديد ليس نتيجةً للأمور، كما هي في الواقع، إنما ينتج من انطباعاتنا عنها، كالطفل الذي يحتاج لأمه إلى جانبه قبل النوم خوفاً من وجود "بعبع"، وهو يعرف جيداً أن أمه لن تبقى إلى جانبه حتى الصباح، وستخرج من غرفته وتتركه لوحده فور نومه، لكن هذا لا يشكل عاملَ قلقٍ لديه ولا يعنيه لأنه في الواقع هو لا يخاف من وجود "البعبع" في غرفته بل يخاف من التفكير في وجود "البعبع" ومن المشاعر السلبية الناتجة عن هذا التفكير. يدخل الخوف وينمو ويكبر في الفراغات التي يشعر بها الإنسان بفقدان السيطرة نتيجةً لامكانية حدوث أمر سلبيٍ وفقاً لانطباعاته وهذا ما يُنتج لديه مشاعراً سلبيةً وبالتالي يشعر بالخوف والانغلاق.

التعليقات