27/03/2014 - 21:16

"كلهم زي بعض" – حول الترحيب برفع نسبة الحسم../ وئام بلعوم

سيناريوهات كثيرة خلاصتها أن الوحدة يجب أن تكون قرارا ذاتيا عربيا فلسطينيا إستراتيجيا يضع لها برنامجاً ومشروعاً نضالياً واضحاً

أقرّ البرلمان الإسرائيلي منتصف الأسبوع الماضي قانون رفع نسبة الحسم بالقراءة الثانية والثالثة. القانون الذي مرّ بنسبة 100%، على أثر مقاطعة المعارضة لجلسة التصويت، لاقى معارضة كبيرة في أوساط الأحزاب العربية ومؤسسات حقوق الإنسان والمجتمع المدني، وتم تصنيفه كقانون عنصري، باعتباره قانوناً مفصلاً للأحزاب العربية، التي تعتبر، بالإضافة لحزب "كاديما" المُنهار، أصغر أحزاب الكنيست من حيث النسبة، وبالتالي المتضرر الأساسي منه. وكذلك باعتبار القانون حلقة من سلسلة قوانين عنصرية تهدف التضييق على المواطنين العرب في إسرائيل ونشاطهم السياسي. وللتوضيح فإن نسبة الحسم تم رفعها من 2% إلى 3.25%، في حين أن نسبة القوائم العربية، كل منها على حدة، تتراوح بين 2.6% و3.65%.

الأمر الملفت للنظر، هو ردود فعل الشارع العربي، التي تراوحت بين معارضة القانون واللامبالاة تجاهه وحتى الترحيب به. ردّة الفعل المرحّبة بالقانون يمكن فهمها، إذا ما نظرنا إلى الرغبة الشعبية الآخذة بالتزايد، بتوحيد القوائم العربية في  انتخابات الكنيست. من بين ردود الفعل والآراء حول القانون، برزت "ورقة موقف" مؤيّدة للقانون، قدّمها للجنة الكنيست ثلاثة أساتذة هم: بروفسور سامي سموحة وبروفسور أسعد غانم من "جامعة حيفا" ود. نهاد علي من الكليّة الأكاديمة "الجليل الغربي". الموقف الذي أبداه الأساتذة في ورقتهم يستحق المناقشة، بكونه سابقة جديدة، قد نعتبرها خطيرة أيضاً، ليس فقط لما تحمله من تغريد خارج سرب الأحزاب والمجتمع المدني الوطني، الذين أجمعوا على كَون القانون عنصرياً، بل لما تشمل الورقة من تبريرات مستندة إلى منهجية تحليل إسرائيلية.

يقول الأساتذة في الورقة المذكورة إن: " التصويت لقائمة عربيّة مشتركة لن تضر بالتصويت الصريح، بحيثأانه لا يوجد اليوم فروقات أيديولوجيّة حقيقية بين الأحزاب العربية". ولكننا نعلم، في الحقيقة، أن هناك فروقات بين الأحزاب العربيّة الفلسطينية. ألا يوجد فارق  أيديولوجي بين من يحمل رؤية قومية - ديمقراطية وبين من يحمل رؤية تعايش عربي - يهودي؟ بين من يطرح حل "دولتين لشعبين" وبين من يطرح حل "دولة كل مواطنيها"؟ بين من يطالب بانتخاب مباشر للجنة المتابعة وبين من يطالب بإصلاحها؟ بين من يحمل فكراً ديمقراطياً وبين من يحمل  فكرًا غير ديمقراطي؟ ألا يوجد فارق بين الأحزاب وبين نواب غير محزّبين؟ ألا يوجد فارق بين نائب فاشل ونائب ناجح؟ ما الذي يوحي بعدم وجود فروقات بين الأحزاب؟ الخلافات الأخيرة في انتخابات السلطات المحليّة؟ الخلافات في المواقف من الثورات العربية؟ (مع التشديد على التشابه بين الأحزاب في السلوك البرلماني والموقف من القوانين العنصرية والقضايا الخدماتية، وهذا أمر محمود ومطلوب!) كيف كنا سنردّ لو سمعنا شخصاً يقول إنّ حركة "ميرتس" لا يختلف عن حركة "شاس" ويمكنهما أن يشكّلا حزباً واحداً؟

لو أن صهيونياً أو غربياً قال إننا "كلنا عرب" و"كلنا نفس الشيء"، لقلنا إنه استشراقي، إنّنا بالنسبة له كتلة واحدة، "مجرد عرب" أو "مجرد  فلسطينيّين". لا يوجد ما يفرقنا، كلنا نتمتّع بنفس الصفات. لذا من الغريب والمستهجن أن يصدر هذا الكلام عن محاضرين، يفترض أنّهم يعون أهميّة الاختلاف في المجتمع، أهميّة تعزيز ثقافة  الاختلاف، أهميّة التنافس على قاعدة ثوابت وطنيّة وأسس توافقية. ومن الغريب أن يغفل أساتذتنا أننا شعبٌ متعدد ومتنوّع، مثله مثل باقي الشعوب، وأن التعدديّة هي ميزة يجب تعزيزها، وأن اللون الواحد والصوت الواحد هو سمة من سمات الفاشية. من الغريب إغفال أهميّة التعددية، حتى لو كان الشعب تحت الاحتلال، فالتعددية توفر إمكانية التنافس بين الأحزاب والمجموعات المختلفة، وتعطي الفرصة لبناء تكتلات جديدة، ولتوزيع القوّة بين عدة قوى مجتمعية. ولا تعني التعدديّة الاستغناء عن الوحدة، العكس تماماً، الوحدة أمام طرف خارجي ضرورية، لكن التعددية هي الضامن لوحدة حقيقية. الوحدة دون اختلاف هي أمر وهمي وغير عملي. وجود مجموعات متحدة تحت صوت واحد، دون نقاشات داخلية هي الأمر غير الطبيعي. وقد رأينا كيف انهارت دول اعتمدت بها الأنظمة الصّوت الواحد واللون الواحد. ضمان الوحدة والسيادة يأتي عبر تعزيز القاعدة الوطنية المشتركة لنا كأبناء الشعب الفلسطيني من ناحية، وتعزيز الاختلاف وترشيد وتقوية التنافس على أساس هذه القاعدة.

كذلك، يفترض الأساتذة سموحة وغانم وعلي أن رفع نسبة الحسم سوف تفرض الوحدة على الأحزاب العربية، وهو افتراض غير واقعي، بحيث أن رفع نسبة الحسم ل3.25% لن يضمن أن تكون هنالك قائمة عربية واحدة. فقد تكون هنالك  قائمتان، وتعبر كلتاهما نسبة الحسم. وهذه الأخيرة تحمل في طياتها خطورة التقسيم لثنائيّات مدمّرة، تجبر المواطن العربي على  اختيار بين إحدى الخانتين دون ثالث: علماني- متديّن، وطني - غير وطني، تقدّمي – رجعي وغيرها من التصنيفات التي قد تكون غير حقيقية وغير ضرورية وخطيرة للنسيج الوطني الاجتماعي.

تجربة الأقلية الهنغاريّة في سلوفاكيا

يشير الأساتذة إلى تجربة الأقلية الهنغاريّة في سلوفاكيا (يشكل الهنغار 11% من تعداد السكان وهم الأقلية القومية الأكبر في سلوفاكيا)، على أنها تجربة إيجابية يمكن أن تشكل سابقة جيّدة للأقلية العربية الفلسطينية في اسرائيل. بحيث أن الأحزاب الهنغارية مُثّلت على يد ثلاث أحزاب، ومن ثم توحّدت في حزب واحد، هو "التحالف الهنغاري" على أثر رفع نسبة الحسم ل5%. بحيث أنه في أول انتخابات له (عام 1998) تمكن "التحالف الهنغاري" من الحفاظ على النسبة السابقة وهي 11%.

بغض النظر عن صعوبة المقارنة مع حالة الفلسطينيين في إسرائيل، بحكم عدة اختلافات جوهرية، منها الطابع الاستعماري لقضيتنا (مثلاً اشترك "التحالف الهنغاري" في الحكومة وكان له وزراء فيها). إلّا أن الأساتذة لم يذكروا في ورقتهم أن "التحالف الهنغاري" قد فشل في عبور نسبة الحسم عام 2010 وبقي خارج البرلمان السلوفاكي، بعد أن أحرز حوالي 4.4.%، أي ما يعادل عشرة مقاعد في البرلمان السلوفاكي.

أي مثقفين نريد؟

ليس في هذا المقال رفضاً لنقد الأحزاب. بل على العكس تماماً. فما أحوج مجتمعنا وحراكنا السياسي والشعبي إلى النقد وإلى المثقفين. ولكن، أي نقد نريد؟ وأي مثقفين نقديين نحتاج؟

نريد مثقفاً ناقداً. ناقداً حقيقياً وناقداً شجاعاً. مثقفاً ينتقد بعقلانيّة. مثقفاً شجاعاً، ينتقد كل الأحزاب على برامجها وعلى خطواتها السياسية. نريد مثقفاً شجاعاً لا يضع جميع الأحزاب في نفس الخانة، حتى لا "يزعل" منه أحد.

نريد مثقفاً وطنياً. نريد مثقفين مختلفين بالرؤية والثقافة والأفكار، لكنهم متفقون على مرجعيتهم العربية الفلسطينيّة. نريد مثقفاً يبني أفكاره، مهما انغمس في الأكاديميا الإسرائيلية، على منهجية تحليل وطنيّة فلسطينية عربية. هل يعقل أن يقال في ورقة الرأي أن "رفع نسبة الحسم سوف تفرض على الجمهور العربيأان يوحّد صفوفه"؟ هل يعقل أن نطلب من اليمين الفاشي أن يفرض علينا وحدتنا؟ كل هذا في ظل تصريحات أعضاء الائتلاف الحكومي والّتي تلمّح بالنيّة لرفع النسبة مستقبلاً، مما يشير الى النوايا الحقيقية في التضييق على الأحزاب العربية؟

نريد مثقفاً عضوياً (بغض النظر عن أي تعريف للمصطلح نتبنّى). نريده مثقفاً متفاعلاً مع قضايا شعبه، يتخذ  مواقفَ مبدئية صريحة. وإذا ما تساءلنا عن دور المثقفين في إطار موضوع المقالة، من الجدير أن نسأل: لماذا لا تكون هنالك مبادرات من قبل أكاديميين عرب، ومن قبل قيادات أهليّة لتحويل هذه الرغبة الشعبية إلى مطلب شعبي؟ عرائض يوقع عليها الآلاف، مؤتمرات، ندوات وحتى التظاهر أمام مكاتب الأحزاب. يجب أن يصارح مؤيدو فكرة خوض الانتخابات في قائمة واحدة أنفسهم، بأنهم ينسون الفكرة مدّة أربع سنوات ويتذكرون أهمية الوحدة أسبوعين قبل تقديم قوائم المرشحين. الوحدة بحاجة لبناء ثقافة عمل مشتركة، وهذه تحتاج لعمل جاد وشاق على مدار الأربع سنوات.  

القائمة المشتركة كقرارٍ ذاتيٍ

ليس المذكور أعلاه معارضة للوحدة أو لفكرة القائمة المشتركة، بل معارضة لفرضها علينا أو طلب فرضها علينا. بل أعتقد أنه حان الوقت لتشكيلها، خصوصاً أنها باتت مطلباً جماهيرياً. وذلك أيضاً، على ضوء الاستطلاعات التي تظهر تأييدا كبيرا لها، وقد تؤدي إلى رفع التمثيل العربي في الكنيست إلى 16-17 مقعد. وأعتقد ان الفكرة، تستحق وضع الاختلافات (التي أكّدت على وجودها أعلاه) جانباً، ولو لدورة انتخابية واحدة، والانصياع لهذه الرغبة. ولكن، يجب ألا يعمينا التأييد لفكرة الوحدة من المخاطر الكارثية لفرضها علينا بقوة القانون. مثلاً خطورة عدم القدرة على التقييم والتقويم، لأنه قد تنتج حالة لا تمكّن الجمهور من تقييم أداء الأحزاب، لأن من لا يعجبه أداء الحزب (أ) لن يستطيع معاقبته والتصويت لحزب (ب). وقد يظهر فشل الوحدة وغلوب التكلّس عند بعض الأحزاب، فنحتاج إلى العودة للحالة السابقة، فلا نستطيع فعل ذلك. وقد يؤدي فرض الوحدة من قبل المؤسسة الإسرائيلية إلى انحسار قوة الأحزاب العربية فيصيبها ما أصاب "التحالف الهنغاري". سيناريوهات كثيرة خلاصتها أن الوحدة يجب أن تكون قرارا ذاتيا عربيا فلسطينيا إستراتيجيا يضع لها برنامجاً ومشروعاً نضالياً واضحاً.

التعليقات