17/04/2014 - 12:12

عن الانقسام....إنما بصراحة../ علي جرادات

بداية من المقطوع فيه أن من غير الممكن الفصل بين الانقسامات الفلسطينية الراهنة بأشكالها ومفاوضات اتفاق أوسلو بمرجعيتها ورعايتها ونتائجها. لكن هل الخلاف السياسي بين قيادتي "فتح" و"حماس" حول "اتفاق أوسلو" هو السبب، أو هل هو- على الأقل- السبب الوحيد أو الأساسي، للانقسام الأخطر في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية منذ انطلاق الطور المعاصر من الثورة الفلسطينية في أواسط ستينيات القرن الماضي؟! بات السؤال أعلاه ضرورياً لأن إنهاء هذا الانقسام مشروط بالتشخيص الدقيق للفعلي من أسبابه

عن الانقسام....إنما بصراحة../ علي جرادات

   بداية من المقطوع فيه أن من غير الممكن الفصل بين الانقسامات الفلسطينية الراهنة بأشكالها ومفاوضات اتفاق أوسلو بمرجعيتها ورعايتها ونتائجها. لكن هل الخلاف السياسي بين قيادتي "فتح" و"حماس" حول "اتفاق أوسلو" هو السبب، أو هل هو- على الأقل- السبب الوحيد أو الأساسي، للانقسام الأخطر في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية منذ انطلاق الطور المعاصر من الثورة الفلسطينية في أواسط ستينيات القرن الماضي؟! بات السؤال أعلاه ضرورياً لأن إنهاء هذا الانقسام مشروط بالتشخيص الدقيق للفعلي من أسبابه. وأكثر فقد صار البحث في هذا السؤال مشروعاً للأسباب-الحقائق- الأساسية التالية:

   أولاً: هذا الانقسام الذي وقع في حزيران 2007 لم يكن سوى النتيجة الأخطر والأشد ضرراً لفشل كل محاولات ضم "حماس" كأكبر حركات تيار "الإسلام السياسي الحزبي" في فلسطين، إلى الإطار الوطني الجامع، منظمة التحرير، بقيادة "فتح" كأكبر تنظيمات التيار الوطني في الساحة الفلسطينية. ما يعني أن خلاف "فتح" و"حماس" الذي تصاعد وصولاً إلى الانقسام الذي نتحدث عنه لم يبدأ من تاريخ توقيع اتفاق أوسلو، 1993، بل بدأ منذ تأسست "حماس" في كانون ثاني 1988، بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية الكبرى في كانون أول 1987، كانتفاضة وحدت الشعب الفلسطيني من أقصاه إلى أقصاه، بفصائله السياسية وقطاعاته المجتمعية وأجياله المختلفة، وفي أماكن تواجده كافة، وبصورة غير مسبوقة، لكنها، (الانتفاضة)،  مع ذلك، وبكل ذلك، ورغم ذلك، لم تفضِ لا إلى ضم "حماس" إلى إطار منظمة التحرير الفلسطينية، ولا إلى إطار ذراعها في الوطن "القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة"، حيث فشلت كل الحوارات والمحاولات التي بذلت آنذاك لتحقيق هذا الهدف، وكان لافتاً وذا مغزى ما قيل عن أن قيادة "حماس" طرحت في حوارات دارت في الخرطوم، 1989، الحصول على نسبة 40% من مقاعد المجلس الوطني شرطاً لانضمام الحركة لمنظمة التحرير الفلسطينية. وأكثر من ذلك، فقد شاركت "حماس" الرافضة لاتفاق أوسلو في العام 2006 في انتخابات "المجلس التشريعي" للسلطة، بل وشكلت حكومة لها بصورة منفردة أيضاً. 
     
   ثانياً: هذا الانقسام بخلفيته آنفة الذكر، وغير المسبوق في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، من حيث ما سبقه وصاحبه ونجم عنه من احتراب دموي، تحول بالنتيجة، بمعزل عن النوايا والمبررات، إلى انقسام سياسي- جغرافي بسلطتين تنفيذيتين ومؤسستيْن أمنيتيْن وأجندتين داخليتين لكل منهما تحالفاتها السياسية ومصادر تمويلها الخاصة بها على المستويين العربي والإقليمي.

   ثالثاً: هذا الانقسام تجاوز كل الخطوط الوطنية الحمراء التي يجب أن ينضبط لها أطراف كل خلاف فلسطيني سياسي داخلي، أيا كانت صدقية ضروراته وموجباته انطلاقاً من حقيقة أن التناقض الأساس في نهاية المطاف والحالات كافة يبقى، ويجب أن يبقى، بين الهوية الوطنية الجامعة والمشروع الصهيوني، وبين التطلعات التحررية واستباحات الاحتلال وسياساته العدوانية التوسعية الدائمة والمتصاعدة.

ثالثاً: هذا الانقسام بكل ما سبق ذكره حول تداعياته وتأثيراته السلبية الكارثية ومخاطره الوطنية الكبيرة لم تتركز حوارات طرفيه واتفاقاتهما لا على الأساس السياسي لإنهائه، ولا على السؤال الأساس: ماذا بالنسبة لتعاقد اتفاق أوسلو السياسي؟ إنما على حصة كل منهما من كعكة السلطة الفلسطينية لا بوصفها غاية بحد ذاتها إنما بوصفها أداة لتحديد الوزن في القرار الوطني العام.

   رابعاً: هذا الانقسام امتد أمده لنحو سبع سنوات حتى الآن، حيث فشلت كل الوساطات والاتفاقات بين طرفيه، وما أكثرها، في إنهائه وطي صفحته السوداء، بل لا يلوح في الأفق توافر إرادة سياسية جادة لإنهائه، فيما يعلم الجميع أنه بما أفضى إليه من إضعاف للعامل الوطني الفلسطيني يشكل ربحاً صافياً للاحتلال، بل هو، (علاوة على تخاذل حكام العرب وانشغالهم بقضاياهم وصراعاتهم الداخلية)، ما يشجع تمادي حكومة نتنياهو إلى درجة أن ينعش آمالها كحكومة استيطان ومستوطنين، في إمكان مستحيل تسليم الشعب الفلسطيني بجوهر أهداف المشروع الصهيوني: الاعتراف بإسرائيل "دولة للشعب اليهودي" كمطلب يعادل الاعتراف بالرواية الصهيونية للصراع، والشطب الرسمي لحق اللاجئين في العودة، وفتح الباب على طرد من تبقى على أرضه من فلسطينيي 48، والإقرار بشرعية ما تم مصادرته واستيطانه وتهويده من أراضي الضفة وقلبها القدس.

   إزاء الحقائق أعلاه أظن، وربما يظن كثيرون مثلي، أن خلفية حدوث هذا الانقسام، وكيفية حصوله،  وإطالة أمده، وإفشال تطبيق كل اتفاقات إنهائه، رغم وضوح مخاطر استمراره وجسامتها، تشي بأن أسبابه تتجاوز حدود الخلاف السياسي حول "اتفاق أوسلو" إلى، (إن نحن شئنا الصراحة)، التنازع على تمثيل الشعب الفلسطيني. ما يعني أننا أمام انقسام هو جزء من الانقسام الحاصل بين أحزاب وتنظيمات التيار الوطني العربي بألوانه، وحركات وأحزاب تيار "الإسلام السياسي الحزبي". أما اختزال أسباب هذا الانقسام في الخلاف السياسي حول اتفاق أوسلو ومفاوضاته، فأمر تفرضه مقتضيات الخصوصية الفلسطينية، وتتطلبه التغطية على التهرب من البحث في كل أسبابه، ومنها المخفية، ويحتاجه إخفاء غياب الإرادة السياسية الجادة لإنهائه، ويقتضيه الهروب من الاعتراف بحقيقة أن أعباء القضية الفلسطينية وتحديات الخروج من المأزق الوطني متعدد الأوجه والأبعاد، لا يقوى على حملها والتصدي لها حزب واحد.

   قصارى القول: تلك هي حقيقة هذا الانقسام أسباباً وخلفيات ونتائج وسبل حل. إذ حتى لو أننا الغينا عقلنا، وتجاوزنا كل ما سقناه من حقائق، وصدقنا بأن أسباب هذا الانقسام هي أسباب سياسية محضة، وتتعلق بالخلاف حول اتفاق أوسلو ليس إلا، فإننا نبقى أمام السؤال الموجع: إن كان الأمر على هذا النحو، إذاً لماذا لم يجر الالتزام بتطبيق بنود "وثيقة الأسرى" للوفاق الوطني التي صدرت ووقع عليها الجميع قبل عام من حدوث الانقسام، وكان من شأن تطبيقها أن يمنع حصوله، بل لا زالت تشكل أساساً سياسياً صالحا لإنهائه، وإعادة بناء المؤسسات السياسية القيادية على أسس وطنية وديمقراطية بالانتخاب الديمقراطي، إن أمكن، وبالتوافق إن تعذر؟! بل فيها، (وثيقة الأسرى)، ما يحل الخلاف حول موضوع المقاومة حيث أكدت على ضرورة عدم حصر المقاومة بأسلوب واحد مع إبقاء الباب مفتوحاً على تقديم هذا الأسلوب أو ذاك تبعاً لحاجات هذا الظرف السياسي أو ذاك، بحسبان أن خيار المقاومة الشعبية لا يعني المفاضلة بين أشكال النضال وأساليبه، وأن حصرها في النضال السلمي يفرغها من مضمونها الثوري على الأقل كما مثلته الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الكبرى التي أبدعت أشكالاً متميزة للمقاومة السلمية والعنيفة والجماهيرية والفصائلية والاقتصادية والسياسية والثقافية، فكان لها أن أربكت قادة إسرائيل وحيدت تفوق ترسانتهم العسكرية وتفوقت عليهم سياسياً وأخلاقيا ومعنوياً بصورة أذهلت العالم وأعطت دروساً ملهمة أكدت نجاعة الجمع بين أشكال المقاومة الشعبية وأساليبها وعلى عقم تجزئتها أو المفاضلة بينها. وبكلمات لئن كانت حكومة نتنياهو تبتز، برعاية أميركية، في موضوع الأسرى، فإن في وثيقتهم للوفاق الوطني ما يوفر المدخل الفعلي لإنهاء الانقسام والخروج من المأزق الوطني الفلسطيني العام. لكن هذا يقتضي أولاً وقبل أي شيء آخر المصارحة حول كل، وليس بعض، أسباب الانقسام، كشرط لا مناص منه للمصالحة. أما غير ذلك فلن يفضي إلا إلى استمرار الدوران حول صحن الانقسام، فيما المطلوب التغميس فيه. إذ هل يستطيع طبيب معالجة مرض معالجة شافية دون إجراء تشخيص دقيق لأسبابه؟! قطعاً كلا. فـ"تشخيص سبب المرض نصف علاجه".

التعليقات