23/04/2014 - 14:16

المجلس المركزي وسؤال المأزق الوطني الأساس../ علي جرادات

قصارى القول: المأزق الوطني بشقيه الخارجي والداخلي هو ما على المجلس المركزي البحث عن مدخل الخروج منه بناء على نتائج نهج مرحلة المفاوضات، وليس آخر جولاتها، فقط، فهل يفعل؟

المجلس المركزي وسؤال المأزق الوطني الأساس../ علي جرادات

  منظمة التحرير الفلسطينية تبقى الإطار الوطني الجامع، ذلك رغم مظاهر الشلل والتعطيل والاستخدام والترهل والتفكك والتجويف التي ما انفكت تفتك بمؤسساتها ودوائر وممثلياتها واتحاداتها وطرائق صنع قرارها منذ انتقال مركز القرار الوطني إلى السلطة الفلسطينية المنقسمة سياسة وجغرافيا وأمناً وإدارة وأجندة، والمقيدة بشروط "أوسلو" والتزاماته السياسية والاقتصادية والأمنية. لكن لماذا تبقى المنظمة، رغم كل ذلك، الإطار الوطني الجامع؟ بإيجاز شديد لأنها الشخصية القانونية المعترف بها، عربياً وإقليمياً ودولياً، كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، فيما واقعها الذي لا يسر إنما يوجب النضال لإصلاحها وإعادة بنائها لا التسليم بواقعها الذي يسر كثيرين، أولهم إسرائيل التي عملت، ولا تزال، على ألا يكون لشعبنا إطار سياسي جامع يجسد وحدته ويحفظها ويعبر عنها. والسؤال لماذا هذا الكلام الذي لا جديد فيه؟

صار يقيناً، وعلى الجميع الاعتراف، أن الشعب الفلسطيني يعيش مأزقاً معقداً متعدد الأوجه والأبعاد، يحتاج الخروج منه اتخاذ قرارات مصيرية، سواء لجهة تغيير خيار إدارة الصراع مع الاحتلال بعد وصول نهج المفاوضات مرجعيةً ورعايةً وشروطاً والتزامات ونتائجَ إلى طريق مسدود، أو لجهة ضرورة إنهاء الانقسام الوطني الداخلي الذي تحول إلى ديناميكية تفكيكية لوحدة الشعب والثقافة والطاقات والإمكانات والجهود والمرجعيات السياسية وأدوات الفعل الوطنية، أو لجهة استحقاقات تجديد شرعية المرجعيات الوطنية، أو لجهة تحديد أسلوب المقاومة الرئيس تبعاً لحاجات المرحلة الراهنة وتعقيداتها بعد إقرار الحق في ممارسة أشكالها وأساليبها كافة.

والمجلس المركزي الذي سينعقد مطلع الأسبوع القادم هو صاحب صلاحية الإجابة، (نيابة عن المجلس الوطني)، على سؤال المأزق الوطني وتحديد أولويات الشعب الفلسطيني التي بغير القبض على حلقتها المركزية: توحيد الإرادة الوطنية، يتعذر القبض على باقي حلقات سلسلتها. ما يعني أن على المجلس المركزي معالجة النهج الانقسامي الذي لم يفضِ إلا إلى تعميق مأزق إدارة الصراع مع الاحتلال وتغليب الفئوية السياسية على الهوية الوطنية، ولن يفضي استمراره إلا إلى المزيد من الأزمات، وإطالة أمد غياب الرؤية السياسية الوطنية، وتعميق انحرافات خطاب وممارسات عدم الانضباط لحقيقة أن التناقض الأساس هو بين الهوية الوطنية والمشروع الصهيوني، وأهداف الحرية والاستقلال والعودة وسياسات الاحتلال واستباحاته الشاملة الدائمة المتصاعدة. فحكومة المستوطنين التي يقودها نتنياهو، ككل حكومات إسرائيل منذ "مؤتمر مدريد" و"اتفاق أوسلو"، لا تبحث عن "حل وسط"  يجمد الصراع ويغير أشكاله لأجل يطول أو يقصر، بل إن كل ما تسعى إليه هو إبقاء التفاوض غطاء لمواصلة مصادرة الأرض واستيطانها وتهويدها والتنكيل بشعبنا وممارسة الضغوط لفرض شروط جديدة كالاعتراف بإسرائيل "دولة لليهود" الذي يفتح باب شطب حق العودة، والتطهير العرقي لفلسطينيي 48، والتسليم بشرعية وقائع الاستيطان والتهويد في الضفة وقلبها القدس، بل وتشترط إطلاق سراح الدفعة الرابعة من قدامى الأسرى المتفق عليها بفرض إملاءات في قضايا كبرى مثل استقطاع منطقة الأغوار، والاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الثلاث أو الأربع الكبرى، وتحويل جدار الفصل والتوسع، بما التهم من أراضٍ، إلى حدود سياسية معترف بها. ولا غرابة. إذ ألم يتوعد شامير غداة "مؤتمر مدريد للسلام"، 1991، بالقول "سأفاوض الفلسطينيين بلا نتيجة مدة عشرين عاماً"؟! ثم ألم يعلن رابين غداة بدء تطبيق "اتفاق أوسلو"، 1993، أن"لا مواعيد مقدسة"؟! ثم ألم يقل باراك في العام 2004: "إسرائيل إما أن تبقى دولة يهودية أو أن تصبح كومة نووية"؟! هذا فيما كان المرحوم حيدر عبد الشافي تنبأ بذلك كله بعد الجولة الثامنة للمفاوضات بالقول: ما دامت قاعدة المفاوضات هي "الأرض مقابل السلام فإن "علينا اشتراط استمرارها بتوقف إسرائيل عن مواصلة إجراءات مصادرة الأرض والاستيطان والتهويد". وها هو المجلس المركزي الذي أقر نيابة عن المجلس الوطني اتفاق أوسلو والتفاوض دون وقف الاستيطان، يقف بعد نحو ربع قرن من الزمان أمام السؤال ذاته: عبث التفاوض في ظل الاستيطان. ما يعني أن "المجلس" إنما يقف أمام استحقاق مراجعة سياسية شاملة لنتائج مرحلة المفاوضات، وليس لنتائج آخر جولاتها التي تنتهي في 29 نيسان الجاري، بل يقف أمام استحقاق مراجعة سياسية لنتائج نهج الانخراط في مشروع التسوية الأميركي الذي اختطه السادات بعد حرب العام 1973، وجرى تعميمه لاحقاً على جميع جبهات الصراع العربي الصهيوني، وجوهره القضية الفلسطينية. لماذا؟

   كل مطلع على الأبحاث التي تناولت مشاريع تسوية الصراع العربي الصهيوني يلحظ التالي:

في الفترة الممتدة بين النكبة، 1948، والهزيمة، 1967، ظل القرار الدولي 194 القاضي بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض، المحور الأساس لمشاريع البحث عن "تسوية" لهذا الصراع. هذا بينما حل في الفترة الممتدة بين الهزيمة و حرب 1973 قرار مجلس الأمن 242 محل القرار 194 كمحور لمشاريع التسوية. وبإبرام السادات لصفقة كامب ديفيد، 1978، انفتح الباب واسعاً أمام مشروع التسوية الأميركي القائم على التفاوض الثنائي المباشر تحت الرعاية الأميركية لاسترداد "دول الطوق" لأراضيها وفقاً للقرار 242 مقابل الاعتراف بإسرائيل دولة آمنة إلى جانب "حكم ذاتي فلسطيني" "يتطور" إلى "دولة" عبر التفاوض بين إسرائيل ووفد دولة أو دول عربية يضم ممثلين عن فلسطينيي الضفة وغزة. وبرفض منظمة التحرير الفلسطينية كجزء من "جبهة الصمود والتصدي" العربية لصفقة السادات تعطل مسار المشروع الأميركي- الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية باسم تسويتها، لكن قادة إسرائيل، بدعم أميركي، لم يستسلموا، بل اتكأوا على خلل ميزان القوى الإستراتيجي الذي أحدثته صفقة إخراج مصر من الصراع، وأعلنوا قرار ضم الجولان، وشنوا، (وهنا الأهم)، عدوانيْ 1978 و1981 على لبنان تمهيداً لحربهم الأوسع عليه في العام 1982. وبالنتيجة زاد ميزان القوى اختلالاً على اختلال حيث تم إبعاد قوات المقاومة الفلسطينية، بعد صمود أسطوري، عن الحدود العربية الوحيدة المتاح للفلسطينيين القتال عبرها.

لكن، ولما كانت المقاومة الفلسطينية حاجة يمليها الاحتلال الاستيطاني الإحلالي المتغطرس، بما يرتكبه من تطهير عرقي مخطط، وجرائم حرب موصوفة، فقد كان من الطبيعي اندلاع انتفاضة، (1987-1993)، كمبادرة شعبية هجومية غير مسبوقة أحدثت تعديلاً نسبياً في ميزان القوى كان بمقدوره مع تقدم الانتفاضة وتطويرها استقدام "حماية دولية مؤقتة" لفلسطينيي 67 تمهد، تقدم الأمر أو تأخر، لانتزاع الدولة أحد أهداف البرنامج المرحلي (الدولة والعودة وتقرير المصير)، من دون مقابلة أو مقايضة بين هذه الأهداف، لكن الاستثمار السياسي المتسرع للانتفاضة لتحقيق هذا الهدف قبل انقضاء عامها الأول، 1988، ومن بوابة الاعتراف بقرار 242، حمَّل تعديل ميزان القوى الحاصل أكثر مما يحتمل، وأعطى إسرائيل وحليفها الأميركي الإستراتيجي فرصة استعادة زمام المبادرة لإجهاض الانجازات الميدانية للانتفاضة مثلما تم إجهاض الانتصار الميداني لحرب أكتوبر 1973، إنما بصورة أسوأ، أي من دون انسحاب كامل من الضفة وغزة.

وزاد الأمر سوءاً على سوء أن الولايات المتحدة حليف إسرائيل الإستراتيجي المتحولة لتوها إلى شرطي العالم المطاع بعد انهيار القطب السوفييتي، والعدوان الثلاثيني على العراق، 1991، نجحت في احتكار رعاية مفاوضات مدريد وأوسلو لمدة نحو ربع قرن من الزمان لم تفضِ إلا إلى ما سيقف أمامه المجلس المركزي من مأزق يصعب تصور الخروج منه من دون استعادة الربط بين التكتيكي والمرحلي، وبين المرحلي والإستراتيجي، ومن دون تخليص ملف القضية الفلسطينية من قبضة الولايات المتحدة، وإعادته إلى إطار هيئة الأمم ومرجعية قراراتها كافة، والمطالبة بإلزام إسرائيل بتنفيذها لا التفاوض عليها، دون أن ننسى أن الولايات المتحدة لم تعد سيد العالم بلا منازع، وأن أصدقاء شعبنا في العالم، وفي مجلس الأمن خصوصاً، لا يستطيعون المساعدة ما دامت قيادة المنظمة تقبل باحتكار الولايات المتحدة حليف إسرائيل لملف الصراع.

قصارى القول: المأزق الوطني بشقيه الخارجي والداخلي هو ما على المجلس المركزي البحث عن مدخل الخروج منه بناء على نتائج نهج مرحلة المفاوضات، وليس آخر جولاتها، فقط، فهل يفعل؟                         
      
 

التعليقات