26/04/2014 - 17:13

التجمع و"الدولتين" و"تقرير المصير": حول الفروقات مع الحزب الشيوعي/ خالد عنبتاوي

نشرت صحيفة "الاتحاد" قبل أسبوعين مقالة للسيّد هشام نفّاع تحت عنوان: "التجمّع وحل الدولتيّن وحق تقرير المصير لليهود "، "يبشّر" "ويكشف" من خلالها ما هو "مخفيّ سرا" في التجمع عن كوادره وهو تأييد حل الدولتيّن وحق الشعب اليهودي في تقرير مصيره، ويذهب الكاتب الى اقتباس عدد من قيادات التجمع تؤكد هذا "السر" ليخلُص بعدها الكاتب الى فكرةٍ مفادها أن جزءً أساسيًا من البرنامج السياسي لحزب التجمع، مطابق تمامًا وحرفيًا تقريبًا لما يطرحه الحزب الشيوعي (ومن بعده الجبهة) منذ أكثر من 40 عامًا".

التجمع و

نشرت صحيفة "الاتحاد" قبل أسبوعين مقالة للسيّد هشام نفّاع (وفي صحيفة الأخبار لاحقا) تحت عنوان: "التجمّع وحل الدولتيّن وحق تقرير المصير لليهود "، "يبشّر"  "ويكشف" من خلالها ما هو "مخفيّ سرا" في التجمع عن كوادره وهو تأييد حل الدولتيّن وحق الشعب اليهودي في تقرير مصيره، ويذهب الكاتب إلى اقتباس عدد من قيادات التجمع تؤكد هذا "السر" ليخلُص بعدها الكاتب إلى فكرةٍ مفادها أن جزءً أساسيًا من البرنامج السياسي لحزب التجمع، مطابق تمامًا وحرفيًا تقريبًا لما يطرحه الحزب الشيوعي (ومن بعده الجبهة) منذ أكثر من 40 عامًا".

اعتراض بنيوي على الطرح

قبل الولوج في بواطن الأمور وتبيانها لا بد وأن أسجل اعتراضي الأساسي والبنيوي على ثلاثة منطلقات أو أسس مخطئة اعتمدها المقال في تسويغ ادعاءاته: أولاً، الاستنتاج  المسبق أن ثمّة هوّة وبَون شاسعان بين كوادر التجمع وبين منطلقات حزبهم الفكريّة وذلك لمجرد سماع بعض الرفاق يتحدثون بأفكار قد تظهر وكأنها مخالفة لهذه المنطلقات، هذا اذا سلمّنا أصلا أنها مخالفة. ثانيًا، التركيز والاعتماد الأساسي على تصريحات قصيرة لقيادة الحزب أو بعضهم كملخّص مختزل لمنطلقات التجمع الفكرية بخصوص حق تقرير المصير للشعب اليهودي، خصوصًا وأن قسمًا من هذه التصريحات أمام "لجنة فحص شرعيّة" ليست أجواؤها ببعيدة كثيراً عن أجواء تحقيقات المخابرات التي تُمطر بالأسئلة ولا تنتظر الأجوبة واشكاليّة اعتمادها كمصدر أساسي لتبيان الرؤى الفكريّة، فغالبًا ما تكون منقوصة أو يتم التشديد على قسم منها دون الآخر. فهل يمكن مثلاً أن اعتمد على ما ينسب للمرحوم توفيق طوبي حول رفضه إعفاء العرب من التجنيد عام 1950 بحجة التمييز واسحبه على موقف الحزب الشيوعي من التجنيد، بالقطع لا.

للتجمّع منطلقات فكرية ومرجعيّة أساسية لا يخجل بها هي أدبياته المتمثلة بالبرنامج السياسي الرسمي المتاح أمام الجميع، ولقرارات مؤتمراته المختلفة التي نشرت بعضها في كتب تعكس الرؤية الفكرية للحزب كـ"بيان قومي ديمقراطي" وجزء من "الخطاب السياسي المبتور" للدكتور عزمي بشارة، وهي بطبيعة الحال أشمل وأوضح من تصريحات قيلت أمام لجنة محاكمة عنصرية. ثالثًا، اجتزاء البرنامج السياسي للتجمّع الوطني الديمقراطي ببنود عينية دون غيرها، واعتبار ذلك بمثابة الدليل القاطع والحاسم لخلاصة المقال وهي " التطابق التام والحرفي" لهذه البنود وبرنامج الحزب الشيوعي الإسرائيلي. 

إن كثرة التركيز والتدقيق في التفاصيل قد تنسي القارئ أحيانًا السياق العام لها، فالتدقيق المفرط بالأشجار قد تُغفل عن الأعين رؤية الغابة الكاملة، لذا لن أتطرق هنا للتصريحات المذكورة وأتوقف عندها فحسب فذلك، وإن كان أيسر لي، فهو ليس الأساس كما أني لن اتطرق لمجمل الفروقات في المنطلقات الفكرية بين التجمع والحزب الشيوعي ( قد يكون ذلك مفيداً لاحقًا)، لكنه يطول، بل سأركز على الفكرتين التي طرحها السيد نفاع في مقالته، وهي مسألة "الدولتين" و"حق الشعب اليهودي في تقرير مصيره" لأبيّن أين يقف التجمع أمامها خلافاً للحزب الشيوعي الاسرائيلي وليس تطابقا كما خلص إليه المقال.

الواقعيّة النقدية في مقابل الواقعيّة التبريريّة

لتبيان ذلك، لا بد من التوقف عند فرقيّن أساسيّين بنيويين تميّز بهما فكر "التجمع"، الأول، وإن كان يملك التجمع رؤية فكرية واضحة، لكنه حزب دينامي نقدي ليست بحوزته روشيتات جاهزة يستقيها من أيديولوجية شاملة ويسقطها على الواقع المركّب كواقع الفلسطينيين في الداخل مثلاً، والآخر أن التجمع ميّز بين فكرة "الواقعيّة النقديّة" في مقابل "الواقعيّة التبريرية". فالنقدية، وإن كانت لا تقوم على إدارة الظهر للواقع مهما بلغت تركيبته، ولكنها تتعامل معه كمعطى وتسعى إلى تغييره لا إلى تكريسه، كما في الواقعية التبريرية والتي تحوّل الواقع أو الأمر الواقع إلى مبدأ فكري.

هنا يظهر الفرق جلياً، مثلاً، بين الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود كحق شرعي منذ أربيعينيات القرن الماضي، كما رآها الحزب الشيوعي وكما بيّن ذلك في مؤتمراته، لا سيما السابع عشر فجاء فيه: "إن حزبنا يرفض مواقف عناصر فلسطينية معينة ترفض حتى الآن حق وجود دولة إسرائيل"، وبين الاعتراف بوجود إسرائيل والواقع الذي أفرز بعدها وضرورة التعامل معه من وجه نظر التجمع.

الموقع والموقف

إن أية محاولة لقراءة خلاف ما، تضطرنا أولاً إلى السؤال عن الموقع وليس عن الموقف فحسب، فقد يتلاقى طرفان في مواقف معينة ولكنهما قد يتضادان في التموّضع الخاص لكل منهما، وعليه لا يمكن الحكم على التشابه أو الاختلاف من باب عرض المواقف وحدها. وقد موضع الحزب الشيوعي الإسرائيلي نفسه تاريخيّا كجزء أساسي من الكيان السياسي الحزبي الإسرائيلي إبان النكبة وقد ورد هذا في مسميات مختلفة وفي قاموس الحزب السياسي كما تظهر في مؤتمراته السابقة ( حتى منتصف السبعينيات على الأقل) كالحديث عن:  "الوطنيّة الاسرائيلية" و"مصالح شعب إسرائيل القومية"، إضافةً إلى ترجمة ذلك في عدد من المواقف والخطايا بدءًا من الموافقة على قرار التقسيم المجحف ( الذي رفضته عصبة التحرر وقبلته بعد خطاب مندوب الاتحاد السوفيتي غروميكو في الأمم المتحدة الذي أيد فيه القرار وشرعيته) وتوقيع الحزب على وثيقة " استقلال إسرائيل" منذ اليوم الأول وتصويت مندوبو الحزب في الكنيست إلى جانب قانون "حق عودة" اليهود إلى البلاد".

وللتوسع في هذه المواقف وغيرها التي عبّرت عن تموضع الحزب، يمكن مراجعة مقالة شاملة  للدكتور أحمد سعدي تحت عنوان "مداخلة في مؤتمر لندن حول الشيوعية والصهيونية". لا أريد العودة لمنطلقات وذلك وأسبابه، إذ أعتقد أن ارتباط الحزب بالاتحاد السوفيتي ومصالحه آنذاك أبرزها، لكن هذا لا يلغي المسيرة الكفاحية للحزب ضد سياسة التمييز العنصري الإسرائيلي وفي مناهضة الاحتلال، وقد يقول أحدهم إن الحزب الشيوعي يمر حالة تغيير مختلفة عما كان، إلا أن أحداً لم يطلعنا على هذه المراجعة وإسقاطاتها إن تمت.

في المقابل، لا يرى التجمع نفسه في هذا الموقع، كجزء من الكيان السياسي الحزبي الإسرائيلي، بل كامتداد للتيار القومي في الداخل الفلسطيني خصوصًا، والعروبي عمومًا، دون اغفال معنى عمله ضمن المواطنة الإسرائيلية والكيان الإسرائيلي وتأثير ذلك على تشكل رؤيته الفكرية كواقع مُفرَز.

حل الدولتين والدولة الواحدة

في العودة إلى المقالة المذكورة ولموقف التجمع من حل الدولتين والدولة الواحدة: كما أسلفت سابقًا، فالتجمع لا يستصدر أحكامه من معلبات فكرية جاهزة، بل من قراءة تحليلية للواقع برؤى فكرية واضحة، عليه قد تجد الكثير من القضايا التي يتباين التجمع في تحليلها والموقف منها وهذه ميزة تحسب له لا عليه كما يدعّي البعض.

لم يخفِ التجمع قط تبنيّه الحل المرحلي الرامي إلى إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة إلى جانب دولة لجميع مواطنيها في الداخل كمشروع سياسي يفكّك بينة النظام العنصري والكولنيالي ( للتذكير كان الحل المرحلي يلقى شبه اجماع بين الفصائل والحركات الفلسطينيّة، بيسارها ويمينها، حتى أن حركة أبناء البلد قد أيدت ذلك في برنامجها السياسي المنشور في كتاب الحركة: مواقف ومنطلقات المنشور عام 1989 دون أن تتنازل عن فكرة الحل النهائي).

وقد ابق التجمع باب الاجتهاد مفتوحا في هذا المجال، ولم يغلق النقاش حوله ولم يحوّله إلى مبدأ عدمي، وهو بذلك لا يخفي نقاشاته الداخليّة في هذا الصدد فقد تطرق د. عزمي بشارة في "بيان قومي ديمقراطي"،  وهو من مرجعيات الحزب الأساسيّة وقد أقره المؤتمر الرابع للتجمع، إلى امكانيّة التحول للمطالبة بدولة واحدة ديمقراطية، إذ كتب: "قد تتحول القضية الفلسطينية برمتها إلى قضية ديمقراطية إذا فشلت مساعي إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على الأرض. وفي حالة فشل مشروع الدولة كاملة السيادة يعود المشروع الوطني الفلسطيني ليتلاءم مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية القائمة في فلسطين، وهي ظروف وجود قوميتين متداخلتين - عندما يتم أدراك هذا الواقع يتحول الصراع ضد الابارتهايد إلى صراع من أجل الدولة ثنائية القومية". تبعها سلسلة مقالات للأمين العام للتجمع، عوض عبد الفتاح، ومادة مفصّلة قدمها للجنة المركزيّة للتجمع عام 2009 لمناقشة حل الدولة الواحدة، وصولاً لنشر كتاب له حول الموضوع تحت عنوان "مأزق التسوية وآفاق الدولة الواحدة"، أكد فيه: "جاء المبادرون لاقامة التجمع من مشارب مختلفة، هناك من كان يحمل حل الدولة المرحلية وهناك من حمل مشروع الدولة الواحدة، في اطار هذا الفهم الخلاق لمستلزمات النضال، أعلن حزب التجمع وفي مؤتمره الرابع بفتح النقاش حول الدولة الواحدة". 

لم ينفك التجمع عن مناقشة ذلك في كل مؤتمراته وأيامه الدراسيّة لغاية اللحظة، ولا تخشى بعض كوادره ( وأنا منها) التعبير علنًا وفي كل مناسبة عن إيمانهم بهذا الطرح دون خجل أو مواربة، بل بإصرار على طرحه داخليا.

من جانبه، طرح الحزب الشيوعي فكرة "دولتين لشعبين" كمبدأ وليس كحل مرحلي وكتعبير مبدئي عن تحقيق العدالة القومية للشعبين في فلسطين، بل وعبّر عن هجومه  لطرح "الدولة الواحدة" في أكثر من مناسبة ومؤتمر بمسوغات مختلفة، إذ جاء في قرارات المؤتمر السابع عشر: "إنّ مشروعًا كهذا- أي الدولة الواحدة، ليس صحيحًا والقضية المطروحة ليست: قيام أو عدم قيام دولة اسرائيل، إن قيامها حقيقة معترف بها.....إن المشروع القائم على القضاء على دولة اسرائيل غير عادل وغير واقعي فحسب، بل معناه الحل من خلال الحرب". وعاد وأكد الرفض لأسباب أخرى في المؤتمر الخامس والعشرين.

مبدأ "الدولتين لشعبين" يختلف كليًا عن طرح الدولتين الذي يتبناه التجمع لغاية الآن، حتى لو اتفق الاثنين على طرح "الدولتين"ـ فلا يمكن الهروب من السؤال الأساسي والجوهري:  أي دولتين وما جوهرها وطابعها؟ وهل يستوي عند البعض شعار ومبدأ "دولتين لشعبين" كتحرر قومي لشعبين: يهودي - إسرائيلي وعربي مع طرح دولة لجميع مواطنيها تفكك البنية الكولونيالية للدولة وتقضي على هيمنة الصهيونية بها؟!  

المساواة كمشروع لا كموقف

إن تبني مبدأ "دولتين لشعبين" يعني التسليم، ولو شعارتيا، بالجوهر القومي لإسرائيل وعدم مقارعته مباشرا، فالمبدأ يعني اقامة دولتين واحدة للشعب العربي الفلسطيني وأخرى لليهودي الإسرائيلي، ودولة للشعب اليهودي الاسرائيلي تختلف كليا عن دولة لجميع مواطنيها تضمن الحقوق الجماعية للجميع بما فيهم المجموعة اليهوديّة لكن لا تحوّل هذا الحق الى جوهر الدولة ليهميّن عليها. حتى وان طالب الحزب الشيوعي، عن حق وصدق، بمساواة العرب كامننلة داخل دولة اسرائيل فلا يمكن لهذا الشعار الذي لا اشك بنضال الحزب من أجله، أن يتواءم، جدليا، ومبدأ "الدولتين لشعبين"،  فالمساواة ليست موقفا فحسب، وليست البراعة عموما في تبني المواقف، انما في بناء المشاريع التي تعبر عن الموقف، ولن يكتمل شعار المساواة الا اذا عرّف تعريفا ايجابيا أي  اذا ترجم في مشروع سياسي يقوم فيما يقوم بالأساس على نسف جوهر الدولة القومي العنصري  كمشروع "دولة جميع المواطنين" الذي يطرحه التجمع كمشروع اعتراضي عملي يقضي على الصهيونية وينسف جوهر الدولة ويطرح السؤال حول علاقة الدين بالدولة، وكترجمة عملية للدمج  بين الديمقراطي والقومي أي لفكرة عدم فصل المسألة القومية عن مسألة المساواة بل بتكاملهما وهنا كان التأكيد على طرح "الحكم الذاتي الثقافي" الذي يطرحه التجمع وحده بين الأحزاب اضافة لضرورة انتخاب مؤسسات قومية وطنية للمجتمع العربي بشكل مباشر.

حق تقرير المصير للشعب اليهودي

في عودة مجددا للنقطة الأخرى التي طرحها السيد نفاع وهي اعتراف "التجمع" وتأييده لحق الشعب اليهودي بتقرير مصيره، فيقول الكاتب: "وإذا عرفنا أن التجسيد السياسي لحق تقرير المصير لمجموعٍ بشريّ ما...هو الاعتراف بحق ذلك المجموع في كيان سياسي، فلا شك أن هناك تناقضًا صارخًا بين ادعاء رفض حل الدولتين من جهة وبين قبول تقرير المصير للمجموع اليهودي من جهة أخرى. كذلك، إن قبول حق تقرير المصير لليهود (في اسرائيل) والمطالبة بحق تقرير المصير للفلسطينيين (في المناطق المحتلة 1967)، هو التجسيد البسيط لمبدأ: دولتان لشعبين".

يقع هذا الطرح في خطأ أساسي- بنيوي من خلال اعتبار إقامة الدولة ذات الجوهر القومي كالتجسيد الوحيد لمبدأ حق تقرير المصير فبالتالي، من وجه نظر الكاتب، لا يمكن قبول هذا الحق الا من خلال تبني نموذج الدولتين او بكلمات اخرى هناك تناقض بين رفض حل الدولتين وبين قبول مبدأ حق تقرير المصير لليهود، بيد أنه في الواقع يكمن التعبير عن مصير الجماعات في أشكال متعددة ومختلفة، فهل تنتقص، مثلا،  الدولة الواحدة العلمانية ذات الجوهر الديمقراطي او ثنائية القومية كتفكيك للمشروع الكولنيالي من مبدأ حق تقرير المصير لجميع مواطنيها عربا ويهودا؟! 

قبل أن يغرقنا التحليل وتفاصيله لا بد من تسليط الضوء على أهمية أخذ السياق التاريخي واللحظي بعين الاعتبار فلا يمكن اسقاط موقف اللحظة على الموقف التاريخي مثلا في الأربيعنيات كالموقف من حق تقرير المصير للشعب اليهودي أو الدولتين من هنا لا يمكن اعتبار تصريح النائبة حنين زعبي أو د. عزمي بشارة وجمال زحالقة  بايمانهم بحق تقرير مصير للمجموع اليهودي الذي نشأ هنا – كما شددت زعبي، كمبدأ مماثل ومطابق لمن اعتبر الدولة في لحظاتها الاولى تعبير شرعي عن تقرير مصير الاستيطان الصهيوني آنذاك، كما المح المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي حيث جاء فيه: " في سنة 1948 مارس الشعب الاسرائيلي حقوقه القومية، أما الشعب العربي الفلسطيني فقد حرم منها". وعاد وأكد هذا التوجه النائب دوف حنين في مقالته بمناسبة مرور 90 عام على الشيوعية في البلاد حيث قال: " حرب 1948 انتهت اذا بتحقيق حق المصير للشعب اليهودي الاسرائيلي ، بينما تحول الشعب الفلسطيني بمعظمهة الى لاجئين ومهجرين".

لا بد من التوقف عند الفارق الأساسي في هذا الصدد بين التجمع والحزب الشيوعي، وهو يعود بالأساس لتحليل الوجود اليهودي في فلسطين، المتمثل برفض "التجمع" اعطاء الشرعية التاريخية والأخلاقيّة لحق اسرائيل في الوجود كدولة للشعب اليهودي، هذا لا ينفي أنه (أي التجمع) يعترف بالواقع الذي فرض اليوم وهو وجود مجموع يهودي ذي خاصية ثقافية وقومية وضرورة التعامل مع هذا الواقع بنقدية من وجه نظر "التجمع"، بيد أن الحزب الشيوعي تعامل منذ اللحظة الاولى مع الدولة كتعبير عادل عن حق الشعب اليهودي في تقرير مصيره عملا بمبدأ الدولتين لشعبين بالتوقيع على وثيقة استقلالها وبالتصويت الى جانب "حق العودة لليهود" وبرفض الدعوة الى الغاء سيادتها وغيرها من الأمور التي أوردتها سابقا ودعمتها بالمراجع (كما هو مبيّن). لقد كان تصريح النائبة حنين زعبي ترجمة دقيقة لهذا الاختلاف حين قالت: إننا نؤمن بتقرير المصير للمجموع اليهودي الذي نشأ هنا، ولديه خصائص ثقافية متميزة ولغة وهوية". كما أن تصريح د. بشارة الذي يذكره الكاتب جاء بعد طرح شامل للفرق بين طابع الدولة وجوهرها، الطابع المتمثل بلغتها الرسمية وبأغلبية سكانها وهو ان كان يعترف بهذا كنائب في البرلمان لا يعني هذا مطلقا اسباغ الشرعية التاريخية لنفس الواقع، كما أوضح في مقابلة له لصحيفة "واي نت" مباشرة بعد الجلسة، ولا يناقض تصريح النائب زحالقة حول حق تقرير المصير للشعب اليهودي، بحد ذاته، رؤية التجمع الفكرية بشيء كما أوضحت.

نزع الشرعيّة عن "التجمع"

لقد كانت هذه الرؤية أساس محاولات شطب التجمع الوطني الديمقراطي في كل الدورات التي خاض فيها الانتخابات (باستثناء الاولى) بعد أن شخصتها المؤسسة كتهديد أساسي وجوهري لبنيتها الكولونيالية وشرعيتها وعليها يحاسب "التجمع" ويُشطب، وهو الحزب الوحيد الذي يتعرض للشطب جراء اطروحاته، فهل المؤسسة قادرة على تشخيص الفروقات الجوهرية أكثر من البعض؟!

ختامًا لا بد في من تسجيل اشادة، ولو على المستوى المبدئي، بفتح نقاش حول الفكر والطرح من قبل السيّد نفاع علّ هذا يساعد في رصف مسار نقاش جدي بين الأطروحات الحزبيّة المختلفة بصورة شجاعة وشرعيّة بعيدا عن نظريات المؤامرة والمزايدة الشخصية التي أُغرِقنا فيها خلال السنوات الأخيرة.


هوامش:

 المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي الاسرائيلي، قرارات المؤتمر ص 70.

 المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي الاسرائيلي ص 56، 96.

  HYPERLINK "http://www.arabs48.com/?mod=articles&ID=69448" http://www.arabs48.com/?mod=articles&ID=69448

 كتاب "حركة أبناء البلد مواقف ومنطلقات" ص 12.

 بيان قومي ديمقراطي، ص 41.

 مأزق التسوية وافاق الدولة الواحدة، ص 7،9،10.

 المؤتمر السابع عشرللحزب الشيوعي الاسرائيلي ص 168.

 المؤتمر الخامس والعشرين للحزب الشيوعي الاسرائيلي ص 14.

 المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي الاسرائيلي ص 163.

 دوف حنين: 90 عاما على الحركة الشيوعية في البلاد: مواقف حزبنا الشيوعي الاسرائيلي في امتحان التاريخ.

التعليقات