10/05/2014 - 11:47

مجازر الإنسانيّة: هل من عِبر؟../ رامي صايغ

في شهر نيسان من السنة القادمة سيحيي الأرمن أينما تواجدوا الذكرى المئويّة لهذه المجازر البشعة، ونحن كفلسطينيين يجب علينا أن لا نقف مكتوفي الأيادي، رغم ظروف حياتنا الشائكة

مجازر الإنسانيّة: هل من عِبر؟../ رامي صايغ

العديد منّا درس في حصص التاريخ عن الحروبات والأزمات المتعدّدة بين بني البشر منذ بداية البشريّة وحتـّى أيّامنا هذه، ودرس عن الإفرازات التي نتجت عنها وأفظعها المجازر بحق "الطرف الثانيّ" أو "الأعداء" أو "الخون". ولكن، هل استطاعت البشريّة عبر العصور أن تستنتج من هذه الجرائم استنتاجًا إنسانيًّا أو استطاعت أن تحارب العدوانيّة والظلم والبطش والعنصريّة العصريّة ألا وهي الفاشيّة الشيطانيّة؟

من الصعب أن نجيب على هذه الأسئلة بالإيجاب، لأنّنا جميعًا نرى حتـّى في أيّامنا هذه، الفظائع التي تُرتكب في كل أنحاء العالم بحق البشريّة، بغض النظر عن سبب النزاع.

صحيح أنَّ الفرد لا يستطيع أن يصحّح العالم بأجمعه ولا حتـّى الجماعة، ولكن من المفروض على الجماعات أن تتّخذ قرارات وتنفّذها بكل ما يخص هذا الموضوع، ألا وهو بناء عالم إنسانيّ حقيقيّ، بعيدًا عن النزاعات والخصومات والحروبات والإبادات الجماعيّة، والمسؤوليّة الأكبر تقع هنا على عاتق القيادات.

كوننا فلسطينيّين يجعلنا في مركز هذه القضيّة الشائكة، وذلك بسبب النكبة التي حلّت علينا عام 1948 والتي راح ضحيّتها الآلاف من النساء والرجال والأطفال والشيوخ، ومنذ تلك اللحظة تشتّت مئات الآلاف في بقاع العالم، ومُنع منهم بالقوّة العودة إلى قراهم ومدنهم، ومن بقي في بلاده، أصبح في وهلة لاجئـًا في وطنه، غريبًا ومعزولاً عن عالمه العربيّ.

ولكن، مثلما الجميع يعلم، لسنا الوحيدين في هذا العالم، والتاريخ يشهد أنَّ العديد من الشعوب مرَّ بنكبات مختلفة عن النكبة الفلسطينيّة، ورغم مرور السنين، لم تنسَ هي الأخرى ما حصل، ولا بدَّ هنا أن أذكر نكبة الأرمن أو ذكرى مذبحة الأرمن التي حصلت قبل 99 عاما.

لا أود في هذا المقال أن أخفـّف من قساوة نكبتنا الفلسطينيّة أو أن أقارنها مع نكبات باقي الشعوب، إنّما أود تسليط الضوء على التقاعس الإنسانيّ بكل ما يخض بالأحداث التراجيديّة التي تحصل للآخر!

نحن شعبٌ مررنا وما زلنا نمرّ بحالات عصيبة ولاسيّما في الفترة الأخيرة، بحيث تستمرّ العنصريّة الصهيونيّة الفاشيّة وهيمنتها ومحاولة طمس تاريخنا وتراثنا وهوّيتنا من خلال سياسات متعدّدة وأبرزها سياسة "فرّق تسد" وذلك لزرع الفتنة بين العرب، وأسوأ من ذلك ألا وهو زرع الجواسيس والعملاء والمتعاونين في مجتمعنا الفلسطينيّ المنكوب وتشجيعهم ودعمهم من قِبل الدولة.

نعم، التقاعس الإنسانيّ الذي حصل ويحصل بحق كل ضحيّة كانت عبر التاريخ (على الأقلّ الحديث) هو خطأ بحد ذاته. فهنالك تقاعس من قبل عدّة دول بخصوص النكبة الفلسطينيّة وأسوأ من ذلك يحصل وهو إنكار النكبة أو تجاهلها والتعامل مع قيام دولة الصهاينة كأنه أمرٌ مفهومٌ ضمنًا للبشريّة..

يجب علينا كشعبٍ منكوبٍ، ما زال على قيد الحياة رغم النكبة، أن يتعاطف أيضًا مع باقي الشعوب التي انتكبت قبل وبعد نكبتنا، ولو على الأقلّ من "باب الإنسانيّة" وأخص بالذكر مرّة أخرى المجزرة الأرمنيّة التي راح ضحيّتها مليون ونصف المليون أرمنيّ من سكّان الدولة العثمانيّة والمناطق المجاورة لها (على سبيل المثال، في عام 1917 عندما انهارت الامبراطوريّة الروسيّة، دخل الجيش العثمانيّ لمنطقو القوقاز وحاصر مدنًا عديدة لمجرّد وجود الأرمن فيها وسمح للشعب التتاريّ بقتل مئة ألف أرمينيًّا).

لم نجد للأسف الشديد أي تعامل أو تعاون بين الطرفان الفلسطينيّ والأرمنيّ، وبدلاً من ذلك نرى الصهاينة بكل خباثة يستغلّون قضيّة الأرمن لصالحهم، وكأنّهم لم يرتكبوا جريمة نكراء بحق الفلسطينيين قبل وأثناء وبعد عام 1948، ونرى أيضًا دول أخرى تتعامل بنفس التعاملّ مع الأرمن وتتجاهل النكبة الفلسطينيّة.

كوننا ضحيّة لا يجعلنا أصحاب امتياز عن غيرنا من الضحايا، لأنّنا لا بدّ أن نتعامل مع المجزرة الأرمنيّة بموضوعيّة وصِدق وإنسانيّة، فتعاطف الضحيّة مع الضحيّة هو المنطق السليم وعدم التجاوب مع هذه القضيّة هو بمثابة إنكار الجرائم العثمانيّة بحقّ الأرمن، الجرائم التي يجب على كلّ إنسان حرّ أن يذكرها، لا بلّ التعامل معها بجديّة وعدم تجاهلها، لأنَّ السفّاح مهما مرّ الزمن عليه، إذا لم يتمّ الضغط عليه ومقاومته ومطالبته بالاعتذار، صهيونيًا كان أم عثمانيّا أم أوروبيًا، ستبقى البشريّة تحت رحمته وسيتمّ تغطية جرائمه وكأنها كانت صدفة مؤسفة فقط لا غير.

لكي لا نعطي مبرّرات للعنصريّة والفاشيّة، يجب علينا محاربتها كأفراد وجماعات ومجموعات ومؤسّسات ودول، وأن لا نميّز بين الضحايا، لأنَّ الضحايا أينما تواجدوا، عانوا من القتل والبطش والعنف إذا كان في جنوب أفريقيا أم وسطها أم شمالها أم في فلسطين أم في الدولة العثمانيّة أم في أوروبا وغيرها من بقاع العالم.

أخيرًا وليس آخرًا، الدفاع عن الأرمن وطرح القضيّة والتضامن معها، لا يجعلنا بصف الأرمن سكّان البلاد الموالين للدولة بسبب ظروفهم الخاصّة، إنّما يضعنا في مكانة سامية نستطيع من خلالها إبراز إنسانيّتنا على الملأ أمام هذه الجالية التي لربّما ستفهم أنّنا في نفس الخندق، وأنَّ هناك أمورا عديدة مشتركة بيننا رغم إختلاف الثقافة، بدلاً من ترك الساحة للصهيونيّة الخبيثة التي تروّج بالمجازر الأرمينيّة لصالحها وتقارنها بالمجازر الأوروبيّة، وكأنَّ كلّ الشعوب الباقية عاشت حياة مليئة بالسعادة والرقيّ ولم تمرّ هي الأخرى نكبات.

في شهر نيسان من السنة القادمة سيحيي الأرمن أينما تواجدوا الذكرى المئويّة لهذه المجازر البشعة، ونحن كفلسطينيين يجب علينا أن لا نقف مكتوفي الأيادي، رغم ظروف حياتنا الشائكة.
 

التعليقات