02/06/2014 - 11:16

إسرائيل تنكل بالمعتقلين الإداريين../ علي جرادات

يعلم جهاز المخابرات الإسرائيلي أن الاعتقال الإداري هو أكثر حلقات السياسة الأمنية الإسرائيلية قابلية للكسر

إسرائيل تنكل بالمعتقلين الإداريين../ علي جرادات

التنكيل بالأسرى الفلسطينيين سياسة إسرائيلية ثابتة تحركها دوافع عدوانية عنصرية، تحيلها إلى سياسة فاشية مكتملة الأركان، عندما يقرر هؤلاء الأسرى، أو بعض منهم، خوْض معارك نضالية دفاعية سلمية الأشكال، في مقدمتها الإضراب المفتوح، أو الجزئي، عن الطعام. لكن التنكيل بالمعتقلين الإداريين المضربين عن الطعام منذ 24 نيسان الماضي، تخطى كل حدود المعتاد أو المألوف في القمع الإسرائيلي لإضرابات الأسرى السابقة. كيف؟

   بالعادة، وبشكل عام، تتريث "إدارة مصلحة السجون العامة"، الذراع التنفيذية لسياسة القمع الإسرائيلية، قبل أن تلجأ إلى الاجراءات الأشد قسوة لكسر إرادة الأسرى المضربين، لكنها لم تتريث تجاه إضراب المعتقلين الإداريين الجاري، حيث تم تشتيتهم منذ اليوم الأول للإضراب إلى أقسام العزل في أكثر من سجن.

وعلى عكس المعتاد أيضا، لم يجرِ الحوار مع قيادة الإضراب إلا بعد نحو شهر من إعلانه. بل، وهنا الأهم، لم يكن الوفد المحاور من"إدارة مصلحة السجون" بل من جهاز المخابرات، (االشاباك)، الذي لم يبدأ الحوار، كما جرت العادة، بنصح الأسرى فك إضرابهم مع وعد بفحص مطالبهم، بل بالتهديد: "مطلبكم بإنهاء اعتقالكم الإداري غير قابل للنقاش... وإنكم أنتم، (قيادة الإضراب)، من يتحمل مسؤولية موت أي زميل من زملائكم".

وأكثر من ذلك، فقد تكرر التهديد ذاته، رغم نقل 80 أسيرا من المضربين إلى المستشفيات، ورغم إعلان 20 مريضاً منهم الامتناع عن تناول الدواء. والأشد وحشية هو سحب عبوات المياه المعدنية من زنازين المضربين عن الطعام لإجبارهم على شرب المياه من صنابير المغاسل والمراحيض، ما أدى إلى تردي صحة العديد منهم، ونقلهم إلى المستشفيات، حيث أثبتت الفحوص المخبرية أن تناول المياه الملوثة هو السبب. هذا علماً أن تناول الماء والملح هو ما يمنع تعفن أمعاء المضرب عن الطعام وموته.

  وفي خطوة أكثر وحشية قدمت لجنة وزارية بإيعاز من نتنياهو مشروع قانون يتيح لـ"إدارة مصلحة السجون"، تغذية الأسرى المضربين قسراً، أي من خلال إدخال "بربيش بلاستيكي" في فم المضرب بعد "تربيط" أطرافه وضبط حركة بطنه وصدره، أو في فتحة أنفه، إن هو أغلق فمه. وللعلم فإن "محكمة العدل العليا" في "إسرائيل"، قضت في العام 1980 بأن تناول الأسير المضرب عن الطعام لكوب حليب ممزوج بالملح لا يعني كسر إضرابه، ذلك لتجنب اللجوء إلى "التغذية القسرية" بعد تسببها باستشهاد القائد عبد القادر أبو الفحم، (في إضراب أسرى سجن عسقلان، 1970)، والقادة: راسم حلاوة، وعلي الجعفري، واسحق مراغة، (في إضراب أسرى سجن نفحة الصحراوي، 1980). والسؤال: لماذا هذا التصعيد غير المسبوق لكسر إضراب المعتقلين الإداريين المطالبين بإنهاء اعتقالهم التعسفي رغم انطوائه على احتمال استشهاد بعضهم؟!

  من تجربتي أسيراً أمضى-على دفعات- 14 عاماً في الاعتقال الإداري، يمكنني القول: يعلم جهاز المخابرات الإسرائيلي أن الاعتقال الإداري هو أكثر حلقات السياسة الأمنية الإسرائيلية قابلية للكسر. ذلك ليس فقط لأن هذا النوع من الاعتقال أصبح من مخلفات الماضي، بل أيضاً، وهنا الأهم، لأن إسرائيل المصنفة زوراً بأنها "واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق المستبد"، تنتهج الاعتقال الإداري سياسة ثابتة، وفقاً لقانون عتيق، "قانون الطوارئ" البريطاني في عهد الانتداب، بل وتطبقه بصورة تفوق تطبيقاته في جنوب أفريقيا في مرحلة نظام الفصل العنصري البائد، حيث لم يكن متاحاً اللجوء إلى الاعتقال الإداري بصورة واسعة، ولا تمديد مدته تلقائياً، فيما يتم تمديده في إسرائيل أوتوماتكيا لسنوات، وبحق المئات من الفلسطينيين، بل الآلاف كما حصل، (مثلاً)، في فترة الانتفاضة الأولى، (1987-1993)، والانتفاضة الثانية، (2000-2004).

وأكثر من ذلك، فإن إصدار أمر الاعتقال الإداري يقع ضمن صلاحيات ضابط المخابرات المسؤول عن قرية أو مخيم أو حي مديني، أما التهمة فجاهزة لكل معتقل إداري، هي: "يشكل خطراً على أمن الجمهور والمنطقة"، بناء على "ملف امني سري"، لا يحق للمعتقل أو محاميه الإطلاع عليه. ما يعني سيطرة السلطات التنفيذية للاحتلال وأذرعها الأمنية، خصوصاً، على "القضاء"، وهو العسكري أصلاً، بصورة تفوق، أو تساوي على الأقل، ممارسات سلطات الطغم العسكرية الفاشية في بلدان أميركا اللاتينية في زمانها، ما يفسر لماذا ترفع جهات سياسية وإعلامية ومنظمات حقوقية ومجتمعية إسرائيلية، صوتها ضد تطبيقات سياسة الاعتقال الإداري في إسرائيل. ماذا يعني هذا الكلام؟

  تخشى حكومة إسرائيل وأجهزتها الأمنية هذه المعركة البطولية للمعتقلين الإداريين، وتعمل على كسرها بكل وسيلة، لعلمها أنه يمكن لهؤلاء المعتقلين أن ينتصروا، ويحققوا جوهر مطالبهم، في حال طرحت السلطة الفلسطينية قضيتهم على مؤسسات هيئة الأمم.

ولست أدري لماذا التقاعس هنا، بينما حياة هؤلاء المعتقلين في خطر حقيقي، عدا أنهم جزء من أسرى، (دولة نالت عضوية هيئة الأمم)، تجشموا، ولا يزالون، مشاق الرباط في الخنادق الأولى للنضال الوطني الفلسطيني، وصنعوا، جيلاً بعد جيل، ملحمة نضالية وطنية قل نظيرها في تاريخ حركات التحرر الوطني. بل ملحمة إنسانية نادرة تمتزج فيها صور البطولة والمعاناة، وظلوا، رجالاً ونساء، كباراً وصغاراً، صامدين مقاومين كجبال راسخة ملأتها حقول العطاء، يشقون غبار معارك ممتدة ويومية، كفرسان ما ترجلوا تعباً أو هزيمة، بل ظلت عيونهم المتوقدة ترنو إلى العلى وآفاق انبلاج فجر الحرية لهم ولشعبهم ما انفكوا يرفدونه بأفواج متلاحقة من المناضلين والقادة الأشداء غير المظهريين الذين تسبق أفعالهم أقوالهم، ويصمدون أمام الإغراءات مهما تعاظمت، وأمام المحن مهما اشتدت، فصاروا، بعد الشهداء، ضمير الشعب الذي لا يصدأ، وملح الأرض الذي لا يفسد، وينبوع الثورة الذي لا ينضب، وحارس قيم المقاومة وثقافتها وبنيتها الذي لا يخلي خندقه. وبكلمات: ثمة واجب وطني وقومي وإنساني لنصرة هؤلاء الأبطال وعمل كل ما يمكن عمله لإنقاذهم، فيما أرواحهم معلقة بخيط رفيع بين الحياة والموت.

التعليقات