12/06/2014 - 17:38

عبثية المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية../ رائف حسين

أن للشعب الفلسطيني عمودي قوة لا ثالث لهما في صراعه مع المحتل، وفي ظل التطورات الإقليمية والعالمية وهما: إرادة الشعب الفلسطيني ووحدته

عبثية المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية../ رائف حسين

في مقالات سابقة أوضحت للقارئ حرج الموقف الفلسطيني وصعوبته، وأسباب فقدان البوصلة السياسية لقيادة الشعب الفلسطيني. كما وأكدت مراراً أن للشعب الفلسطيني عمودي قوة لا ثالث لهما في صراعه مع المحتل، وفي ظل التطورات الإقليمية والعالمية وهما: إرادة الشعب الفلسطيني ووحدته.

من أهم فنون إدارة الصراعات السياسية والتي يتقنها كل سياسي مبتدئ، أن تتحصن القيادة السياسة لشعب ما بأعمدة القوى التي تتيسر لها قبل أن تخوض معارك سياسية مصيرية وإلا يصبح التحرك إما استسلاما وبيعا للمصالح الوطنية أو انتحارا سياسيا رخيصا.

القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس لا تترك فرصة إلا وتشدد أنها متمسكه بكل ما أوتيت من قوة بالمفاوضات مع الاحتلال. هذه القناعة الخاطئة المبنية على فرضية "ضغط حكومات الغرب على الاحتلال" لم تهتز رغم كل أفعال الاحتلال المشينة ضد الشعب الفلسطيني، ووطنه المغتصب على مدار العقدين الماضيين: استيطان وسلب أراض وقتل وإرهاب يومي واعتقال وتصفية قيادات، هذه فقط عينة بسيطة من المصطلحات التي يمكن لنا بها وصف مرحلة المفاوضات العبثية. وفي نهاية المطاف أصبحت المفاوضات وما تفرخ منها من سلطة فلسطينية مدعمة بالتنسيق الأمني ورقة التوت التي تغطي عورة الاحتلال ليس إلا.
أن الأوان لفتح صفحة جديدة بإستراتيجية واضحة لدحر الاحتلال.

المفاوضات الفاشلة من جهة، والطخطخة العبثية من جهة أخرى، والتمسك بهما من أطراف الفصائل الفلسطينية المختلفة إنما هو هروب من استحقاقات المرحلة، وتهرب من إيجاد أجوبة ملائمة للحالة الفلسطينية المتأزمة. فالقيادة الفلسطينية فشلت باستغلال الواقع الفاشي لدولة الاحتلال والتفكك الذي ينوط بالمجتمع الإسرائيلي للبدء بهجوم سياسي مدعوم بكفاح شعبي ضد الاحتلال وسياسته.

فصائل المقاومة الفلسطينية من أقصى يسارها إلى اقصى يمينها رحبت بالنضال الشعبي، وتغنت ببطولات قريتي بطرس وبلعين وغيرهما من القرى التي تتصدى منذ سنوات للاحتلال بأجساد أبنائها وبناتها، مسطرة بذلك ملحمة نضال جديدة في تاريخ المقاومة الفلسطينية والتي لاقت تعاطفا هائلا لدى الرأي العام العالمي يشبه ذلك التعاطف والتفهم للحالة الفلسطينية في فترة الانتفاضة الأولى قبل أن يتم تقديم إنجازاتها قربانا على مذبح البيت الأبيض. الفصائل الفلسطينية، إسلامية ووطنية مجتمعة لم تقدم سوى القليل الذي يذكر لدعم النضال الشعبي وبقيت خطاباتها الرنانة جميعها حبرا على ورق!

حركات التحرر العالمية من فيتنام إلى جنوب إفريقيا أدركت أهمية رسم إستراتيجيات نضالية وسياسية تلائم كل مرحلة من مراحل النضال. هذه الحركات نجحت في نضالها ضد الاستعمار والاحتلال لإتقانها معادلة الهجوم السياسي الُمطعم بدعم النضال الشعبي والكفاح المسلح كل في وقته، وليس بعفوية نضال قاتلة كتلك التي تسير عليها فصائل المقاومة الفلسطينية في السنوات الأخيرة.

اليسار ممثلا بالجبهتين الديمقراطية والشعبية وكذلك تيارات الإسلام السياسي ما زالوا متمسكين بالكفاح المسلح تاركين حلقة النضال الشعبي رغم علمهم أن الكفاح المسلح لم يعد إلا أفيونا لتهدئة خاطر الشعب ودغدغة عواطفه. والسلطة الفلسطينية وضعت كل بيضها في سلة المفاوضات العبثية رغم علمها أنها مضيعة للوقت وللشعب ولقضيته ومكسب رابح جدا للاحتلال ليستمر ببرنامجه الاستعماري في فلسطين التاريخية.

يتبين جليا إفلاس السلطة الفلسطينية سياسيا بتركها المكاسب التي كان بالإمكان جنيها من الاعتراف الأممي بدولة فلسطين عضوا مراقبا في الأمم المتحدة، وفرقعة هذه الذخيرة الثمينة في تكتيكات عباسية فاشلة، ومقايضة الدخول في مفاوضات كسب الوقت للاحتلال مقابل إطلاق بعض أسرى الحرية أو التجميد المؤقت الكاذب للاستيطان، كل هذا ليس إلا شهادة على فقدان البوصلة والربان في المركب السياسي الفلسطيني.

نجحت القيادة الصهيونية في العقدين الأخيرين وبغطاء المفاوضات العبثية بإقناع الرأي العام العالمي بأن حق العودة الفلسطيني سيعني إنهاء وجود "دولتهم اليهودية" ونجحت أيضا بإدخال القيادة الفلسطينية في دوامة الأرقام قبل الخوض في صلب القضية وفتح المحادثات على أسس متينة. إن السؤال حول من ومتى يحق له العودة تضمنه الأعراف والقوانين الدولية وهو ليس موضوع نقاش في بداية المحادثات. كان على القيادة الفلسطينية أن تطالب بداية وقبل كل شيء بأن تعترف الدولة الصهيونية ومعاونيها من الدول الاستعمارية بمسؤوليتهم التاريخية عما حل بالشعب الفلسطيني من كارثة. بعد هذا الاعتراف يبدأ النقاش حول كيفية تحقيق العودة للمهجرين ولذويهم وتبدأ نقاشات الأرقام.

الطرح الصهيوني عن "الخطر الديمغرافي" هو ألعوبة كان وما زال كشفها أسهل الأمور، ولا يعرف أي شخص لماذا لم تستغل القيادة الفلسطينية هذه الورقة الرابحة. يكفي هنا أن تطالب السلطة الفلسطينية بأن تسمح أسرائيل بعودة الثلاثمائة ألف لاجئ ونيف الذين يقطنون في الدولة اليهودية . هؤلاء اللاجئون هم مواطنون قسرا في الدولة الصهيونية وعودتهم إلى قراهم التي هجروا منها وما زالت معظم أراضيها مشاعا لا تؤثر ولا تغير في البنية الديمغرافية لإسرائيل. والأجدى من هذا كله أن تدرك القيادة الفلسطينية أيضا أن بعض اللاجئين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 نجحوا بانتزاع حق عودتهم أمام القضاء الصهيوني، إلا أن الحكومات الصهيونية ترفض منذ عشرات السنين تنفيذ قرار جهازها القضائي! فلماذا إذا تصون السلطة الفلسطينية عورة "الديمقراطية" الإسرائيلية ولا تفضحها في المحافل الدولية؟

الإجابة على هذا السؤال سهلة جدا: السلطة الفلسطينية أفلست سياسيا وما عليها إلا أن تقدم استقالتها وتعيد ملف القضية الوطنية إلى الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهو منظمة التحرير الفلسطينية. وأن تعيد المسؤوليات الحياتية لمواطني فلسطين المحتلة لأيدي الاحتلال. فقط هكذا وبخطوة إلى الخلف تستطيع القيادة الفلسطينية رؤية الواقع بوضوح ورسم إستراتيجية نضالية وسياسية جديدة لدحر الاحتلال.
حل السلطة الفلسطينية الآن هو الحل!

 

التعليقات