22/06/2014 - 13:55

حول عقدة النقص عند عرب إسرائيل/ نمر سلطاني

هل بالامكان كسر جدلية السيد والعبد؟ هل بالامكان تجاوز ثنائية الاستثنائي والعادي؟ "استفزازات" حنين زعبي للشارع الإسرائيلي هي تحدٍ شجاع لهذه الثنائيات.

حول عقدة النقص عند عرب إسرائيل/ نمر سلطاني

ما معنى أن يهاجم كاتب عربي سياسية فلسطينية تمثل مواطني إسرائيل العرب من على صفحات صحيفة عبرية في الوقت الذي تتحالف فيه الشعبوية السياسية والضحالة الصحافية والشوفينية القومية لتنتج إجماعا صهيونيا؟ ما معنى أن يعلن صحافي عربي مرارا وتكرارا من على صفحات "هآرتس" أنه، وهو القومي العربي، يستقيل من الأمة العربية لأنها لا تساند كالبنيان المرصوص إضطهاد النظام السوري لشعبه؟   

رغم إغراء التفسيرات الفردية لمثل هذه الحالات العينية إلا أنها تبقى قاصرة عن فهم هذه الأمثلة كتجليات لظاهرة بنيوية عامة لا تنفك عن إنتاج تشوهات متنوعة. في "جدلية السيد والعبد" يتقصى الفيلسوف الألماني هيغل جدلية الاعتراف بالذات أو الوعي بين الطرف المهيمن والطرف الضعيف. في هذا التناقض أو الصراع بين طرفين غير متساويين، يسعى الوعي السيد إلى إخضاع الوعي العبد بشكل كامل. ويختار الوعي العبد الخضوع لأن البديل قد يكون الفناء. لكن هذا الخضوع لا يرضي السيد تمامًا لأن النصر لا معنى له على طرف غير متساو.     

هذه العلاقة الجدلية تكتسب طابعًا خاصًا في الحالة الاستعمارية، لأنها تصبح جزءًا من عقدة نقص في إطار منظومة الاستغلال والاضطهاد. وإذا كان التحليل الهيغلي متفائلاً بالنسبة لمستقبل الوعي العبد (حيث يكتسب العبد القوة والخبرة على الأمد الطويل بسبب اكتسابه لمهارات تقنية واعتماد السيد، الكسول والمطمئن، عليه) فإن عقدة النقص تمنع العبد من فهم مكامن القوة الكامنة لديه. 

تتجلى عقدة النقص عند الواقعين تحت الاستعمار أكثر ما تتجلى في الأزمات التي تعصف بالمجتمع الاستعماري. ففي هذه الأزمات هناك حاجة نفسية جماعية واجتماعية عند الأكثرية لإعادة إنتاج أساطيرها المؤسسة. تتكون عقدة النقص بشكلها النمطي من عاملين أساسيين: الأول هو أن مقياس التفكير بالذات مرتبط بوجود الآخر. وهذه تنبع من اجتماعية الوعي (مثلما في الجدلية الهيغلية). والثاني هو الشعور بالدونية تجاه الآخر. وهذا الشعور بالدونية يعتمد على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تنتج ثنائيات القوة والضعف، والغنى والفقر، والجمال والقبح، والتقدم والتخلف، وما إلى ذلك. عملية إنتاج عقدة النقص (وقرينها إعادة إنتاج علاقات القوة غير المتساوية) في حالة الواقعين تحت الاستعمار هي عملية مستمرة. لكن الأزمات عند الشعب المستَعمِر (مثل عملية خطف ثلاثة مستوطنين) هي المناسبات التي يُطالب بها الطرف الضعيف أن يقدم أمارات الطاعة ويؤدي طقوس الولاء ويؤكد على خضوعه الأبدي. فكل ذلك ضروري لكي يبقى الوعي السيد مطمئنًا إلى هيمنته بعد أن اهتزت ثقته بنفسه للحظات. ومن أهمية هذه الجدلية أن لحظات الأزمات هي بذاتها تشويه للعلاقة الحقيقية تحت الاحتلال الاستيطاني، حيث يتمحور النقاش في هذه الحالات على ظروف "استثنائية" وكأن المطلوب هو العودة إلى "الطبيعي" في حين أن الطبيعي بذاته هو الاضطهاد والاستغلال. عقدة النقص عند "عرب إسرائيل" مطالبة بالظهور (وبالعبرية) بقوة في اللحظات "الاستثنائية" لكي نستطيع جميعا العودة إلى الحالة "الطبيعية"، حيث السيد ما زال سيداً والعبد ما زال عبداً. ولكن هذا الخضوع ومراسيم الطاعة مثلها مثل الرسوم الدورية لن تشبع السيد.  

هل بالإمكان كسر جدلية السيد والعبد؟ هل بالامكان تجاوز ثنائية الاستثنائي والعادي؟ "استفزازات" حنين زعبي للشارع الإسرائيلي هي تحدٍ شجاع لهذه الثنائيات.   

التعليقات