30/06/2014 - 15:31

الاستعلاء العرقي ودونية السلطة.../ حسن عبد الحليم

حين يمتزج الاستعلاء العرقي بالهوس الأمني مع وجود قوة عسكرية هائلة، ينتجان مسخا هائجا، وإسرائيل المهووسة أمنيا منذ قيامها بخطيئة، وصلت هذه الأيام إلى ذروة جموح الغطرسة والعنجهية.

 الاستعلاء العرقي  ودونية السلطة.../ حسن عبد الحليم

 حين يمتزج الاستعلاء العرقي بالهوس الأمني مع وجود قوة عسكرية هائلة، ينتجان مسخا هائجا، وإسرائيل المهووسة أمنيا منذ قيامها بخطيئة، وصلت هذه الأيام إلى ذروة جموح الغطرسة والعنجهية.

 إسرائيل الموغلة في غيها، لا تحسب حسابا لضحاياها، فهم بالنسبة لها "شيء"، بل تهتم لصورتها عالميا وتخشى مصيرا مماثلا لنظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا إذا ما سقطت اقنعتها وظهرت صورتها الحقيقية، لهذا هي تحتاج بشكل دائم لحملات دعائية لتبرير وتجميل عدوانيتها والظهور بمظهر الضحية. ولهذه الحملات مفاهيمها ومصطلحاتها وقاموسها.

عمليات الدهم والاعتقال والعربدة في مدن وقرى الضفة الغربية التي أعقبت إعلان إسرائيل عن اختطاف ثلاثة مستوطنين، رسمت صورة واضحة المعالم لهذا المسخ الهائج الجامح، لكن هذه الصورة  تتلاشى في أماكن أخرى في العالم، فقد اهتم رؤوس الأبرتهايد بإرسال أمهات المختطفين إلى مجلس حقوق الإنسان للبكاء على مصير الأبناء، وجعلوا من قضية المختطفين الثلاثة محط اهتمام. وغابت صورة مئات المختطفين الفلسطينيين الذين اقتيدوا معصوبي العيون ومكبلين، هكذا جزافا، فقط لإشباع نهم الغطرسة الإسرائيلية وتلقين الفلسطينيين درسا جديدا في الخضوع والإذعان.

كل من تتبع تصريحات عدد من قيادات السلطة الفلسطينية خلال الأزمة الأخيرة يلحظ بوضوح بأنها تماشت وتماثلت مع المفاهيم الإسرائيلية للصراع، وتبنت اصطلاحات وقاموس الإحتلال في توصيف العملية، ولم يحاولوا حتى الموازنة بين مفاهيمها ومفاهيمهم، أو حتى تبني أضعف الإيمان المتمثل بالسير على نهج الوسطية الأوروبية المنافقة التي دأبت على إدانة العنف من الطرفين. بل تباهى أحدهم بأنه هو من أبلغ أجهزة الأمن الإسرائيلية باختفاء اثنين من حركة حماس منذ يوم عملية الاختطاف، وبذلك يثبت أن «التنسيق الأمني»  هو الإسم الحركي للتعاون الأمني، بأخف تعبير.

يؤمن الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالنضال السلمي، وعبّر عشرات المرات عن معارضته الشديدة للكفاح المسلح، وهذا رأي وقناعة لهما ما يبررهما موضوعيا. لكن بين ذلك وبين تقديس التنسيق الأمني، وتجريم مقاومة الاحتلال، مسافة شاسعة من الولوج في المحرمات

 كان يفترض أن تعمل القيادة الفلسطينية على فضح ممارسات الاحتلال بعد عملية الاختطاف، واستخدامه البشع للعملية لتحويل حياة شعب كامل إلى جحيم.

لكن ما حصل  هو عكس ذلك، فتصريحات الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لوسائل الإعلام الإسرائيلية،  كانت في واد وما يتعرض له الشعب الفلسطيني في واد آخر، إذ لم يأت على ذكر الشهداء ولا المعتقلين، ولم يدن جرائم الاحتلال، ولم يضع عملية الاختطاف في سياقها الطبيعي، بل أدانها وطالب بتحرير المختطفين.

 لكن الطامة الكبرى وقعت خلال زيارة الرئيس لموسكو، فتعبيره لمراسل الإذاعة الإسرائيلية في موسكو عن «انفعاله وتأثره البالغ» من تصريحات الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس حين وصفه بأنه «شريك كبير للسلام»، لا تبقي مجالا للشك بأننا أمام قيادة همها الأول الحصول على رضى الإسرائيليين.

ولم يتطرق الرئيس الفلسطيني، في هذه المقابلة، إلى الاعتداءات على شعبه، بل تعهد «ببذل كل الجهود لاستعادة الفتية المختطفين أحياء وأصحاء»، وعبر عن أمله بأن «تتجدد المفاوضات مع إسرائيل». ولم يلتفت إلى أن انفعاله من تصريح بيرس مخجل، ولم يلتمع فكره بأنه لا يصح الحديث عن المفاوضات في هذا الظرف الذي تتعرض فيه الضفة لعدوان واسع، ولم يقدح فتيان فلسطين زند فكره كي يتطرق للفتية الفلسطينين الذي ساقهم الاحتلال بوحشية إلى المعتقلات، ولم يتذكر الفتية الشهداء.

حين تتغلغل مفاهيم ومصطلحات وقاموس الأبرتهايد إلى قيادة الشعب الواقع تحت الاحتلال والتمييز العنصري، فهذا مؤشر لحالة اختلال في بوصلة حركة التحرر الوطني، وإذا ما ترافق ذلك مع شعور بالدونية أمام المستعمر وثقافته، فإن الأمر يصبح أكثر خطورة.

 عدالة قضية فلسطين، كافية لأن تجعل أي مسؤول فلسطيني يحاور الإسرائيليين لا بندية فحسب بل بكبرياء وأنفة، لكن ممارسات وخطاب السلطة باتا مخجلين ويشكلان عبئا على قضية شعب فلسطين.

 

التعليقات