02/07/2014 - 16:52

لنتوحد بالدعوة لحماية دولية مؤقتة../ علي جرادات

إن الأسباب والأهداف السياسية الفعلية للتصعيد العسكري الإسرائيلي الجاري في الضفة وقطاع غزة نابعة، أولاً وعاشراً، من رفض إسرائيل إنهاء احتلالها للضفة وغزة كاحتلال استيطاني اقتلاعي إحلالي لن يرحل إلا إذا تحول إلى مشروع خاسر بالمعنى الشامل للكلمة

 لنتوحد بالدعوة لحماية دولية مؤقتة../ علي جرادات

منذ ثلاثة أسابيع ما انفك جيش الاحتلال بإيعاز من حكومة المستوطنين بقيادة نتنياهو، وتحت سمع العالم وبصره، ينكل بفلسطينيي الضفة بعملية عسكرية برية متدحرجة، ويرعب فلسطينيي قطاع غزة بغارات جوية متصاعدة، لتحقيق هدف سياسي أساسي: إعادة فصل الضفة عن غزة، عبر فرط حكومة التوافق الوطني الفلسطيني الهشة المترنحة والمتعثرة لأسباب داخلية، أولها أنها نشأت لتجاوز أزمات طرفيْ الانقسام، ولم تقم على أساس برنامج سياسي متفق أو متوافق عليه. هذا هو بيت القصيد السياسي للتصعيد العسكري، ارتباطاً بأن فصل الضفة عن غزة  جزء من إستراتيجية سياسية ثابتة لحكومات الاحتلال المتعاقبة. لماذا؟

في أيار 1999 انتهى العمر الزمني لتعاقد "أوسلو" دون التوصل لاتفاق حول "قضايا الوضع النهائي"، أو بحث جدي فيها، بل حتى دون تنفيذ حكومات الاحتلال لجوهر بنود "المرحلة الانتقالية"، ومنها "إيجاد ممر آمن بين الضفة وغزة"، ناهيك عن استمرار سياسات الاحتلال العدوانية التوسعية، وجوهرها الاستيطان والتهويد والتفريغ. كان ذلك دليلاً قاطعاً على أن إسرائيل كمنظومة أيديولوجية سياسية حزبية عسكرية أمنية ومجتمعية وأخلاقية سائدة، (وليس كحكومات فقط)، في غير وارد إنهاء احتلال الضفة وغزة. وقد جاءت نتائج مفاوضات كامب ديفيد 2000 لتقطع الشك باليقين، ولتميط لثام إستراتيجية حكومات الاحتلال ومواقفها الثابتة تجاه حق عودة اللاجئين والقدس والحدود والمستوطنات والمياه، ما أفضى إلى اندلاع "انتفاضة الأقصى" التي فرطت تعاقد "أوسلو" بالمعنى الميداني للكلمة، بينما فرطه شارون بالمعنى السياسي، سواء بالاجتياح العسكري الشامل للضفة، أي إعادة السلطة الفعلية فيها لـ"الإدارة المدنية"، إنما دون إعادة مقرها إلى رام الله، أو بفك الارتباط العسكري والاستيطاني مع غزة من طرف واحد، أي سحب الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية" كـ"شريك مفاوض" على الضفة وغزة، و"لحس" اعتبارهما وحدة سياسية وقانونية واحدة، حتى وإن لم يجرِ الإفصاح عن ذلك صراحة، لكن نتائج جولات المفاوضات اللاحقة لخطوتيْ شارون أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن حكومات الاحتلال تريد إطالة أمد، بل تأبيد، "المرحلة الانتقالية"، وفصل الضفة عن غزة، عبر إدارة تفاوض لأجل التفاوض، وفرض تنسيق أمني مجاني، و"تهدئة" ممتدة من طرف واحد، لكسب المزيد من الوقت لتعميق الاحتلال، والتغطية على استباحاته الميدانية الشاملة والمتصاعدة لفرض شروط سياسية تعجيزية، جوهرها:

شطب حق عودة اللاجئين، إخراج القدس من دائرة التفاوض، اقتطاع منطقة الأغوار، (ثلث مساحة الضفة)، إبقاء الكتل الاستيطانية الثلاث أو الأربع تحت السيادة الإسرائيلية، تحويل جدار الفصل والتوسع بما ابتلع من أراضي إلى حدود سياسية، "إرجاء البحث في مصير قطاع غزة إلى حين"، والاعتراف بإسرائيل غير محددة الحدود "دولة للشعب اليهودي". وكل ذلك في إطار موافقة رسمية أميركية معلنة. ماذا يعني الكلام أعلاه؟

*أولاً: التصعيد العسكري الجاري في الضفة وغزة، وتصمت عنه الولايات المتحدة وحلفاؤها، هو تصعيد مبيت له أهداف سياسية إسرائيلية إستراتيجية تتجاوز "تدفيع حركة حماس الثمن" كمتهمة بحادثة اختفاء ومقتل المستوطنين الثلاثة، ما يوجب على أطراف الحركة الوطنية الفلسطينية، بمستوييها الرسمي والشعبي، التوحد الميداني لصد هذا العدوان والمطالبة حماية دولية مؤقتة لشعبنا على طريق إنهاء الاحتلال وانتزاع حقوقه المشروعة في الحرية والاستقلال والعودة.

*ثانياً: لئن كان مهماً رؤية هذا التصعيد في إطار أن حكومة المستوطنين بقيادة نتنياهو هي أكثر حكومات إسرائيل تطرفاً، فإن الأهم هو رؤيته في إطار أن تطرف هذه الحكومة ليس نبتاً شيطانياً، بل قفزة نوعية في سياق تطور منظومة أيديولوجية صهيونية تحرك إسرائيل وتحكمها وتتحكم بها، من رأسها حتى أخمص قدمها، سياسياً وعسكرياً وأمنياً وحزبياً ومجتمعياً، ما يجعل قادتها في غير وارد إنهاء احتلالهم للضفة وغزة، بل ويدفعهم للاعتقاد بإمكان فرض الاعتراف بدولتهم غير محددة الحدود "دولة للشعب اليهودي"، والحفاظ عليها "دولة لجيش" أو "دولة قلعة" مارقة ومفروضة بالعدوان والتوسع ليس على الفلسطينيين، فحسب، إنما على العرب جميعاً، وعلى غلافهم الإقليمي، أيضا، ما يوجب على طرفيْ حكومة التوافق الوطني، "فتح" و"حماس"، تجميد خلافاتهما حتى وقف العدوان، والمبادرة فوراً إلى إجراء حوار وطني شامل للبحث جدياً في سبل وأسس الاتفاق أو التوافق على برنامج سياسي وطني جامع به يمكن التصدي للتصعيد السياسي والميداني الإسرائيلي، وبه فقط يمكن ضمان عدم التراجع عن خطوة تشكيل حكومة التوافق الوطني المستهدفة ليس بحد ذاتها، بل لإعادة فصل الضفة عن غزة كهدف سياسي إستراتيجي ثابت لحكومات الاحتلال كافة.

عليه، بمعزل عن متى وكيف ستنتهي هذه الجولة من التصعيد العسكري الإسرائيلي، وبمعزل عما ستؤول إليه حال حكومة نتنياهو التي أعماها فائض أيديولوجيتها عن رؤية أن تصعيد جرائم الاحتلال يعني تصعيد المقاومة الفلسطينية، فإن أحداً لا يضمن لجم لجوء حكومة نتنياهو أو أي من حكومات الاحتلال اللاحقة إلى شن اعتداءات أو حروب قادمة، ذلك لأننا نواجه حكومة يمينية متطرفة أنتجها نظام صهيوني عدواني توسعي من مقتضياته إفراز حكومات لشن الحروب، ذلك ببساطة لأنه نظام قائم على رفْض التسويات السياسية للصراع.

إن كل مدخل غير هذا المدخل الوطني لفهم الأسباب والأهداف الفعلية للتصعيد السياسي والعسكري لحكومة نتنياهو، هو مدخل فئوي لن يقود صاحبه إلا إلى فشل السير في المداخل الخاطئة التي تجعل التقدم تراجعاً أو مراوحة في المكان في أحسن الأحوال. وإلا لكان بلا معنى أن جميع حكومات الاحتلال، وصولاً إلى أكثرها تطرفاً بقيادة نتنياهو، تعتمد إستراتيجية: ما أن تنهي حرباً حتى تبدأ الإعداد لحرب قادمة. بل تعتمد إستراتيجية أن ما لا يأتي بالقوة يأتي بمزيد من القوة. خذوا آخر تقليعات نتنياهو وذرائعه لرفض إنهاء الاحتلال، حيث أضاف لخطر "النووي الإيراني" كذريعة لرفض التخلي عن منطقة الأغوار، خطر "داعش" كذريعة لاعتبار أن الأمن القومي الإسرائيلي يبدأ عند الحدود الأردنية العراقية وينتهي عند شواطئ البحر الأبيض المتوسط.

قصارى القول: إن الأسباب والأهداف السياسية الفعلية للتصعيد العسكري الإسرائيلي الجاري في الضفة وقطاع غزة نابعة، أولاً وعاشراً، من رفض إسرائيل إنهاء احتلالها للضفة وغزة كاحتلال استيطاني اقتلاعي إحلالي لن يرحل إلا إذا تحول إلى مشروع خاسر بالمعنى الشامل للكلمة. ما يفرض على الكل الوطني الفلسطيني التوحد في مواجهة هذا العدوان المبيت، واستكمال خطوات إنهاء الانقسام الداخلي، ومطالبة هيئة الأمم بتوفير حماية دولية مؤقتة لشعبنا من جرائم الحرب التي تمارس بحق المدنيين والأطفال من أبنائه، بل ولا يضمن أحد عدم ارتكاب المزيد منها في المستقبل القريب أو البعيد. وغير ذلك إن هو إلا دوران في تيه سياسي يبعدنا عن العمل الوطني الموحد والجاد لإنهاء الاحتلال أصل كل داء، وأساس كل بلاء، وسبب كل ما يتعرض له أبناء شعبنا من استباحة شاملة لا في الضفة والقطاع، فحسب، إنما في أماكن تواجده كافة، أيضاً.    
 

التعليقات