23/07/2014 - 16:34

المقاومة في مواجهة الداعشية والدحلانية../ فاطمة الصمادي

كان من المؤمل أن يعود الربيع العربي بالخير على القضية الفلسطينية، لكن إغراقه بمشكلاتٍ لا تعد ولا تحصى جعله مشغولاً بذاته، وربما يكون قدر غزة، اليوم، أن تعدل بدمها، وتضحية أبنائها حال الأمة المائل

المقاومة في مواجهة الداعشية والدحلانية../ فاطمة الصمادي

إنه قدر الشرق المدمّى على مر الزمن، أن يخوض معارك ولادته دائماً، وأن يقدّم قرابين صموده من دم أبنائه، ولسان حاله، كما إسماعيل عليه السلام: يا أبت افعل ما تؤمر، ستجدني، إن شاء الله، من الصابرين.

في شرقنا الجريح اليوم، على عكس ما يدّعي بعضهم، تبدو الصورة واضحة. وإن كانت بحاجةٍ إلى جهدٍ قليل، لبناء نموذجٍ مركب يساعد على التفسير والفهم.

في المشهد اليوم: تتكاتف ثلاث منظومات لغاية واحدة وهدف واحد، هو وأد مسار التحرر العربي وثورة الإنسان العربي طلباً للكرامة. لأن نجاح هذه الثورات سيعيد، بالتأكيد، رسم وجه هذا الشرق، بصورة تقض مضاجع أصحاب المصالح والأدوار الوظيفية. فالداعشية كانت وصفة ناجحةً استثمرتها الأنظمة، ووظفتها خير توظيف لوأد الثورات، وإلصاق التهم بها تباعاً، ولم يكن لذلك أن يتم بدون وجود تنظيم داعش، فحجج الأنظمة كانت ستكون باليةً أمام الجموع الثائرة ومطالبها العادلة. وحيث لم تفلح مطية "نظرية المؤامرة"، والارتهان للخارج في نزع الشرعية عن حراك الشارع، كان لابد من إيجاد ذرائع بديلة. ولذلك، جرى غض الطرف عن ظواهر مثل "داعش" التي نشأت ونمت تحت سمع أجهزة المخابرات العربية وبصرها، وأُطلق لها حبل خداع الشباب، تحت مسميات الجهاد، وإقامة شرع الله، لكنها، في الحقيقة، كانت خنجراً مسموماً في ظهر الثورة السورية أولاً، وانتفاضة العراقيين ضد نوري المالكي ثانياً. لينقلب المشهد، فالأنظمة القمعية صارت الضمانة لحياة الناس، والحامي لمسيحيي الشرق من بطش الإسلاميين المتطرفين. وثورات المواطنة المطالبة بالكرامة والحرية صارت شؤماً. وعلى وقع جرائم "داعش" المخاصمة للإسلام وتعاليم نبيه العظيم، تتسع صلافة الديكتاتور العربي، ويزيد تعداد عبيده، ويصبح استخفافه بالقانون والدستور، وقبل ذلك، كرامة البشر وحقهم في الحياة، مثاراً للتمجيد والتحسين من قبل من يسبحون بحمده، وبينهم أدباء ومفكرون، مع صعوبة قبول أن يكون "المفكر" عبداً.

وعلى غير بعيد من ذلك، تسفر منظومة أخرى عن وجهها بلا حياء، مستغلة أجواء داعش و"مجد" الديكتاتور وسطوته، وأعني بها "الدحلانية"، وهذه منظومة لا أخلاقية بائسة، لا تخص محمد دحلان وحده، بل هي حبل بغضاء، يضم أفراداً ومؤسسات، وترعاه دول وحكومات. وهذه المنظومة، بالذات، هي الأخطر، لأنها مصممة أساساً لاستهداف المقاومة، بوصفها قيمةً وفكرةً، قبل أن تكون فعلاً على الأرض.

ولأن مهمة هذه المنظومة أصعب من غيرها، كان لا بد من العمل على تسخيف فكرة المقاومة للمحتل الإسرائيلي، في نفوس الناس، بترويج مقولاتٍ تجادل، بلا حياء، في جدواها وتصمها بالعبثية، مزاوجةً بين هذه المقولات ومقولات أخرى، تتباكى على تضحيات الناس، وتراها بلا طائل. ويبدو أن هذه المنظومة ترتبط بمشاريع اقتصادية مع المحتل الإسرائيلي، لا تستقيم مع وجود مقاومة، أياً كان من يقوم بهذه المقاومة، وبصرف النظر عن منطلقاته الفكرية. لكن العنوان الإسلامي، ممثلاً بحركة المقاومة الإسلامية، حماس، يبدو مغرياً أكثر لدى المنظومة الدحلانية، فشيطنته أسهل، وإلصاق تهمة الإرهاب به تدغدغ، بسهولة، أسماع الساسة الغربيين، وتجد طريقها بسرعة في قنوات الإعلام الغربية. ولذلك، ما يحدث في غزة، اليوم، يتجاوز هدف القضاء على حماس، إلى وأد نموذج المقاومة بالكامل. ومن هنا، تظهر أهمية مقاومة غزة، اليوم، وضرورة أن تخرج منتصرة، لأن انتصارها انتصار للقيم الإنسانية، وفي مقدمتها حق الشعوب في مقاومة المحتل.

وعلى غير ما أرادته هذه المنظومة، عادت قضية فلسطين حيةً في شوارع العالم وضمائر الأحرار في كل مكان، من كل لونٍ ودين. وشيئاً فشيئاً، بدأت حالة النفور من تجليات الفكر النازي، المتمثلة في كيانٍ غاصبٍ معادٍ للإنسانية، يسمى إسرائيل، تتسع وتأخذ شكلاً منظماً ومؤثراً، انتقل من الشوارع إلى الجامعات والمؤسسات والنخب، وهو ما سيترك تأثيره الكبير في المستقبل، في إدانة إسرائيل وعزلتها.

ولإفشال المعسكر المعادي للمقاومة، يحتاج الدفاع عنها عالمياً، ألا تظهر المقاومة الفلسطينية، وكأنها مقصورة على حركة حماس فقط، دون سائر الفصائل، وإن كان دور حماس والجهاد الإسلامي، في هذه الدورة من دورات النضال، هو الأكبر والأكثر تأثيراً، إلا أن الفصائل الأخرى، ومنها الجبهة الشعبية، حاضرة ومؤثرة.

كان من المؤمل أن يعود الربيع العربي بالخير على القضية الفلسطينية، لكن إغراقه بمشكلاتٍ لا تعد ولا تحصى جعله مشغولاً بذاته، وربما يكون قدر غزة، اليوم، أن تعدل بدمها، وتضحية أبنائها حال الأمة المائل. وفيما تواصل غزة مقاومتها، يواصل "داعش" وعبيد الديكتاتورية والدحلانية المتصهينة مهاجمتها، والتقليل من شأن مقاومتها، وإلصاق التهم بقادتها، ووصفها بالمقاومة العبثية. فإن كانت هذه المقاومة عبثية، وهذا الصمود عبثياً، بات لزاماً علينا أن نرفع القبعات للعبث المقدس، وأن ننحني احتراماً لغزة المقدسة.

"العربي الجديد"

التعليقات