23/07/2014 - 17:14

حجج أمنية واهية.. / بلال ضاهر

هذه الحرب قضت على "الترتيبات الأمنية" التي تريدها إسرائيل في الضفة الغربية. إذ يعتبر نتنياهو، ضمن خطته لحل الصراع، أنه يجب أن تبقى المنطقة الغربية من الضفة تحت سيطرة إسرائيلية في أي اتفاق مستقبلي، كون هذه المنطقة مطلة على تل أبيب ومنطقتها وعلى مطار بن غوريون الدولي، وتحسبا من إطلاق فلسطينيين صواريخ على هذه المناطق. ويتبين الآن أن الصواريخ باتت تصل إلى تل أبيب والمطار من غزة وليس من الضفة

حجج أمنية واهية.. / بلال ضاهر

تدل جميع المؤشرات على أنه عندما قررت إسرائيل شن الاجتياح البري لقطاع غزة، الأسبوع الماضي، فإنها لم تكن تعرف ما الذي ينتظرها هناك. فقد أعلن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، حينذاك، أن العملية العسكرية البرية ستكون "محدودة"، وحصر هدفها بتدمير "الأنفاق الهجومية"، أي تلك التي تمتد من القطاع إلى ما وراء الشريط الحدودي. لكن سرعان ما تبين للغزاة الإسرائيليين أن تدمير الأنفاق ليس سهلا مثلما اعتقدوا، وأن "وحل غزة" يسحبهم إلى داخل مدينة المقاومة الصامدة، على عكس "جرفهم الصخري" الذي يدعون أنه "صامد".

ولا شك في أن نتنياهو، وباقي القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية التي تقف إلى جانبه، تعمدوا وضع هدف واهٍ للحرب البرية الحالية على غزة، وهو تدمير الأنفاق. لأنه ليس بإمكان إسرائيل تحديد أهداف بإمكانها أن تحققها. وليس بإمكانها، باعتراف خبرائها ومحلليها، وقف إطلاق الصواريخ بأمدائها المختلفة والمتنوعة. وهم يتحدثون عن أن صنع مثل هذه الصواريخ مستمر رغم الهجوم الشرس والدموي على القطاع.

والهدف الإسرائيلي من هذه الحرب البرية واهٍ، لأنه ليس بالإمكان تحقيقه، لسبب بسيط. فقد تبين أن إسرائيل لا تعرف مكان وعدد جميع الأنفاق. والدليل على ذلك هو عمليتا تسلل المقاومين الفلسطينيين وراء حدودها، عبر "أنفاق هجومية" كهذه، في الأيام الماضية. وهذا ناهيك عن الأنفاق داخل القطاع، التي تطلق منها الصواريخ ويخرج منها المقاومون لتوجيه ضربات لقوات الاحتلال. ويقول الضباط الإسرائيليون إن مقاتلي حماس موجودون تحت الأرض ويخوضون القتال ضدهم من هناك.

وحتى لو تمكن الجيش الإسرائيلي، فرضا، من تدمير جميع الأنفاق الموجودة في قطاع غزة، فإن فصائل المقاومة، وعلى ما يبدو جهات أخرى في القطاع، ستعود وتحفر أنفاقا أخرى، لأن الغزيين يملكون خبرة وتجربة غنية جدا في هذا المجال. كذلك فإن إسرائيل لن تتمكن من منع حفر أنفاق حتى لو قررت احتلال القطاع لفترة طويلة، لأن حفر الأنفاق هناك بدأ عندما كانت تحتل القطاع وقبل سنوات من التفكير بالانسحاب منه، في العام 2005. كذلك بدأت صناعة الصواريخ قبل انسحاب إسرائيل من القطاع، وعندما كانت القوات الإسرائيلية تنسحب منه، "ذيلتها" صواريخ المقاومة، لترسم صورة الانتصار المتمثلة بطرد قوات الاحتلال ومستوطنيه.

لكن إعادة احتلال قطاع غزة هو أمر مستبعد، لأن الإسرائيليين اكتووا بالتجربة اللبنانية. ويرجح أنهم يحاذرون من تكرار تلك التجربة. ففي حينه، في العام 1982، حددت إسرائيل هدفها بالتوغل لمسافة أربعين كيلومترا في جنوب لبنان، لكن قواتها وصلت إلى بيروت. واستمر الاحتلال 18 عاما، حتى العام 2000، وتكبدت خسائر كبيرة، بشرية بالأساس. وعلى أثر ذلك ظهرت احتجاجات داخل إسرائيل أرغمت قيادتها على الانسحاب. كما أن هذا الاحتلال أدى إلى نشوء مقاومة لبنانية، وأبرز حركاتها هو حزب الله، التي حولت القوات الإسرائيلية إلى جسد نازف باستمرار، طوال فترة الاحتلال.

ولا تزال هذه الصورة ماثلة أمام الإسرائيليين. وإذا نسوها أو تناسوها لوهلة، تطوع أحدهم ليذكرهم بها. ولكن الأهم من ذلك، هو أن حركات المقاومة تتطور، فكرا وإستراتيجية وممارسة. وكتب في هذا السياق المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، اليوم الأربعاء، أنه "ينبغي القول بوضوح: من يدعو إلى عملية عسكرية برية واسعة ويتخيل احتلال منطقة مدينة غزة كلها، لا يتعامل بجدية كافية مع القدرات التي طورتها حماس. والقطاع اليوم ليس كما كانت غزة في العام 1967 أو حتى كما كانت مدن الضفة الغربية إبان حملة "السور الواقي" (اجتياح الضفة في العام 2002)... وفي صراع الأدمغة بين إسرائيل وحماس، أعدت حماس لإسرائيل مفاجأة حقيقية بتفعيل الأنفاق الهجومية. ومستوى جهوزية واستعداد الحركة تحسن بصورة ملحوظة في الخمس سنوات ونصف السنة التي مرت منذ "الرصاص المصبوب" والعملية العسكرية الحالية".

المجازر و"الردع"

لكن هناك جوانب في هذه الحرب مؤلمة أكثر، وفي مقدمتها العدد الهائل للشهداء الفلسطينيين. ومثلما فعلت إسرائيل في حرب لبنان الثانية والحربين على غزة، في نهاية العام 2008 وتشرين الثاني من العام 2012، فإنها تستهدف المدنيين بشكل واسع في الحرب الحالية على غزة. وتهدف إسرائيل من المجازر التي ترتكبها إعادة ما تسميه بـ"الردع". ويأمل البعض في إسرائيل بأن تدفع هذه المجازر المواطنين في غزة إلى ممارسة ضغوط على حماس من أجل وقف القتال.

إلا أن محللين إسرائيليين يرون أن الجمهور الفلسطيني في غزة يطالب حماس بألا توقف القتال من دون تحقيق إنجازات، وأن "الضغوط على حماس هي في كلا الاتجاهين: الرغبة في وقف النزيف المتواصل، ولكن الخشية أيضا من أن التوقف الآن من دون تحقيق إنجاز جوهري سيثير غضبا شعبيا في القطاع ضد حماس".

وحول مسألة الردع، فإن إسرائيل تقول إنها ردعت حماس، بعد الحرب على غزة في العام 2008، وأن هذا الردع تمثل بتوقفها عن إطلاق الصواريخ. لكن الحقائق تشير إلى غير ذلك، وأنه تم إطلاق صواريخ. إضافة إلى ذلك فإنه بالإمكان القول إن إسرائيل ارتدعت بعد ذلك العدوان، بسبب إدانات دولية واسعة وتقرير "لجنة غولدستون" الذي اتهمها بارتكاب جرائم حرب. ويبدو أنه بدأت تتشكل لجنة تقصي حقائق دولية، الآن، مشابهة "للجنة غولدستون"، إذ تشير كافة المؤشرات إلى ارتكاب إسرائيل جرائم حرب بشعة، بينها إعلانها هي بنفسها عن أنها ألقت، في الأيام الماضية، 100 قنبلة تزن كل واحدة طنا على حي الشجاعية وحده.

ويبرز في الحرب الحالية على غزة الأداء المتواطئ للأنظمة العربية. إذ أنه ليس فقط أن النظام المصري، برئاسة عبد الفتاح السيسي، لا يدعم الفلسطينيين ويحكم الحصار على قطاع غزة، وإنما هو ينسق خطواته مع الاحتلال الإسرائيلي. ويقف النظام السعودي، من خلال الدعم السياسي والمالي، إلى جانب نظام السيسي. لكن أداء هذين النظامين ليس مفاجئا، وإنما هو مستمر منذ الحرب على لبنان، في العام 2006، بحيث جعل إسرائيل تفهم أن هذين النظامين هما حليفان لها.

وثمة استنتاج آخر بالإمكان استخلاصه من الحرب الحالية على غزة، ويتعلق بمزاعم إسرائيل، ومزاعم نتنياهو بالذات، خلال المفاوضات بينها وبين منظمة التحرير الفلسطينية، وهو أن هذه الحرب قضت على "الترتيبات الأمنية" التي تريدها إسرائيل في الضفة الغربية. إذ يعتبر نتنياهو، ضمن خطته لحل الصراع، أنه يجب أن تبقى المنطقة الغربية من الضفة تحت سيطرة إسرائيلية في أي اتفاق مستقبلي، كون هذه المنطقة مطلة على تل أبيب ومنطقتها وعلى مطار بن غوريون الدولي، وتحسبا من إطلاق فلسطينيين صواريخ على هذه المناطق. ويتبين الآن أن الصواريخ باتت تصل إلى تل أبيب والمطار من غزة وليس من الضفة، وامتناع شركات الطيران من السفر إلى إسرائيل وشلّ الملاحة الجوية فيها، مثلما هو حاصل الآن، وما يعني أن حجج إسرائيل الأمنية لا تزيد عن كونها حججا مفندة وواهية.

التعليقات