06/08/2014 - 18:53

غزة ليست أزمة إنسانية فحسب بل أزمة أخلاقية../ محمد زيدان*

وفي حين خرج الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، للإعلام ببيان صارخ "مندداً بخطف أحد الجنود الإسرائيليين ومطالباً بالإفراج الفوري عنه"! لم يخرج للاعتذار لأكثر من 270 شهيداً سقطوا، والبيوت التي هدمت قصفاً في العملية العسكرية التي تلت إعلان إسرائيل عن "خطف الجندي"! بعد أن أعلنت إسرائيل أن الجندي قتل ولم يخطف!

غزة ليست أزمة إنسانية فحسب بل أزمة أخلاقية../ محمد زيدان*

بالنظر إلى تطور العدوان الإسرائيلي على غزة الذي اتخذ أشكالاً عدة تظهر حقيقة العمليات العسكرية الإسرائيلية على أنها عدوان واضح ضد المدنيين والمنشآت المدنية الفلسطينية، بهدف الضغط من خلال الألم والدمار الذي يواجهه المدنيون الفلسطينيون على قيادة المقاومة: أكثر من 1900 شهيد و9500 جريح غالبيتهم العظمى – 90% من المدنيين، ويشكل الأطفال حوالي 30%! وبكلمات بسيطة هي أشبه بعملية "تدفيع الثمن للناس" تقودها حكومة نتنياهو لمعاقبة الشعب الفلسطيني لعجزها عن الوصول للمقاومة وقيادة الفصائل الفلسطينية المختلفة، أو لعدم تمكنها من وقف عمليات إطلاق الصواريخ!

القانون الإنساني والواقع الإنساني:

دون الدخول بالتفاصيل القانونية المتعلقة بقوانين الحرب في القانون الدولي الإنساني، وخاصة "اتفاقيات جنيف الأربع"، فإن مبدأ حماية المدنيين والمنشآت المدنية تعتبر أبرز القواعد الأساسية في جوهره. وهو ما يلزم الدول والجيوش المتحاربة باتخاذ أقصى وسائط الحذر من أجل حماية المدنيين وتجنيبهم نتائج الأعمال العسكرية أوقات الحرب. وبالنظر إلى المعطيات الواردة من مراكز حقوق الإنسان الفلسطينية ووكالات الأمم المتحدة في غزة، يظهر أن إسرائيل استهدفت بشكل مباشر سبعة مستشفيات و-18 مركزاً طبياً و-13 سيارة إسعاف، وعدة مضخات لتحلية المياه، واثنين من خزانات المياه الرئيسية، وسبع مدارس لوكالة الغوث التابعة للأمم المتحدة، والعديد من خطوط الكهرباء الرئيسية. هذا علاوة تدمير عشرات آلاف المنازل، وأحياء سكنية كاملة، الأمر الذي يعني تهجير أكثر من 500 ألف فلسطيني يشكلون حوالي ثلث المواطنين في غزة!

وللتذكير فإن كل هذا القصف يحدث في قطاع لا يتجاوز مساحته 360 كيلومترا مربعا، يمتد على ساحل المتوسط بطول لا يتجاوز 41 كم وعرض يتفاوت بين 5 و-15كم ويسكنه أكثر من 1.8 مليون فلسطيني غالبيتهم من اللاجئين من عام 1948.

غزة والردود العالمية:

بالطبع فإنه من الظلم تجاهل العشرات من التظاهرات الشعبية التي خرجت منددة بالعدوان منذ أسبوعه الأول، والتي شملت القارات كلها والعشرات من العواصم العالمية، إضافة للمواقف المشرفة التي اتخذتها الكثير من الدول والحكومات خاصة في أمريكا اللاتينية التي انتصرت للشعب الفلسطيني واستنكرت - بالأعمال لا بالمواقف فحسب – الجرائم التي اقترفتها إسرائيل طوال أسابيع العدوان. هذه المواقف تشكل بارقة أمل ليس للشعب الفلسطيني فحسب، بل لكل المظلومين والمهمشين في الأرض، ولكل الداعين لعالم تحكمه النظم والقوانين الإنسانية ويسوده التآخي والمسؤولية الإنسانية المشتركة.

في الأسبوع الأول من العدوان، شكل الصمت الدولي الواضح موافقة عالمية لاستمرار عمليات إسرائيل وعدوانها على غزة، الأمر الذي ذكره نتنياهو في خطاباته المتلفزة عدة مرات، واعتبره (دعماً لاستمرار عدوانه)، في حين كانت الدول الأبرز لهذا الدعم الولايات المتحدة، بريطانيا، ألمانيا وفرنسا، التي تحدثت بشكل واضح عن "حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها" واستنكرت إطلاق الصواريخ من غزة، واعتبرته عدواناً "لا يمكن لأي دولة أن تقبله". وبعد تزايد التقارير الإعلامية واتضاح حجم المجازر المرتكبة ضد المدنيين، وجرائم الحرب الناتجة عن قصف الأحياء وتدميرها بالكامل، تفاوتت ردود الفعل الرسمية الدولية لكنها لم ترتق لمستوى الحدث، ولم تشكل موقفاً أخلاقيا على الأقل يساند الضحايا ويدعو لوقف العدوان على أبسط تقدير.

الاتحاد الأوروبي أصدر مجلس وزراء الخارجية فيه بياناً أكد فيه "إدانة إطلاق الصواريخ من غزة على إسرائيل، واستهداف المدنيين (الإسرائيليين) بدون تمييز، وأن لإسرائيل الحق في الدفاع عن مواطنيها من هذه الهجمات... وان على إسرائيل أن تحافظ على سلامة المدنيين (الفلسطينيين) أثناء قيامها بهذه المهمة"، وان الاتحاد الأوروبي "يعبر عن قلقه وشجبه لموت وجرح العدد الكبير من المدنيين الأبرياء"!

وفي جلسة "مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة الذي عقد خصيصاً لمناقشة قضية غزة، جددت دول الاتحاد الأوروبي موقفها المخجل هذا من خلال امتناعها عن دعم إقامة "لجنة تحقيق رسمية" في انتهاكات حقوق الإنسان، وجرائم الحرب المحتملة في العدوان على غزة! ومن بين 47 دولة عضو في المجلس دعمت 29 فقط إنشاء هذه اللجنة وعارضته الولايات المتحدة، في حين امتنعت 17 دولة. وللتوضيح فإن المطلوب وفق هذا القرار هو إقامة لجنة تحقيق لتفحص الاتهامات، وليس إدانة لإسرائيل أو اتخاذ خطوات فعلية ضدها.

وفي حين خرج الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، للإعلام ببيان صارخ "مندداً بخطف أحد الجنود الإسرائيليين ومطالباً بالإفراج الفوري عنه"! لم يخرج للاعتذار لأكثر من 270 شهيداً سقطوا، والبيوت التي هدمت قصفاً في العملية العسكرية التي تلت إعلان إسرائيل عن "خطف الجندي"! بعد أن أعلنت إسرائيل أن الجندي قتل ولم يخطف!

وبالطبع كانت الدبلوماسية الغربية التي قادتها الولايات المتحدة وشاركت بها بريطانيا، فرنسا، كندا وألمانيا أكثر وضوحاً في تأييدها لإسرائيل، وإغفالها للثمن الإنساني والمادي الذي يدفعه الشعب الفلسطيني والمدنيين والأطفال في غزة! حيث استمرت بدعمها لمقولة "حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها"، والتركيز على إطلاق الصواريخ من غزة دون الالتفات لحقيقة واضحة بأن أكثر من 90% من ضحايا عدوان إسرائيل "الدولة الديمقراطية" صديقة الغرب، كانوا بغالبيتهم من المدنيين والأطفال، في حين أن "ضحايا" حماس "المنظمة الإرهابية" وفق قوانينهم، كان أكثر من 95 % منهم من الجنود الذين سقطوا في مواجهات عسكرية مباشرة!، وكان قرار الكونغرس الأمريكي إرسال معدات وشحنات عسكرية وأسلحة لإسرائيل خلال العدوان أكثر النماذج توضيحا للتواطؤ الأمريكي الغربي مع هذا العدوان.

غزة ومطالب الهدنة

إن المطالب التي عرضتها المقاومة الفلسطينية كشروط للتهدئة لا تتجاوز ولا تضيف شيئا لمطالب الشعب الفلسطيني العادلة، فقد تركزت هذه المطالب بفتح المعابر ووقف الحصار والسماح بالحركة للمواطنين والبضائع ووقف العمليات العسكرية والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على القطاع. والمثير هو أن كل هذه المطالب تشكل بجوهرها حقوقاً إنسانية أساسية، ولكن المثير للدهشة أكثر هو كونها في النظام العالمي الحالي تخضع لمفاوضات ومطالب يحاول المجتمع الدولي (المتمثل بالأمم المتحدة والمؤسسات الإقليمية العامة مثل الاتحاد الأوروبي)، إقناع الطرف الفلسطيني بالتنازل عنها أو عن بعضها، وكأنها امتيازات ثانوية لا حقوق إنسانية أساسية لكل البشر لا يجب التفاوض بشأنها ولا يجوز مطالبة الضحية بالتنازل عنها!

إن المؤسسات الدولية في تعاملها الجائر مع أهلنا في غزة تواصل تجاهل الأسباب الرئيسية للقضية، أو جذور المشكلة تحديداً، والأصل لكل المشاكل والانتهاكات هو الاحتلال الرابض على شعبنا الفلسطيني، والتشريد واللجوء منذ 1948، واستمرار الاستيطان في المناطق المحتلة، وغياب أي أفق حقيقي لحل الصراع وإنهاء الجرائم المستمرة ضد الشعب الفلسطيني بكل أماكن تواجده... أفق يؤدي بالشعب الفلسطيني للتمتع بحقوقه الأساسية بالحرية الاستقلال ككل شعوب العالم.

والسؤال الكبير الذي لا بد أن يطرح أمام العالم ومؤسساته، لماذا يجب على الفلسطينيين أن يحاربوا ويموتوا ويدفعوا ثمناً بحياتهم وبيوتهم وأملاكهم، أطفالهم ونسائهم ومؤسساتهم، من أجل التمتع بحقوقهم الأساسية الإنسانية، أليس الأصح أن يكون التمتع بهذه الحقوق هو القاعدة الأساسية؟! أليس الفلسطينيون هم جزء من المجتمع البشري الذي جاءت منظومة حقوق الإنسان العالمية لتحمي مصالحهم وحقوقهم!؟ لماذا لا تقوم الأمم المتحدة باتخاذ خطوات عملية (بالإضافة لبيانات لإدانة والاستنكار الفارغة) لوقف جرائم إسرائيل، ليس ضد الفلسطينيين فحسب، بل ضد الأمم المتحدة وضد مؤسساتها ومدارسها في غزة؟ الم يحن الوقت للعالم ومؤسساته وحكوماته لكي يعرفوا معادلة الطبيعة البشرية بأن لا سلام بدون عدالة، ولا عدالة بدون مساءلة المجرمين وإحقاق الحقوق واحترام كرامة الشعوب؟

إن فشل المجتمع الدولي في القيام بواجباته الإنسانية والأخلاقية لوقف العدوان والجرائم الإسرائيلية ضد أهلنا في غزة، يضاف إلى تاريخ حافل من التسامح مع جرائم إسرائيل السابقة، والتقصير الفاضح في مساءلة المسؤولين عن هذه الجرائم قانونياً، والرسالة التي يجب على المجتمع الدولي أن يسمَعَها ويفهمها هي أن استمرار الصمت عن جرائم إسرائيل هو مشاركة فعلية بالجريمة، وأن محاولة منع الفلسطينيين من التوقيع على اتفاقية روما، والتوجه لمحكمة الجنايات الدولية معناه أن على الفلسطينيين وكل الضحايا بالعالم أن يفكروا بجدية هذه المؤسسات وهذه القوانين. إنها رسالة لكل العالم بسيادة قانون الغاب فوق سيادة القانون الدولي الإنساني، وأن الحقوق للأقوياء والأغنياء فقط. حينها فإن على المجتمع الدولي أن لا يتفاجأ من حركات التطرف وطرق المقاومة العنيفة بعد فشل الطرق السلمية، وأن على دول الغرب أن تعلم أن التطرف والعنف لا يحتاج لتأشيرة مرور ولا يتوقف عند أي حدود! لأن العالم الذي لا يهتز لمشهد الأحياء المدمرة ولأشلاء الأطفال والنساء والمدنيين لا يستحق من الشعوب سوى الازدراء... حينها سيدفع العالم بأسره ثمن صمته على الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين!
 

التعليقات