12/08/2014 - 18:08

أخطاء إسرائيل ودروس حماس../ وديع عواودة

في غزة تصدعت إستراتيجية الأمن القائمة على الإنذار المبكّر حول قدرات وتحركات العدو، ردعه عن التحرش بها، حسم المعركة معه بسرعة. إسرائيل استخفت بالمقاومة الفلسطينية في غزة، وأخطأت التقدير باعتبارها حماس حركة ضعيفة محاصرة وغير راغبة أبدا بالقتال، وفوجئت بغزة الباطنية وأنفاقها الهجومية وبصواريخ أشد كما ومدى

أخطاء إسرائيل ودروس حماس../ وديع عواودة

ما أن بدأ غبار العدوان على غزة بالهبوط حتى اشتعلت حرب على الرواية في البلاد والعالم، وأخرى دبلوماسية في القاهرة على مكاسب طرفي الصراع. لكن وبخلاف مزاعم ساستها فشلت إسرائيل في تحقيق الأهداف السرية والمعلنة للعدوان على غزة. ارتكبت جرائم لكنها لم تقتل حكومة الوحدة الفلسطينية، وفشلت في كسر إرادة المقاومة الفلسطينية وتعريتها من قدراتها ونواياها القتالية، وهذا بفضل مناعة وشهامة غزة وليس أخطاء إسرائيل فحسب.

طيلة شهر كامل تحاصر غزة حصارها، وتقاوم ورغم اختلال موازين القوى وتواطؤ الحكام العرب وصمت الأجانب تمكنت من مباغتة عدوها وإرباكه على الأرض وفي الجو. هذا ما تنطق به حقائق الواقع، وتعترف به أوساط الرأي العام في إسرائيل التي تشهد دعوات للجنة تحقيق. وهذا ما تقود له المفاضلة بين العدوان الحالي وبين "الرصاص المصبوب" نهاية 2008 من ناحية قدرات المقاومة وحجم خسائر إسرائيل.

شهادة عدو

وتعكس شهادة القائد السابق للاستخبارات العسكرية السابق الجنرال بالاحتياط عاموس يادلين هذه الخيبة المستبطنة بقوله إن الحرب انتهت بحالة " تعادل إستراتيجي". في غزة تصدعت إستراتيجية الأمن القائمة على الإنذار المبكّر حول قدرات وتحركات العدو، ردعه عن التحرش بها، حسم المعركة معه بسرعة. إسرائيل استخفت بالمقاومة الفلسطينية في غزة، وأخطأت التقدير باعتبارها حماس حركة ضعيفة محاصرة وغير راغبة أبدا بالقتال، وفوجئت بغزة الباطنية وأنفاقها الهجومية وبصواريخ أشد كما ومدى. وبفضل مقاومة خلاّقة وفاعلة وبصبر مدهش على امتصاص الضربات، والتصميم على الحرية والعيش الكريم حرمت غزة إسرائيل من صورة انتصار ومن رؤية راية بيضاء، ولقنتها درسا لم تتعلمه من قبل في بنت جبيل اللبنانية عام 2006.

نتخيل لو كان العكس

بصمودها لم تدافع المقاومة الفلسطينية عن ذاتها أو عن حكم حماس أو عن غزة بل عن ماء وجه الفلسطينيين والعرب بل حالت بأسنانها وأظفارها دون نجاح إسرائيل في إطفاء جذوة القضية الفلسطينية، والإمعان في غيها في الضفة والقدس، وإملاء شروط أقرب للاستسلام منها للسلام. وبوسعنا تخيّل مضاعفة إسرائيل لغطرستها وعنجهيتها تجاه كل الفلسطينيين واستخفافها بالسلطة الفلسطينية ورئيسها لو نجحت في إحراز مآربها في غزة.

هذا "وقت للترقيع" ليس وقتا للحسابات الفصائلية والسياسية لا سيما أن تجربة غزة المّرة مثقلة بالدروس، ومن أبرزها أن فلسطين أكبر من حماس ومن فتح، ووزر قضيتها الوطنية أثقل من وسع الفصائل الفلسطينية متفرقة ما يعني أن تغليب المصالح الحزبية يخدم الاحتلال. الصخرة الصلبة لن تتكسر إلا على حجارة فلسطينية متحدة مقلعها واحد وهدفها واحد حتى دحر الاحتلال.

هذا يعني الآن أن تعمق حماس والجهاد الإسلامي تعاونهما مع حركة فتح، الاستنكاف عن نظرة "ما بنفع غير المدفع"، والكفّ عن عدم تعاونها مع بقية الفصائل والسلطة الفلسطينية، واستخلاص الدروس المتعلقة بتعاملها مع الآخر الفلسطيني والعربي والأجنبي. هذا بموازاة دروس تتعلق بالحرب النفسية وأخرى ميدانية تتأثر بالضرورة مستقبلا بتحولات جيوسياسية لا سيما أن مصر الجديدة باتت معادية لها والعالم يصمت على انتهاكات "البنت المدللة" في ظل انفلات غول مظهره وخطابه إسلاميان، جوهره جاهلية ويسمى "داعش" وينال من سمعة الإسلام والمسلمين في العالم، وينعكس سلبا على القضية الفلسطينية. طالما ارتكبت حماس أخطاء قبل وخلال الحرب لكن هذا لا يبرر هجمة شرسة لحد تحميلها مسؤولية الدماء من قبل بعض مثقفينا فيما كانت تحت النار نازفة.

من وحي هنيبعل

أما السلطة الفلسطينية فيتوقع منها مواصلة مساعيها الدبلوماسية لملاحقة المتورطين بجرائم حرب، ونزع لبوس الحمل والضحية عن وجه الذئب المتوحش. جرائم ارتكبها الجيش "الأكثر أخلاقية في العالم" بلغت أوجها في رفح بفعل إجراء "حنيبعل" وهو إجراء بربري يقضي بإبادة الجيش لجنده الأسير مع آسريه مستوحى من هنيبال قائد قرطاجة الذي احتفظ بالسّم في خاتمه فآثر الموت به على أسره على يد أعدائه الرومان. يعكس هذا النظام غير الإنساني عقيدة إسرائيل العسكرية القائمة على مبدأ أن ما لا يتأتى بالقوة يأتي بالمزيد منها، وعلى كيّ وعي العدو بالنار والحديد، كما أسهب في وصفها وزير الحرب موشيه يعلون في مذكراته (طريق طويلة طريق قصيرة)، وسبق أن كشفت وزيرة التعليم الإسرائيلية شولميت ألوني عن سر أسرار إسرائيل بقولها إنها لا تفهم سوى لغة القوة ولا تحترم إلا الأقوياء.

لهذا وغيره، تحسن الرئاسة الفلسطينية بموازاة حملاتها الدبلوماسية لإحراج إسرائيل وفضحها، مواصلة دعم غزة بقوة في مسعاها ضمن المعركة الدبلوماسية في القاهرة، للإفلات من الجيتو وفتح المعابر البرية على الأقل لتستعيد التواصل مع الضفة الغربية وتشق الطريق أمام تعزيز الثقة الجماهيرية بها وترسيخ دعائم حكومة الوحدة الوطنية. وبذلك تسد الطريق على محاولات إسرائيل للمناورة والاستفراد بكل جهة فلسطينية وإهانتها على حدة، وربما تساهم في دفع إسرائيل التي وصفها أبرز أدبائها (نتان زاخ) بالمجنونة، للعودة لعقلها ولاستيعاب الحقيقة أن القبة الحديدية لا تحمي مواطنيها، وللتعامل مع حكومة الوحدة الفلسطينية واحترام إرادة الفلسطينيين بما يفضي نحو تسوية سياسية أشمل للصراع تلبي الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية.

المؤكد الآن أن الحرب على غزة عادت كيدا مرتدا على وعي الإسرائيليين وغبار تسونامي العنصرية في إسرائيل لا يحجب اليوم تنامي الأوساط الهامة الداعية لإعادة النظر بجدوى وأخلاقية الحصار على غزة وبعقيدة القوة والحلول العسكرية. بل تزداد الانتقادات لهجوم غير مبرّر على حكومة الوحدة الفلسطينية واعتبارها مشكلة بدلا من الحل وهذا اختراق هام بالوعي يستحق البناء عليه ويمكن تعميقه الآن بمخاطبة حماس الإسرائيليين فوق رأس حكومتهم بلغة تساعدهم في فهم وهضم خطورة مغامرات نتانياهو وفي تمرير مطلب رفع الحصار(بوحي تجربة نصر الله عام 2006) وهذا يبقى من ثمار صمود غزة.
 

التعليقات