13/08/2014 - 10:58

فصل في التغليط والتجريح../ فهمي الهويدي

دعت من البداية إلى "وقف العنف المتبادل"، وتحدثت عن الأعمال العدائية التي يقوم بها الطرفان، وهي التي انتقدت استئناف الأعمال العسكرية ودعت إلى عدم استهداف المدنيين.

فصل في التغليط والتجريح../ فهمي الهويدي

أتحدى المصدر المطلع الذي أفتى لجريدة "الشروق" بأنه تم إنجاز أكثر من 95٪ من المشكلات العالقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين أن يثبت صحة ادعائه. وأستغرب تلك الجرأة على المبالغة والتغليط في المعلومات التي وردت على لسان المصدر المذكور، بقدر استغرابي للغة التي استخدمت في البيان خصوصا، إذا صح ما قيل لي من أنه صادر عن وزارة الخارجية، وهي التي أعرف أن لها خبرة طويلة في الرصانة وحسن التعبير، بحيث يدهش المرء حين يجد أن بيانها في مستوى "كلام الجرايد" ودون مستوى لغة الدبلوماسيين العفيفة والراقية.

بيان المصدر الذي وصف بأنه "مطلع" جاء على خلفية ما نشرته يوم الأحد الماضي (10/8) وانتقدت فيه بيانا أصدرته وزارة الخارجية عن المحادثات التي ترعاها مصر بين وفد منظمة التحرير الفلسطينية وبين الوفد الإسرائيلي بخصوص العدوان على غزة. وانصب نقدي على ضعف لغة البيان الذي حصر الدور المصري في حدود تقريب النظر بين الطرفين ــ كما ورد في نصه ــ فيما بدا أنه مساواة بين القاتل والقتيل، كما أشرت إلى "أن البيان تحدث عن أنه تم الاتفاق على الغالبية العظمى من المسائل التي تهم الفلسطينيين وأن هناك نقاطا محددة للغاية لم تحسم بعد".

وقلت إن هذه معلومة مغلوطة وغير صحيحة، لأن الوفد الفلسطيني يعتبر أن المباحثات لم تسفر عن أي اتفاق على أي نقطة مهمَّة في الأوراق المعروضة، وقد فوجئ بعضهم بما ذكره بيان الخارجية بهذا الخصوص واستغربوه.

في نفس يوم نشر العامود الذي كتبته صدر البيان الأخير الذي نسب إلى المصدر المطلع، وذكرت فيه حكاية إنجاز 95٪ من المشكلات العالقة، وقد علق أحد أعضاء الوفد الفلسطيني المفاوض على البيان بأنه ليس فيه جملة واحدة صحيحة، وأضاف قائلا إنه إذا صح أنه تم إنجاز 95٪ من المشكلات العالقة لانتهى الأمر ولعادت الوفود إلى قواعدها مطمئنة ومستريحة.

أهم ما استوقفني في البيان المنشور يوم الاثنين 11/8 ثلاثة أمور هي:
- نفي حياد الموقف المصري في المباحثات؛
- عرض ما وصف بأنه "إنجاز حققته اجتماعات القاهرة؛
- تجريح الموقف الناقد للسياسات التي اتبعت في التعامل مع الأزمة.
ولي في كل نقطة رد وتعليق أوجزه فيما يلي:

* في النقطة الأولى نفى البيان فكرة حياد الموقف المصري، وذكر أن مصر ليست وسيطا بالتعبير المعهود، وهو موقف نتمناه حقا ولكن الحاصل أن بيانات الخارجية ذاتها هي نقضته وأوحت لنا بعكسه. فهي التي دعت من البداية إلى "وقف العنف المتبادل"، وتحدثت عن الأعمال العدائية التي يقوم بها الطرفان، وهي التي انتقدت استئناف الأعمال العسكرية ودعت إلى عدم استهداف المدنيين.

ثم إن بيانها الأخير هو الذي حصر الدور المصري في حدود تقريب وجهات النظر بين الطرفين، وهذا الذي أوردته عبارات جاءت في بيانات الخارجية المصرية، التي خلت من أي إشارة إلى إدانة العدوان وجرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل بحق المدنيين، وهو ما كان ولا يزال محل حفاوة من جانب حكومة إسرائيل وإعلامها، الذي لم يتحدث عن حياد مصر فقط، ولكنه دأب على الحفاوة بما اعتبره تحالفا عربيا إسرائيليا ضد المقاومة في غزة.

بالتالي فما قلته لم يكن ادعاء أو افتئاتا ولكنه تقرير لحقيقة أبرزتها بيانات الخارجية المصرية، وسجلت به موقفا ضعيفا ومحزنا بدا متخلفا كثيرا عن موقف أغلب دول أمريكا اللاتينية؟

•  فيما خص "الإنجاز" الذي تحدث عنه البيان المذكور، فإنني أزعم أن ما أورده البيان جاء مغلوطا ومجافيا للحقيقة. ذلك أنني أفهم الإنجاز باعتباره اتفاقا محدد المعالم توصل إليه المفاوضون، ووضعوا توقيعهم عليه في النهاية. وذلك لم يحدث في أي نقطة.

وكل ما حدث حتى الآن هو كلام شفوي مسكون بالغموض والمراوغة، وليس صحيحا أن الأمور العالقة تتمثل في مطالبة الفلسطينيين بالتشغيل الفوري للمطار والميناء في غزة، والإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الذين تحتجزهم إسرائيل.

ولعلم المصدر الذي زعم أنه مطلع فإن الجانب الفلسطيني لم يطلب التشغيل الفوري للمطار والميناء إنما طالب فقط بالإقرار بحق السلطة الفلسطينية في تشغيلهما، وهي العملية التي تحتاج إلى سنتين لتنفيذها.
كما أن إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى لم يناقش، ولكن إسرائيل رفضت مطلب إطلاق سراح الفلسطينيين الذين احتجزتهم بعد قصة مقتل المستوطنين الثلاثة، بمن في ذلك الذين أعيد اعتقالهم بعد إطلاقهم في صفقة شاليط.

ويستمر التغليط في الادعاء بأن إسرائيل وافقت على زيادة مساحة الصيد في غزة من ثلاثة أميال إلى ستة، لأن اتفاق أوسلو حدد تلك المساحة بـ12 ميلا بحرية، ولكن إسرائيل قلصتها إلى ثلاثة أميال فقط، فكيف يوصف تحريك المساحة من ثلاثة إلى ستة أميال بأنه "إنجاز".

أما حكاية موافقة إسرائيل على تحويل الأموال إلى قطاع غزة، فإنها لا تعد بدورها إنجازا، لأن الموافقة تمت أصلا من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولم يكن لإسرائيل خيار سوى الموافقة والإقرار.

*  في النقطة الثالثة لاحظت أن البيان انتقل من موقف الإيضاح والدفاع إلى موقف الهجوم والغمز الذي لم يخل من وصلة ردح لا تليق بلغة الخطاب الدبلوماسي أو بأدب الحوار والمناقشة.

ذلك أنه بعد أن ذكر أن "هذا ليس وقت اللوم والحساب مع حركة حماس"، فانه أطلق سهام الذم والتجريح ليس فقط لحماس التي اتهمها بالسعي لإحراج الموقف المصري، ولكن لكل من انتقد المواقف التي عبرت عنها بيانات الخارجية.

إذ اعتبر ذلك النقد من قبيل التزييف و"التضليل والكذب الإخواني". إلى غير ذلك من إشارات التجريح الخارجة عن الموضوع، والتي أزعم أن مجرد إيرادها يفضح مستوى هبوط الطرف الذي أطلقها، ويسيء خصوصا إذا كان دبلوماسيا.

ناهيك عن أنني لا أجيد المشاركة في ذلك المستوى من التراشق. وأترك للقارئ أن يحكم عليه ويحدد موقفه منه.
 

التعليقات