29/08/2014 - 13:19

نتنياهو لم ينتصر على غزة، فهل ينتصر داخلياً؟/ موسى ذياب

لم تخرج إسرائيل من الحرب الأخيرة بأي انتصار أو أي إنجاز عسكري جدي طويل الأمد. فأحد أعتى وأقوى جيوش العالم لم يستطع القضاء على حركة تعد نحو 20 ألف مقاتل، استخدمت إسرائيل ضدهم أكثر من مئة ألف جندي إضافةً إلى الدبابات والطائرات الحربية وعشرات آلاف الأطنان من المتفجرات. ربما استطاعت إسرائيل الانتصار على مئات الأطفال والنساء وتدمير مئات البيوت وتشريد مئات العائلات، وهذا يحسب لصالح الجيش الأكثر “أخلاقيةً” في العالم.

نتنياهو لم ينتصر على غزة، فهل ينتصر داخلياً؟/ موسى ذياب
 
لم تخرج إسرائيل من هذه الحرب بأي انتصار أو أي إنجاز عسكري يذكر، وأعتى وأقوى جيوش العالم لم يستطع القضاء على حركة تعد نحو 20 ألف مقاتل. جندت إسرائيل ضدهم أكثر من مئة ألف جندي، إضافة إلى الدبابات والطائرات الحربية، وعشرات آلاف الأطنان من المتفجرات. ربما استطاعت إسرائيل الانتصار على مئات الأطفال والنساء وتدمير مئات البيوت وتشريد مئات العائلات، وهذا يحسب لصالح الجيش الأكثر "أخلاقية" في العالم.

وعلى ما يبدو فإن الإنجاز الأهم لنتنياهو هو تحسين علاقاته وتوثيقها مع مصر السيسي، ولم يكن صدفة عندما تحدث في مؤتمر صحفي له عن "أفق سياسي جديد لدولة إسرائيل" فهو يعي ما يقول، ووضع نفسه في محور واحد مع مصر والسعودية وباقي الدول العربية التي وقفت ضد حماس في الحرب الأخيرة. ولم يكن صدفة تجنده ووزرائه للحملة ضد دولة قطر لدورها الريادي في دعم المقاومة والوقوف على مطالبها، ومحاولة قطر إبرام اتفاق وقف إطلاق النار بحسب إرادة حركة حماس. إلا أن إسرائيل أصرت على أن أي اتفاق يجب أن يستند إلى الدور المصري لعلم نتنياهو المسبق بأن السيسي سيكون الضامن والكفيل لمنع تسلح المقاومة في غزة مستقبلاً.

وبهذا كانت إسرائيل ومصر في محور واحد أيضاً، وهو التحريض على قطر ودورها. ومن الواضح أن نتنياهو لم يكن ليتجند لهذا الدور لولا الطلب المصري لذلك، ولأن مصلحته السياسية تتطلب ذلك أيضاً.

لم يشأ نتنياهو استمرار الحرب، وكان يريدها أن تنتهي في أسرع وقت، وخاصة قبل الأول من أيلول (سبتمبر) (موعد دخول الطلاب إلى المدارس) لأنه لم يكن ليتحمل مسؤولية وقوع ضحايا من الطلاب داخل مدرسة جراء القصف واستمرار الحرب. لذا كثّف الجيش الإسرائيلي من القصف والاغتيالات في الأسبوع الأخير لتشكيل الضغط على حماس للقبول والعودة إلى المفاوضات في القاهرة. إلى جانب هذا عملت إسرائيل على عامل الحرب النفسية بإصدار التعليمات والتوجيهات من رئيس الحكومة ووزير دفاعه ووزير الأمن الداخلي لسكان قرى غلاف غزة أن من يستطيع الخروح من بيته فليفعل، وتم توفير المساعدات للخروج المنظم لهذه العائلات، كل هذا كان لتوهيم المقاومة في غزة أن إسرائيل تخلي سكانها استعداداً لحرب برية ثانية أشد شراسة من التي سبقتها وأن استعدوا لما هو اَت.

في المقابل استطاعت حماس جر إسرائيل إلى حرب استنزاف لم تشهدها من قبل، وأثبتت رغم الخسائر الهائلة قدرتها على التصدي والصمود، وأدخلت سكان إسرائيل في حالة من الرعب، وأجبرت سكان القرى الحدودية على النزوح من بيوتهم. وفاجأت إسرائيل بإطلاقها أكثر من 4564 صاروخ وقذيفة، وتنفيذ عمليات نوعية داخل إسرائيل، وتكبيد الجيش الإسرائيلي خسائر بشرية وصل عددها إلى69 جنديا، وهو ليس بالأمر الهين بالنسبة لإسرائيل.

وضعت الحرب أوزارها، وبالنسبة لنتنياهو فقد قرعت طبولها ثانية في معركة داخلية حاسمة ومصيرية لمستقبله السياسي. يواجه نتنياهو من يمينه وزراء الخارجية والاقتصاد، ليبرمان وبينط، اللذين لم يكفا طيلة الحرب عن المطالبة بالدخول إلى عمق غزة، واحتلالها. وكانا طوال الوقت يتخذان مواقف أشد يمينية وتطرفاً من نتنياهو لعلمهما المسبق أنهم مقبلون على معركة انتخابية قريبة. استطلاعات الرأي الأخيرة بينت مدى الهبوط في شعبية نتنياهو بعد أن حصل على رضا 82% عشية الدخول في المعركة البرية وهبط بعدها بأسبوعين الى نسبة 63% وبعدها بأسبوعين آخرين هبط الى 55%، وهذا الأسبوع وصلت نسبة رضا الجمهور من أداء نتنياهو إلى 38% وهي الأدنى منذ بداية الحرب.

استطلاعات الرأي هذه وغيرها ستكون البوصلة التي سيعمل وفقها نتنياهو في الأيام القريبة، وخلال المفاوضات لإتمام اتفاق وقف إطلاق النار. فكل اتفاق سيتم التوصل إليه سيكون له أبعاد سياسية وحزبية على الساحة الداخلية الإسرائيلية، وعليه من المتوقع أن يكون نتنياهو أكثر شدة وصرامة في مواقفه وطلباته.

كما بعد كل حرب في إسرائيل تعلو أصوات مطالبة بإجراء انتخابات مبكرة، ومن المتوقع أن تكون هذه الانتخابات بحلول السنة القادمة 2015 بدلاً من موعدها الأصلي 2017. سيذهب نتنياهو إلى محادثات وقف إطلاق النار وعيونه على الانتخابات الإسرائيلية، وقبلها ستظهر أصوات داخل حزب الليكود مطالبة بإجراء انتخابات داخلية لتحديد زعيم الحزب ومرشحه لرئاسة الحكومة القادمة، عندها سيظهر أمام نتنياهو منافس عنيد وهو وزير داخليته وسكرتير حكومته سابقاً الوزير جدعون ساعر المعروف بمواقفه اليمينية، وهو يحظى بشعبية واسعة داخل أوساط الليكود، وطالما خرج في مواقف مختلفة عن مواقف نتنياهو خلال الحرب الأخيرة، وهو بالفعل يشكل تهديداً على نتنياهو.

ولم تنته رحلة نتنياهو داخلياً هنا، فتكلفة الحرب الباهظة التي ستتعدى ال 10 مليارات شاقل ستكون على حساب الميزانية القادمة للعام 2015 والتي من المفروض أن يتم التصويت عليها في شهر تشرين أول (اكتوبر) القادم بعد عودة الكنيست من العطلة الصيفية. وبحسب تصريحات وزير المالية فإنه لن يقوم بفرض ضرائب جديدة أو رفع ضرائب حالية لسداد تكلفة الحرب، وإنما ستكون هنالك تقليصات في ميزانية الوزارات المختلفة مما يعني الدخول في صراعات داخل الائتلاف الحكومي والوزارات المختلفة حول ماهية وكمية التقليص في كل وزارة. وإذا لم تتم المصادقة على الميزانية حتى شهر آذار 2015، هذا يعني الإعلان عن انتخابات مبكرة للكنيست وتشكيل حكومة جديدة.

وبين هذا وذاك ستتعالى الأصوات المطالبة بإجراء تحقيق في إخفاق الجيش والحكومة في إتمام المهمة كما يجب، وعن ضرورة مساءلة المسؤولين عن هذا الإخفاق من صناع القرار على المستوى السياسي والعسكري.

وعليه فإن شتاء السياسة في إسرائيل سيكون ماطراً للغاية، وبانتظار نتنياهو حواجز عدة عليه اجتيازها واحدا تلو الآخر من أجل استمراره في منصبه كرئيس للحكومة. ومع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ يبدأ نتنياهو معركة صراع البقاء سياسياً وشعاره الانتخابي "فقط نتنياهو يستطيع التخلص من حماس" لم يعد ساري المفعول، فقد تم انتخابه ثلاث مرات لرئاسة الحكومة سنة 96 بعد العمليات التفجيرية في المدن الإسرائيلية، و2009 بعد عملية الرصاص المصبوب، و2013 بعد "عامود السحاب" استعمل خلالها هذا الشعار الانتخابي. اليوم أثبت نتنياهو أنه لا يستطيع التخلص من حماس، وعليه هو ورؤساء الحكومات الإسرائيلية القادمة تعلم الدرس جيدا من هذه الحرب، وإن كان ازدياد التطرف في إسرائيل ضد الفلسطينيين والعرب عامة هو السبيل الأقصر لتقلد مناصب الحكم في هذه الدولة.

 

التعليقات