03/10/2014 - 10:43

ما بين شهداء الانتفاضة الثانية وآليات بناء إجماعنا السياسي../ حنين زعبي

نحن بحاجة لبناء إجماع على مشروعنا الوطني في الداخل، ولذلك نحن نحتاج لقيادة مسؤولة، وكل قيادة تحارب وتناهض بناء الإجماع السياسي لشعبها هي قيادة غير مسؤولة

ما بين شهداء الانتفاضة الثانية وآليات بناء إجماعنا السياسي../ حنين زعبي

 تعتبر الانتفاضة الثانية محطة وطنية يكتشف بها شعبنا قوة الإرادة واستعدادها لدفع الثمن، وقرب الكرامة لطبيعة الناس التلقائية والعفوية، بحيف لا نحتاج لتنظيمات لكي يخرج الناس إلى الشارع، ولا نحتاج لتنظيمات لإقناع الناس بأن دفع الثمن هو جزء من أي نضال. فالجماهير التي لا تدخل بيوتها عند سقوط شهدائها، هي جماهير تعرف ذلك بسليقتها حتى لو لم تسمعه من أحد. إن عفوية وتلقائية الجماهير التي خرجت للشارع دون توجيه أو تنظيم أو قرار مسبق، دليل على أن "مقولة" أننا جزء من الشعب الفلسطيني، وأن نضالنا هو جزء من نضاله، هي ليست "مقولة" "القياداة السياسية" أو "النخبة" فقطـ، بل هي مقولة شعبنا الفلسطيني بكل أجزائه وفي كافة أماكن تواجده.

كما ويدل نزول الشباب إلى الشارع على أن مشروع الأسرلة لم ينجح، وأن خلق انتماءات وولاءات إسرائيلية لشبابنا لم ينجح. وحتى لو وافقنا، وعلينا أن نوافق، أن جزءا ممن خرجوا لم يفهموا لماذا خرجوا، كما أنهم لم يخرجوا انطلاقا من وعي سياسي أو مشروع وطني، إلا أن غضبهم واغترابهم عن الحيز العام، هو اغتراب عن الدولة نفسها وعما تحاوله أن تصنعه في حيزنا العام، وإن لم يستبدل هذا الاغتراب بوعي سياسي كامل وهوية واضحة، وهذا من أهم مسؤوليات المشروع الوطني.

لكن، وكما قيل مرارا وتكرارا، في الوقت الذي تدل العفوية على انتماءات واضحة ومحسومة، تدل أيضا على غياب للتنظيم والأهداف والرؤيا، وإن لم تكن العفوية دليلا على خسارتنا من غياب التنظيم، فإن سؤال الإنجاز السياسي أمام آلاف الضحايا عليه أن يدل.

صحيح أن هنالك معنى سياسيا للصمود وللتضحيات، وأن هنالك مكانا للاحتفاء بهذا الصمود وتلك التضحيات، التي تعني أن شعبنا لا يبخل بها في طريق نضاله، وأن التضحية جزء من النضال، وليس دليل فشله، لكن، واستحضارا لبعض أفكار عزمي بشارة، نستطيع أن نقول هنا أن المعنى السياسي شيء، والإنجاز السياسي شيء آخر.

إن سؤال ماذا حققنا في الانتفاضة الثانية، هو تماما كالسؤال ماذا حققنا من صمودنا في غزة (حتى لو لم نكن نحن المبادرين في غزة)، وهو سؤال لا يطرح من أجل التشكيك في النضال وفي جدوى التضحيات، وكونها جزءا لا يتجزأ منه، بل هي أسئلة تطرح، لكي نشخص العوامل التي يمكنها أن تهدر التضحيات وتضيعها.

إن عفوية النضالات والانتفاضات تدل على أنها دون إستراتيجية، وفاقدة للسيطرة وللأهداف الواضحة، وغياب الإستراتيجية تدل أنها فاقدة لبوصلتها ألا وهي المشروع الوطني الواضح، والواضح أي المجمع عليه، أي الذي يعكس إجماعا سياسيا ونضاليا وميدانيا. ومنذ الانتفاضة الأولى كان واضحا أن غياب المشروع الوطني الفلسطيني هو الإجابة على سؤال الفجوة بين التضحية والإنجاز السياسي. وهو ما تكرر خلال العدوان الأخير على غزة، حيث نجح الصمود في إفشال أهداف العدوان الكامنة في ضرب حماس وضرب حكومة الوفاق الفلسطيني، لكنه لم ينجح فيما هو أبعد من ذلك، أي في تغيير الموقع الإستراتيجي للطرف الفلسطيني بحيث تجبر إسرائيل على الانتقال من مرحلة إدارة الصراع/ تصفية القضية الفلسطينية، إلى مرحلة حل الصراع/ الاعتراف بالقضية الفلسطينية كقضية نضال ضد الاحتلال والهيمنة الكولونيالية. واقتصرت "العبر" الإسرائيلية على: تحسين المخابرات، ورفع أولوية ما يسمى "بتسليح حماس" وزيادة التنسيق مع مصر. طبعا، الظروف العربية البائسة مواتية، لكنها دائما كانت بائسة، ولم يكن يوما "الظرف الإقليمي" أداة نضال، بل هو سياقه.

وهذا ما حصل في الداخل أيضا، الذي لم يكن أفضل حالا فيما يخص إجماعه السياسي، رغم أن الخطاب السياسي الذي تبلور في تلك الفترة ووضحت معالمه وبدأ في الانتشار ونيل الإجماع السياسي والشعبي (خطاب التجمع) ، كان أكثر وضوحا وتصالحا مع الجذور التاريخية للفضية الفلسطينية والتي ترى أننا نخوض صراعا مع حركة كولونيالية عنصرية، وليس مع حركة قومية تشاركنا العلاقة والحق التاريخيين على وطننا.

إن غياب المشروع الوطني الجامع داخل الأخضر، كجزء من مشروع وطني فلسطيني عام، ينطلق من جذور القضية ويعي خصوصية سياقتا السياسي كفلسطينيين نعيش داخل حدود الدولة العبرية، وما يعنيه ذلك من غياب الإجماع على الإستراتيجية ووسائل النضال، لا يمنعنا فقط من تحقيق إنجازات سياسية تساوي تضحياتنا، بل إنه أيضا يمكن البعض من إلقاء خطاب "لوم الضحية"، فنحمل شعبنا وأنفسنا مسؤولية الضحايا. ويدل ذلك ليس فقط على غياب المشروع الوطني، بل أيضا على عدم فهم للمشروع الصهيوني، واضح الأهداف ومتطور العنف والشراسة، والذي تكمن عنصريته وإجراميته، في منطلقاته وأهدافه وفي الذهنية التبريرية التي يبنيها لمجتمعه، بعض النظر عن سلوك الضحية. والتأثير الوحيد الممكن للضحية عليه هي في لجم عنصريته حينما تعرف أن تدفعه ثمن جرائمه، وهي لن تستطيع ذلك إلا ضمن مشروع وطني واضح، وليس ضمن غيابه.

إن خطاب "لوم الضحية"، أو بالأحرى التساوق مع الدولة ومؤسساتها في إلقاء اللوم على قيادات وطنية، وتحميلها مسؤولية العنصرية (هاي بالمصري بقوللها "شوفو أزاي" ) بسبب تصديها بالممارسة أو بالمواجهة أو بالخطاب، هو الوجه الآخر لمواقف ليست أقل خطورة، وتكمن في رفض تطوير آليات بناء الإجماع الوطني. وما رفض إعادة بناء لجنة المتابعة، من قبل بعض القيادات السياسية، -ولا نقول من قبل بعض الأحزاب، حتى لو كان الحديث عن قيادات تلك الأحزاب-، إلا رفض لتطوير الإجماع السياسي بكل أشكاله وتجلياته، بما في ذلك رفض القائمة العربية المشتركة.

نحن بحاجة لبناء إجماع على مشروعنا الوطني في الداخل، ولذلك نحن نحتاج لقيادة مسؤولة، وكل قيادة تحارب وتناهض بناء الإجماع السياسي لشعبها هي قيادة غير مسؤولة.

التعليقات