02/12/2014 - 11:50

لكي يراجع الحزب الشيوعي الإسرائيلي تاريخه/ د. محمود محارب

انقسم الحزب الشيوعي الفلسطيني في عام 1943 بشأن المسألة القومية في فلسطين وبشأن الموقف من الصهيونية. ففي حين أسس الشيوعيون العرب الفلسطينيون عصبة التحرر الوطني في فلسطين، احتفظ الشيوعيون اليهود المستوطنون بغالبيتهم الساحقة حديثا في فلسطين،

لكي يراجع الحزب الشيوعي الإسرائيلي تاريخه/ د. محمود محارب

انقسم الحزب الشيوعي الفلسطيني في عام 1943 بشأن المسألة القومية في فلسطين وبشأن الموقف من الصهيونية. ففي حين أسس الشيوعيون العرب الفلسطينيون عصبة التحرر الوطني في فلسطين، احتفظ الشيوعيون اليهود المستوطنون بغالبيتهم الساحقة حديثا في فلسطين، باسم الحزب الشيوعي الفلسطيني. وفي شباط (فبراير) 1948 غير هذا الحزب اسمه من الحزب الشيوعي الفلسطيني إلى الحزب الشيوعي الأرض – إسرائيلي. وعند قيام إسرائيل غير الحزب اسمه مرة أخرى ليصبح اسمه الحزب الشيوعي الإسرائيلي.

وقد انحاز الحزب الشيوعي الإسرائيلي انحيازا كاملا للصهيونية ولإسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في حرب 1948. وفي سياق هذا الانحياز الكامل للصهيونية، انخرط الحزب الشيوعي الإسرائيلي انخراطا كاملا في مختلف الجهود الصهيونية لتأسيس دولة يهودية على حساب الشعب العربي الفلسطيني وعلى أنقاضه. ففي شباط (فبراير) 1948 اتخذ الحزب الشيوعي قرارا بانخراط أعضائه في كبرى المنظات العسكرية الصهيونية 'الهاجاناه'. وقد انخرط في صفوف الهاجاناه ومن ثم في صفوف الجيش الإسرائيلي أكثر من 5 آلاف شيوعي يهودي كانت غالبيتهم من 'الهجرة المقاتلة'  التي جلبها الحزب الشيوعي الإسرائيلي بقيادة شموئيل ميكونيس من دول أوروبا الشرقية. وقد شارك هؤلاء الشيوعيون اليهود أعضاء الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وهم في صفوف الهاجاناه ومن ثم وهم في صفوف الجيش الإسرائيلي، في طرد العرب الفلسطينيين من المدن والقرى الفلسطينية، وشاركوا أيضا في  المجازر التي ارتكبتها كل من الهاجاناه  والجيش الإسرائيلي التي زادت وفق ما كشف النقاب عنه في الوثائق الإسرائيلية عن 110 مجازر. ووفق المصادر الإسرائيلية، ارتكب الجيش الإسرائيلي والتنظيمات العسكرية الصهيونية مئة مجزرة 'صغيرة' يقل عدد ضحايا كل واحدة منها عن خمسين ضحية فلسطينية، وعشر مجازر كبيرة يزيد عدد ضحايا كل مجزرة منها على 50 ضحية.

وخلال حرب 1948 أصدر الحزب الشيوعي الإسرائيلي صحيفتين باللغة العبرية، واحدة تحت اسم كول هلوحيم (صوت المقاتل) والأخرى تحت اسم كول همجوياس (صوت المجند)، وذلك في سياق الجهد الإعلامي والتعبوي للحزب الشيوعي الإسرائيلي في استنهاض وتعبئة أعضائه المجندين في الجيش الإسرائيلي بشكل خاص والجيش الإسرائيلي بشكل عام في قتالهم ضد الشعب الفلسطيني والجيوش العربية.

إلى جانب ذلك، بذل الحزب الشيوعي الإسرائيلي جهودا جمة على مختلف الأصعدة السياسية والمالية والعسكرية لدعم المجهود الحربي الصهيوني في فرض الدولة اليهودية بالقوة العسكرية على الشعب العربي الفلسطيني وعلى أنقاضه. وقد حققت جهود الحزب الشيوعي الإسرائيلي هذه العديد من الإنجازات المهمة والخطيرة، والتي ظل يعتز بها قادة الحزب الشيوعي الإسرائيلي فترة طويلة. وكان من بين هذه الإنجازات الخطيرة – إلى جانب جلب الهجرة اليهودية المقاتلة -  

جلبه في ربيع عام 1948 للسلاح النوعي المتطور للهاجاناه وللجيش الإسرائيلي لاحقا من دول أوروبا الشرقية لا سيما من تشيكوسلوفاكيا، التي أثرت بشكل ملحوظ على مجريات الحرب في ربيع 1948.

ونعرض هنا وثيقة مهمة في تاريخ الحزب الشيوعي الإسرائيلي وهي قرارات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الإسرائيلي في تموز (يوليو) 1948 والتي أقرت نشاطات وأعمال سكرتير عام الحزب الشيوعي الإسرائيلي، شموئيل ميكونيس، في سعيه لجلب الهجرة اليهودية المقاتلة ولحشد وتجنيد مختلف أنواع الدعم للجهد الحربي الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني وجيوش الدول العربية؛ والتي طالبت بضم الحزب الشيوعي الإسرائيلي إلى الحكومة الإسرائيلية.

ونهدف من معالجة تاريخ الحزب الشيوعي الإسرائيلي ومن طرح هذه الوثيقة إلى دفع قيادة الحزب عشية انعقاد المؤتمر الاستثنائي للحزب في الأيام القليلة المقبلة إلى مراجعة تاريخ الحزب والإجابة على أسئلة ونقاشات مهمة في صفوف الحزب الشيوعي والجبهة بشكل خاص والجمهور الوطني بشكل عام. وتدور هذه الأسئلة التي هي بحاجة إلى أجوبة:

هل الحزب الشيوعي الإسرائيلي اليوم هو استمرار للحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي قاده ميكونيس ومئير فلنر وموشيه سنيه (كان موشيه سنية قائد الهاجاناه في النصف الثاني من الأربعينيات وقد التحق في النصف الأول من الخمسينيات بالحزب الشيوعي الإسرائيلي وأصبح رئيسا له) حتى سنة 1965 أم أن الانقسام في الحزب الشيوعي الإسرائيلي في سنة 1965 شكل بداية جديدة للحزب الشيوعي الإسرائيلي؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هي النتائج المترتبة عن هذه البداية؟ وهل هذا يستدعي انتقاد الإرث الصهيوني والمواقف المعادية للشعب الفلسطيني إبان قيادة ميكونيس - سنيه - فلنر للحزب الشيوعي في الفترة الممتدة ما بين الأعوام 1948 - 1965؟

هل كان تأسيس عصبة التحرر الوطني خطأ تاريخيا؟ هل كان حل عصبة التحرر الوطني خطأ تاريخيا؟ ماذا كانت طبيعة العلاقة بين العرب واليهود في المؤسسات القيادية للحزب الشيوعي الإسرائيلي في الفترة ما بين الأعوام 1948 -1965؟ هل كانت تقوم على الأخوة والرفاقية والاحترام والمساواة أم كانت في جوهرها علاقة المنتصر بالمهزوم؟

إن الهروب من مواجهة هذه الأسئلة ومن أسئلة أخرى مهمة كثيرة لا يفيد. فالعديد من أعضاء الحزب الشيوعي الإسرائيلي والجبهة يريدون أجوبة على هذه الأسئلة. وأعتقد أن قيادة الحزب الشيوعي الإسرائيلي أو جزء واسع منها على الأقل ترى أنه من الضروري كتابة تاريخ الحزب الشيوعي الإسرائيلي بشكل علمي وموضوعي، بحيث يجري تحديد موقف من الكثير من الأسئلة والقضايا ومن ضمنها الأسئلة المطروحة أعلاه.

المسبات على الحركة الوطنية الفلسطينية وعلى قادتها ورموزها الذين انتقدوا  وينتقدون سياسات ومواقف الحزب الشيوعي الخاطئة، لا تفيد الحزب الشيوعي إطلاقا بل تضره وترتد عليه. وتفسير كل شيء من منظور معاداة قطر وجعل قطر هي المعيار لمواقف الحزب الشيوعي الإسرائيلي هي الغباء بعينه. وقد بات محمد بركة الذي جعل قطر معيار كل موقف يتخذه حالة تندر، يتندر عليه ليس فقط قادة الحركة الوطنية في الداخل وإنما أيضا الكثير من قادة الجبهة والحزب الشيوعي الإسرائيلي.  


وثيقة

قرارات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الإسرائيلي في اجتماعها المنعقد في يومي 10-11 تموز/ يوليو1948:

أ – حول مهمة الرفيق ميكونيس في أوروبا

1 – تصادق اللجنة المركزية على تقرير الرفيق ميكونيس حول زيارته لأوروبا في مهمته الحزبية لتجنيد مساعدة شاملة لجبهة الحرب لدولة إسرائيل، وتعبر عن رضاها الكامل عن الإنجازات المهمة التي تم تحقيقها في هذا المضمار. وتبارك اللجنة المركزية عمل ميكونيس الجذري والسريع من أجل زيادة التسليح لجيش الدفاع الإسرائيلي ومن أجل تجنيد خبراء عسكريين ومن أجل إقامة كتائب قطرية لشبيبة يهودية مقاتلة على قاعدة عريضة من كل الأحزاب والتيارات الديمقراطية وتدريبها بسرعة تمهيدا لإشتراكها في جبهة حرب الاستقلال التي تخوضها دولة إسرائيل.

2 – تعبر اللجنة المركزية عن موافقتها على دور الرفيق ميكونيس وفعالياته التي قام بها في سعيه لتجنيد الرأي العام التقدمي في العالم لمساعدة حرب الشعب اليهودي العادلة للاستقلال القومي، مقابل عدوانية المعسكر الإمبريالي وخدمه في 'الجامعة العربية' الذين يتحملون المسؤولية المباشرة عن سفك الدماء في أرض- إسرائيل.

وتثمن اللجنة المركزية الاستجابة الرفاقية الكاملة للحركة الشيوعية والأحزاب الشقيقة ومساعدتها الكبيرة في تحقيق الخطوات التي تدعم حرب تحريرنا، وتضمها في جبهة كل الشعوب المكافحة من أجل السلام والديمقراطية وأخوة الشعوب والاستقلال القومي.

3 – وتشير اللجنة المركزية ببالغ الرضى والتقدير إلى المساعدة المعنوية والسياسية والمادية المقدمة لدولة إسرائيل من قوى المعسكر الديمقراطي والمعادي للامبريالية بزعامة الاتحاد السوفييتي ودول الديمقراطية الشعبية، وتكلف جميع أعضاء الحزب وأنصاره بتصعيد نضال جمهور العمال والشبيبة وجماهير الشعب من أجل اتباع سياسة تعاطف وتعاون مع هذا المعسكر العظيم، معسكر الديمقراطية والسلام.

4 – وتقر اللجنة المركزية الخطوات التي اتخذها الرفيق ميكونيس في سبيل تصعيد نضال القوى الديمقراطية في العالم من أجل الإعتراف بدولة إسرائيل، ومن أجل إلغاء الحظر المفروض على إرسال السلاح إلى إسرائيل من دون شروط التي تهدد سيادة إسرائيل، وفرضه على الدول العربية.

5 – وتقرر اللجنة إرسال عضو سكرتارية الحزب أ جوجانسكي فورا إلى أوروبا للاستمرار في النشاطات لتجنيد المساعدة المتعددة الجوانب لحرب دولة إسرائيل.

ب -  حول تعزيز الحكومة المؤقتة

تقر اللجنة المركزية أن مجمل السياسة الخارجية والداخلية للحكومة المؤقتة لا تتناسب مع حرب الاستقلال لجماهير الشعب ولا تعبر بالدرجة المطلوبة عن روح ومصالح الجبهة والعمق، لأن السياسة الخارجية للحكومة المؤقتة تعتمد على التأقلم والمهادنة مع الإمبريالية الأنجلو- أميركية، الأمر الذي يعرض بالضرورة سيادة دولة إسرائيل للخطر، ولأن السياسة الخارجية للحكومة تتحفظ من معسكر السلام والديمقراطية والمدافعين عن الاستقلال القومي بزعامة الاتحاد السوفييتي، الذي يقف إلى جانبنا بكل الصدق والتصميم ويقدم الكثير لتعزيز صمودنا في ساحة الحرب. ومن ناحية أخرى، تستند السياسة الداخلية للحكومة إلى مصالح البرجوازية من الناحيتين السياسية والاقتصادية أكثر من استنادها إلى مصالح جماهير الشعب الواسعة. فقد فُرضت جميع تضحيات الحرب، بالأرواح والمال، على كاهل الجماهير العاملة. فغلاء المعيشة يزداد ويرتفع، والسمسرة تزدهر وأجرة العمل تنخفض. والتموين غير منظم والسلع الضرورية لا توزع توزيعا عادلا. ليس هناك اهتمام بعائلات الجنود والمتضررين من القصف. ولا يزال التعرض لحقوق التنظيم مستمرا وكذلك تستمر البرجوازية في ابتزازها السياسي بهدف توسيع مواقعها في الحكم، مدعومة بقوتها العسكرية- المنظمة العسكرية القومية (اتسل)، فضلا عن تخريبها بالقرض القومي. لقد بقي معظم الجهاز الكولونيالي للشرطة والبوليس السري والأقسام الحكومية الأخرى، وتواصلت السياسة غير الديمقراطية تجاه الشعب العربي.

وتقرر اللجنة المركزية أنه من أجل الدفاع عن مصالح جماهير الشعب العاملة، ومن أجل ضمان السيادة القومية والانتصار على الأعداء، ومن أجل بناء الجبهة القومية الديمقراطية وضمان نجاح التجنيد الشامل والكامل لجبهة الحرب – البلاد وخارجها – فإن هناك ضرورة عاجلة لتعزيز الحكومة المؤقتة بواسطة إضافة قوى تقدمية وانخراط الحزب الشيوعي فيها. وتناشد اللجنة المركزية كل القوى التقدمية في البلاد أن تدعم هذا المطلب وأن تناضل لتحقيقه.

                      الحزب الشيوعي الإسرائيلي

                               اللجنة المركزية     

المصدر: كول هعام، صحيفة الحزب الشيوعي الإسرائيلي الصادرة باللغة العبرية، 16 تموز (يوليو) 1948.  

 

التعليقات