02/01/2015 - 17:07

واثقو الخطوة نمشي نحو تحقيق إنجاز تاريخي لشعبنا../ د. باسل غطاس

تشكل الانتخابات البرلمانية القادمة فرصة لترتيب البيت السياسي العربي في الداخل الفلسطيني، ولتثبيت عدد من أهم مسلمات العمل السياسي التي ثبت جدواها في مجتمعنا، وكذلك لدى شعوب أخرى عديدة. وسأتوقف عند أهم مقومات هذه الفرصة وعند أهم هذه المسلمات

واثقو الخطوة نمشي نحو تحقيق إنجاز تاريخي لشعبنا../ د. باسل غطاس

تشكل الانتخابات البرلمانية القادمة فرصة لترتيب البيت السياسي العربي في الداخل الفلسطيني، ولتثبيت عدد من أهم مسلمات العمل السياسي التي ثبت جدواها في مجتمعنا، وكذلك لدى شعوب أخرى عديدة. وسأتوقف عند أهم مقومات هذه الفرصة وعند أهم هذه المسلمات.

الفرصة لترتيب البيت السياسي تنطوي على خوض الانتخابات بقائمة مشتركة واحدة تحوي الأحزاب العربية الممثلة حاليا في البرلمان، وفق مبدأ القوة الواقعية لكل مركب في الانتخابات الأخيرة التي جرت قبل أقل من سنتين. وهنا نتحدث عن انتخابات حقيقية ذهب فيها مئات الآف العرب لصناديق الاقتراع وصوتوا لمن يريدون. وليس استطلاعات رأي على عينة من 400-500 مستطلع تسأل فيها الأسئلة وفق رغبة طالب الاستطلاع. كان هذا أهم وأكبر وأوضح استطلاع رأي ممكن. ولا يمكن العبث بنتائجه من أجل اقتناص فرصة لكائن من كان لتحسين مواقعه أو تكبير قوته مهما بلغ إعجابه بنفسه أو جند معه من يخدم أجندته بعناوين صارخة أحيانا أو بوسائل ترويجية رخيصة ومفضوحة. سيعود الجميع لأرض الواقع قريبا وكل إلى حجمه الطبيعي بحسب مبدأ القوة الواقعية في الانتخابات الأخيرة.

القائمة المشتركة ستحقق ثلاثة أهداف مركزية تكمن في جوهر القناعة بضرورة تشكيلها وهناك نتائج جانبية تعيد صقل بعض المسلمات الأساسية في العمل السياسي العربي:

الأول: التصدي للعنصرية والفاشية المستشرية في المجتمع ونظام الحكم في إسرائيل والتي أحس بها كل مواطن عربي في هذه البلاد في السنتين الأخيرتين، وتمثل أحد أوجهها في محاولة القضاء على التمثيل العربي في الكنيست عبر رفع نسبة الحسم التي تهدد وجود كل حزب عربي لو قرر خوض الانتخابات لوحده. هذا هو رد الفعل الجماعي المسؤول والوطني والإستراتيجي الذي كانت تقوم به أي أقلية قومية تتعرض لحالة من الخطر الوجودي كما نتعرض له نحن الفلسطينيون في إسرائيل؛

الثاني: زيادة التمثيل العربي في البرلمان وليس فقط المحافظة على هذا التمثيل، حيث أننا تاريخيا ممثلون بأقل من قوتنا السياسية الحقيقية بسبب عدم المشاركة العالية في التصويت من ناحية، وبسبب التصويت الذي لا يزال قائما للأحزاب الصهيونية مع أنه تراجع كثيرا في العقود الأخيرة. بإمكان القائمة المشتركة أن تشكل رافعة ضخمة لخلق حراك غير مسبوق في أوساط الفلسطينيين لكي تزيد نسبة التصويت على الأقل إلى مستواها عند اليهود أي إلى حوالي ال 70%. هذا يعني بالضرورة 3 إلى 4 مقاعد إضافية للعرب، وهذا يعني ليس فقط توجيه صفعة مدوية وانتقامية لنتانياهو وليبرمان وبنيت وسائر مهاويس اليمين الفاشيين، وإنما يشير إلى إمكانية جدية لتشكيل جسم مانع أمام عودة نتانياهو لتشكيل حكومة؛

ثالثا: القائمة المشتركة ستكون بالضرورة الخطوة الأولى لتشكيل أجواء عمل بناءة بين الأحزاب العربية، ولتحسين علاقات العمل وطرق إدارة الخلافات بينها، وهذا سيعني بالضرورة الاتفاق فورا بعد الانتخابات على إعادة بناء مؤسسات لجنة المتابعة وتحويلها إلى القوة التمثيلية والمؤسساتية الوطنية الأهم لتنظيم المجتمع الفلسطيني في الداخل.

ستحدث القائمة المشتركة تغييرات بعيدة المدى على الساحة السياسية العربية، فمن المتوقع أن تقوي الأحزاب المركزية وتضعف المجموعات التي عادة تتشكل حول شخص أو أجندة محلية وتبقي على نفسها حية بطريقة ما بانتظار حضور سوق الانتخابات "فمن يحضر السوق يبيع ويشتري" كما يقول مثلنا الشعبي هؤلاء انتهى تاريخهم، وهم مدعوون إما للانضواء في أحد الأحزاب القائمة، وإما إثبات مشروعهم السياسي وقدرتهم وشعبيتهم عبر تشكيل حزب كبير، وفي ظروفنا اليوم هذا ليس بالهين أبدا.

أيضا ظاهرة التهجم على الأحزاب، وتوجيه التهمة غير البريئة بأنها تتفق على ترتيب كراسي خاصة من قبل أولئك الذين بهجومهم هذا يريدون بكل طريقة أن يستعرضوا أنفسهم، ليقولوا نحن هنا وخذونا بعين الاعتبار، أيضا هؤلاء سيكون لهم تأثير هامشي أمام مدّ الوحدة وقوتها وإجماع الشارع العربي حولها. بمعنى آخر لن يكون في ظل القائمة المشتركة مجال لظهور نجوم أفراد يأتون على حصان أبيض لقطف المقاعد البرلمانية. هناك الكثير من النقد الصادق حول تغيير الوجوه ووجود شخصيات لامعة تستطيع أن تقوي القائمة برلمانيا ومهنيا ولكل هؤلاء، وبعضهم أصدقائي، أقول الطريق للتغيير في المجتمع والسياسة تكون عبر الانخراط بها والعطاء والتضحية لسنوات وليس عشية الانتخابات، وهذا يعني قبول قواعد اللعبة السياسية الحزبية مهما كانت غير عادلة، وهذا يكون فقط من خلال الانخراط في الأحزاب كمؤسسات للتغيير في الوعي وفي السلوك السياسي. لا يمكن الترفع والتأنف عن هذا واختيار العمل من خلال الوظيفة مهما كانت هامة وذات تأثير أو من خلال مؤسسات المجتمع المدني وعند اقتراب الانتخابات البدء بتوزيع النصائح والارشادات وأسهم النقد للأحزاب. التواضع من أهم وأول قواعد العمل الحزبي والسياسي وأنصح هؤلاء جميعا بالقليل منه لو أرادوا مستقبلا فعلا الانخراط بالعمل السياسي.

طبعا أنا لا أشمل بضمن هؤلاء بعض النرجسيين والذين يعانون من عقدة النقص في الوقت ذاته ويبنون كل "رصيدهم" المهني أو الأكاديمي عبر الهجوم على ما يسموه تعميما "القيادات العربية" ويغيرون مواقفهم حتى من مواضيع هامة ومبدئية مثل المشاركة في الانتخابات بحسب إذا كان لديه احتمال للانضمام لقائمة ما. هذه الظواهر الصوتية التي يصدق فيها قولنا المأثور "نسمع جعجعة ولا نرى طحينا" أيضا مرشحة للتضاؤل في ظل الوحدة والقائمة المشتركة.

من نافل القول أن قدرة الأحزاب على تغيير ممثليها وتجديد الدم في صفوف مرشحيها للبرلمان ستكون أكبر في القائمة المشتركة، وهذا يعني أيضا تلبية للرغبة المفهومة لدى الناس وكذلك في صفوف الكوادر والنخب.

وأخيرا ليس سرا أن التجمع الوطني الديموقراطي لعب دورا هاما في خلق المناخ والأجواء لتشكيل القائمة الواحدة، ورفض عروض السير في قائمة ثنائية، وكان لديه عروض جدية من الكتلتين الموجودتين في البرلمان، وأصر على أن خيار القائمة الواحدة هو الخيار الوحيد. وهذا يعكس موقفا إستراتيجيا تاريخيا ينبع من صلب رؤية التجمع كحزب قومي ديموقراطي ومن قراءة صحيحة لرغبة الشارع العربي وطموحاته. هناك من يحاول استغلال ذلك ضد التجمع إعلاميا عبر استغلال بعض الأبواق الإعلامية الفارغة مضمونا والمليئة حقدا وكراهية للتجمع لأسباب مختلفة في معظمها ذاتية شخصية أو محلية. وهناك من يوهم نفسه بأن الهجوم الحاقد على التجمع من مختلف الجوانب سيؤتي ثماره على طاولة المفاوضات حيث هناك من يأمل بتقليص قوة التجمع بهذه الطريقة. لكل هؤلاء نقول إن التجمع يعتبر نفسه القوة الانتخابية العربية الأكبر حيث حصد لوحده في الانتخابات الأخيرة ما يقارب المئة ألف صوت عربي بدون أي تحالف أو تشارك مع أفراد أو مجموعات وبدون الصوت اليهودي. وقد خاض التجمع الانتخابات لوحده منذ عام 1999 وكانت قوته في تصاعد مستمر، ولم يتراجع مرة واحدة. وبالنسبة لنا واضح وضوح الشمس أن الانتخابات القادمة كانت ستحمل تعاظما استثنائيا في قوة التجمع على ضوء انتخابات السلطات المحلية الأخيرة. وتصرف التجمع بمسؤولية كبيرة وبثقة كبيرة في النفس بدون مناورات ومع أجندة واضحة ومكشوفة، وهكذا سيستمر حتى لحظة الإعلان عن تشكيل القائمة، ولكن هذا لا يعني أن التجمع سيتنازل عن إنجازاته وإنجازات الحركة الوطنية التاريخية لكي يرضي أجندات ذاتية ومخاترية أو جهوية لأي كان. 

التعليقات