10/02/2015 - 12:43

هشام الجخ يعرينا!/ رامي منصور

انقلبت رأسا على عقب ولو مرحليا آلية صناعة الرأي العام الوطني في أعقاب التطور المهول في قنوات ومواقع التواصل الاجتماعي، ليصبح الحيز العام افتراضيا أشبه بمشاع ما قبل الحضارة، على الرغم من كل التقدم الذي يرافق وسيرافق تطور مجال التواصل الاج

هشام الجخ يعرينا!/ رامي منصور

انقلبت رأسا على عقب ولو مرحليا آلية صناعة الرأي العام في أعقاب التطور المهول في قنوات ومواقع التواصل الاجتماعي، ليصبح الحيز العام  افتراضيا أشبه بمشاع ما قبل الحضارة، على الرغم من كل التقدم الذي يرافق وسيرافق تطور مجال التواصل الاجتماعي، لكن تشوها يحصل ههنا والآن يشكل خطرا حقيقيا وليس شكليا في آليات صناعة الرأي العام وصياغة الإجماع الوطني والمواقف الوطنية.

فقد أصبح “المجال العام” أو “الحيز العام” كما وصفه عالم الاجتماع الألماني يورغين هبرماس، مستباحًا ومشاعا في عصر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يتيح لـ”العوام” أدوات ومنابر كانت حكراً لـ”الخواص” (النخب) من سياسيين ومثقفين وصحافيين في الماضي غير البعيد، وسهل عملية إطلاق النار على العقل والمنطق العقلاني السليم وقلب مقولة دس السم بالعسل إلى دس العسل بالسم، فمن يتابع النقاشات في موقع فيسبوك مثلا، يرى الكم المهول من الضحالة المعرفية وزيفها سواء في المجال السياسي أو الديني، إذ يلبس ذلك أحيانا شكل “التشبيح” المعرفي وأحيانا أخرى شكل “داعش” في النقاشات في الشؤون التي تتعلق بالدين والحياة والحرية الشخصية. ولكن العسل يلمع أحيانا هنا وهناك في هذا السم.

وهذا “الشيوع” لا علاقة له بمشاع كارل ماركس وليس هو المقصد ها هنا، بل بمشاع المعرفة التي تبنى عليها المواقف سواء السياسية أو في أي مجال آخر. ويتقسم هذا المشاع إلى بيئات أو فقاعات في شبكات التواصل تعيدنا إلى العصر ما قبل الحداثي، إلى الحمائلي والقبلي والعشائري، وكأننا غادرنا قبائلنا الحقيقية إلى قبائل افتراضية، تؤثر فينا تماما كما أثرت فينا العائلة أو القبيلة أو الحمولة. تقولب مواقفنا وتنسج علاقتنا الاجتماعية بحذر وهمها الحفاظ على التقليد.

ولتبسيط ما ذكر أعلاه، فلا بأس من رصد النقاش الحاصل حول زيارة الشاعر المصري هشام الجخ إلى الناصرة وإن كانت تعتبر زيارة تطبيعية أو تواصلا. فبغض النظر إن كنت مؤيدا أو معارضا لهذه الزيارة، فما من شك أنك تعرضت في الأيام القليلة القديمة إلى سيل جارف في مشاع الفيسبوك من ضحالة ثقافية وركاكة سياسية وتشبيح لدى العديد من طرفي النقاش، ولا أقصد هنا  الناشطين المناهضين للزيارة أو الناشطين المسيسين المؤيدين للزيارة، وإنما أنصاف المسيسين وأنصاف المثقفين الذين لا يترددون في إصدار فتاوى في الوطنية والأصح فتوات وطنية أو عنتريات، لأن حدة النقاش حول الزيارة لم يعكس عمقا أو نقاشا عموديا، بل ضحالة ما بعدها ضحالة ونقاشا أفقيا غاية في السطحية؛ فمثلا، المعادي للتجمع الوطني الديمقراطي أصبح مؤيدا للزيارة، لماذا؟ هكذا دون سبب عقلاني، وفقط لأن قبيلته في الفيسبوك تريد ذلك. ولتبرير ذلك يعود بنا وبالنقاش إلى المربع الأول في مسألة التطبيع. فلا معايير سياسية أو تاريخية ترسم حدود النقاش حول زيارة الجخ لدى هؤلاء، وهي حدود رسمها السابقون برفضهم زيارة إسرائيل باسم التواصل مع الشعب الفلسطيني. فعمر هؤلاء السياسي والثقافي من عمر “أراب ايدول” و”ستار أكاديمي”.

زيارة هشام الجخ عرّت الكثير منا خصوصا لدى “مثقفي الفيبسوك”، لأنها كشفت معايير النقاش لدى شريحة واسعة منا، وأساسها إذا أيد زيد فأنا أعارض، وإذا عارض زيد فأنا أؤيد.

اختار القائمون على موقع فيسبوك والمواقع الشبيهة تسميتنا بالمستخدمين وهذه على ما يبدو حقيقتنا. مستخدمون لا يجدون إلا الاستخدام ويظنون أنهم فاعلون ومؤثرون.

وهنا، يصح استعارة قول الشاعر محمود درويش “سينما، كل شيء هنا سينما”، واستبدالها بـ”فقاعات، كل شيء هنا فقاعات”.

التعليقات