20/02/2015 - 20:13

لَمْ تُشطب حنين إذًا، هل نَفرح؟ / خالد عنبتاوي

لعمليّة التدقيق في التفاصيل أهميّة وخطورة في ذات الأوان، فالتركيز الدائم في الأشجار قد يحجب- ذهنيا، مشهد الغابة بشموليّتها وكامليّتها، وهنا خطورتها، لكنّ التفصيل في حالات معيّنة هام إذا كان الهدف منه إعادة فهم المشهد الكليّ مجددًا وإعادة قراءته وفقًا لها.

لَمْ تُشطب حنين إذًا، هل نَفرح؟ / خالد عنبتاوي

لعمليّة التدقيق في التفاصيل أهميّة وخطورة في ذات الأوان، فالتركيز الدائم في الأشجار قد يحجب- ذهنيا، مشهد الغابة بشموليّتها وكامليّتها، وهنا خطورتها، لكنّ التفصيل في حالات معيّنة هام إذا كان الهدف منه إعادة فهم المشهد الكليّ مجددًا وإعادة قراءته وفقًا لها.

 إذا لم تُشطب حنين زعبي، أليس هذا كافيا بأن نفرح قليلا؟ إذا كانت المسألة في أساسها استمرار ترشّح النائبة زعبي والوقوف وإحباط محاولات اليمين (ومتملقّيه من المعسكر الصهيوني) فالفرح، دون إفراط، مفهوم بل مطلوب، أما إن وضعنا هذه المسألة كجزء من المسألة الأكبر والمشهد الأعم وهو "المعنى الوجودي للتمثيل الفلسطيني في الكنيست"، عندها من المتوقّع أن تغرقنا عقولنا بفيض من الأسئلة المربكة، التي قد تحتاج الإجابة عليها إلى تروي بعيدًا عن ضوضاء الانتخابات والتزامن معها، فالسياسة الحقّة  لا تختزل في طرح الأجوبة، لأن هذا دور الأيديولوجيات، أما الفكر السياسي فطرح الأسئلة وتفكيكها لبنة أساسيّة في بنيانه، حتى وإن بقيت في طور الأسئلة، وهذا ما يميّز الحالة العينيّة، سابقة الذكر حول ملف شطب النائبة حنين زعبي، وهنا تكمن الأهمية في التدقيق في تفاصيل مداولات الشطب، في لجنة الانتخابات وفي المحكمة على السوّاء، والعودة منها إلى المشهد الكلي مجدّدا لإعادة قراءته.

" الكتلة الضروريّة المتراكمة"، كانت هذه من أكثر الجمل تكرارًا في مداولات الشطب، وقد أصر القاضي روبتشاين، صاحب الموقف المؤيد للشطب، على توجيه السؤال بإلحاح شديد لممثلّة المستشار القضائي، وهو غير مؤيد للشطب، حول هذه "الكتلة المتراكمة" والحدود التي علينا أن نقف عندها كخط أحمر لا يمكن تجاوزه في النظام الإسرائيلي، طبعا كان هذا السؤال على أثر ادعاء المستشار القضائي في قراره أن النائبة زعبي اقتربت كثيرًا من هذا الخط، و "أخطر" ما أقره المستشار القضائي في هذه الإفادة، من منظورهم طبعا،  أن " تصريحات زعبي شائنة ويُفهم منها دعم الكفاح المسلّح لمنظمة "إرهابيّة".

تستمر المداولات، وإن كانت بصورة أخفّ من المحكمة السابقة التي ناقشت قرار إبعاد النائبة زعبي عن مداولات الكنيست لستة أشهر، وتستمع، بصورة مضحكة لنوع الأسئلة الموجّه، والذي لم يكن يختلف كثيرًا في معظمه من مداولات الكنيست، "ما هو الحد؟"، "ألم تسافر حنين زعبي لدولة معادية فترة الحرب؟"، "ما المقصود بحصار إسرائيل"... أسئلة تتدافع أفرادًا وجيوشًا.

بين ال 2003 و 2015 ، هل ملفّات الشطب واحدة؟

إن الادعاء بأن ملفات الشطب المستمرة منذ سنوات بحق التجمّع وممثليهم  هي واحدة، مبدأها واحد، يستقيم حين يُقاس بشكله الكليّ كملاحقة للوجود السياسي التجمعي والعربي ككل، في الكنيست، ولكن في التدقيق بالتفاصيل آنفة الذكر، سنجد ثمة تغيرًا أساسيًا طرأ في السنوات الأخيرة، وهو تضييق الحيّز بين "المحكمة العليا" وبين "الهئيات السياسيّة"، لقد وصل النظام الصهيوني إلى مرحلة من الفاشيّة لا يُطالب النواب العرب فيها بعدم دعم الكفاح المسلّح الفلسطيني أو دعم المقاومة، بل بتذويت القاموس السياسي الصهيوني كذلك، بوصف النضال الفلسطيني إرهابا، وإلاّ فأنت معرض للشطب بتهمة دعم الكفاح المسلّح.

إن المقارنة بين ملفات شطب التجمع ود.عزمي بشارة عام 2003 بملف الشطب الحالي ضروري في محاولة فهم وقراءة العلاقة مع المؤسسة الصهيونية التي تقترب أكثر لتبنيّ شعار ليبرمان حول الولاء، بصورة رسميّة هذه المرة، الملفات واحدة في هدفها لكنها كاشفة عينية للتحوّل أكثر نحو التضييق والفاشيّة التي ميّزت النظام الصهيوني في العقد الأخير، ومحاصرة الوجود الفلسطيني على كل مستوياته. إن العودة لهذه  الأسئلة يخبّئ سؤالا أصعب وأكثر إرباكا، وللتجمع أكثر من غيره.  فقد برّر التجمع وجوده البرلماني والحاجة إليه لأسباب عدة، وهي ما زالت قائمة حتى الآن، وعلى رأسها أن للتجمّع أداءً برلمانيا متميّزا، لا يعترف ولا يخضع للسقف القائم ويطرح نموذجًا خاصًا للعمل البرلماني. ولا شك  أنه نجح في ذلك وما زال، وما الملاحقات لنوّابه ومحاولات شطبه ومحاصرة وجودهم إلا دليل على ذلك، لكن ومع التمعّن في التفاصيل، آنفة الذكر، وما تعنيه من تداعيات وانعكاسات حول هذا الوجود ومحاولة إفراغ ومحاصرة هذا النموذج من الأداء البرلماني، سيزيد من تحدياته بصورة لافتة، وسيضطرّه إلى مواجهة ما هو أخطر، فليست المسألة "الشطب وإلغاء الشطب" بل الثمن المنوط مستقبلا بـ"إلغاء الشطب"، والقدرة على المحافظة على هذا النوع من السلوك البرلماني المتحدي والمزعج في ظل نظام يضيق ذرعا أكثر وأكثر بهذا النموذج وسيسعى بكل جهد إما لإفراغه من محتواه وترويضه وإما لشطبه حقًا، وما يعنيه ذلك من تغيير لقواعد اللعبة من أساسه ستضطره حينها إلى مواجهة سؤال الوجود البرلماني بشجاعة إن تمّ ذلك، وربما لا يكفي الحيّز هنا للإجابة على هذه الحالة، بالرغم من أهميّتها، وربما كان الأجدر التمعّن في هذا السؤال بعيدًا عن ضوضاء الانتخابات والتزامن معها، بتروٍ وبقراءة المشهد بعمق وبتفاصيله، لا سيّما تلك التي ذكرت في هذه المادة.

التعليقات