12/04/2015 - 15:39

"اليرموك" بين منظمة التحرير ومبعوثها/ عدلي صادق

لا فرق البتة، بين من يحزّون الرؤوس، وأولئك الذين يفتكون بأجساد الأطفال الطرية، ويحولونها إلى أشلاء، بقذائف الدبابات وبالبراميل المتفجرة. فجميعهم دواعش، وإن اختلفت الرايات.

كان أحمد مجدلاني، مبعوث منظمة التحرير الفلسطينية إلى سورية، ماضياً في سياقه الأخير، المفعم حماسة لضرب خصوم النظام السوري، بكل تدرجات مواقفهم، وهذه المرة، أن يكون الفعل التدميري بمشاركة فصائل فلسطينية مع جيش النظام، بذريعة طرد داعش من مخيم اليرموك. في هذه الأثناء، قيل إن داعش الإجرامية انسحبت إلى مواقعها في حي الحجر الأسود المجاور الذي يبدأ من عند شارع 30 في مخيم اليرموك. ومعلوم أن في المخيم مجموعات فصائلية، فلسطينية، نذرت نفسها لمقاتلة الظالمين القتلة من كل صنف وتحت كل راية، في ردود أفعال على ما أوقعه النظام، وحلفاؤه وبعض أعدائه، من موت في المخيم. ولم يكن الحديث عن السياق الأخير الذي اختاره مجدلاني يقوم على تخمينات وفرضيات منطقية، رصدت مواقفه وتصريحاته خلال عدة أشهر، وإنما كانت تصريحات علنية أدلى بها هو نفسه، عندما أحس بأن مناخ الاستهجان العام من أفاعيل داعش، يساعد على الإفصاح عن المسكوت عنه من تعاطف مع النظام.

معلوم، أيضاً، أن لا فرق البتة، بين من يحزّون الرؤوس، وأولئك الذين يفتكون بأجساد الأطفال الطرية، ويحولونها إلى أشلاء، بقذائف الدبابات وبالبراميل المتفجرة. فجميعهم دواعش، وإن اختلفت الرايات.

ما أن أعلن مجدلاني عن موقف فلسطيني، باسمنا، ليس هو موقف الفلسطينيين؛ حتى سارع ناطق باسم منظمة التحرير الفلسطينية إلى دحض ما قاله الرجل، والتأكيد على عكسه تماماً. وهذا تضارب طبيعي، لا بد أن يحدث، عندما يكون الموقف، ويكون دحضه، عشوائياً لا ينبثق عن تشاور وطني، يعكس مزاج الرأي العام الفلسطيني. فموقف مجدلاني الذي أكدت قيادة المنظمة على عكسه يتساوق مع مواقف الفصائل الموالية للنظام السوري، وبعضها شارك في ضرب فلسطينيي المخيم، مع جيش النظام السوري عن قوس واحدة. بل إن هذه الفصائل، أصلاً، ترى في منظمة التحرير كائناً بات أوسلوياً وخائناً، ولم يخفف من هذه اللغة، سوى ما تميزت به قيادة المنظمة، من إبقاء موقفها على مسافة واحدة، من طرفي الصراع في سورية، وعدم تبني أي موقف، من شأنه الزج بالفلسطينيين في النزاع. وقد تقبل النظام السوري هذا الموقف الوسطي، بارتياح وتقدير، قياساً على موقف حماس الذي اعتبره الأسد غادراً ممن أحسن إليهم.

وفي الحقيقة، فاجأت الأحداث المؤلمة في مخيم اليرموك منظمة التحرير، فيما هي بلا استراتيجية عمل حيال وضع الفلسطينيين في سورية، وفي 'اليرموك' خصوصاً، وهو وضع يستحق رفعه إلى مستوى قضية دولية. فمحنة مخيمات الشعب الفلسطيني في سورية لا تُعالج بوفود الى دمشق وحسب، لأنها أمر فادح يستحق خطة عمل أوسع، وديبلوماسية فلسطينية، تشارك فيها الفصائل المقربة من إيران ومنظمة التحرير الفلسطينية المقربة من موسكو. فعندما يقصف النظام مخيم اليرموك بدون تمييز، لا بد من التوجه إلى من يحمونه ويمدونه بالسلاح والعتاد والدعم المالي والسياسي. وحتى الفصائل المتطرفة، هناك خطوط للضغط عليها عبر عواصم أقل عداءً لها. وإن كان ثمة مجموعات فلسطينية تقاتل النظام، فلا يصح معالجة أمرها نتيجة بمنطق النتيجة نفسها، لأن المعالجة تبدأ بمنطق السبب، لا النتيجة. فقد حمل فلسطينيون السلاح، بعد أن أصبح المخيم، بكل سكانه، هدفاً لنيران النظام، وبعد أن حدثت المأساة التي تزيد هولاً عن مأساة النكبة. فقد تشتت الفلسطينيون في أربع رياح الأرض، في ظروف شديدة البؤس، وحوصر المخيم نفسه، وعانى الذين آثروا البقاء والموت على الهجرة الثانية أو الثالثة والمهانة؛ من حصار خانق، لم يفتح لهم ثغرة يحصلون، من خلالها، على متطلبات الحياة الأساسية. وفشلت المحاولات الترقيعية للإغاثة، باختلاط حركة كل خط إغاثي، يشارك فيه النظام، بتدبير لوجستي عسكري، يضمر الاستفادة الميدانية من الغوث، مع حركة الانتشار والتموضع في المخيم. وفي كل مرة، كان ثبات جيش النظام، على ما يضمره، يقابله ثبات المسلحين على إحباط ما يسعى إليه النظام. وكان المخيم آخر ما يحرص عليه الطرفان!

مسألة اقتلاع داعش فيها صعوبة اقتلاع النظام. السلاح والنيران هما العامل المشترك على الجانبين. و'اليرموك' ليس وحده، من ريف دمشق الذي يشكل معضلة عسكرية لجيش الأسد. ففي الحجر الأسود الممتد جنوباً حتى بلدة سبينة، وفي غربه يقع حي القدم، هناك نحو 70 ألفاً من السكان، والسيطرة هناك للقوى المتطرفة الأسوأ، يقيناً، من نظام الأسد. ومثلما كان الفلسطينيون والسوريون سيّان، في أوقات الرخاء، فهم سيّان في أوقات الشدة، والدم النازف عربي الجنسية. وإن كان هناك مقاربة إنقاذية، تختص الفلسطينيين دون سواهم، فإن عمادها، من حيث المبدأ، هو عدم الزج بالنفس. لكن الأمر، على صعيد التفصيلات، تغير بسبب عامل الموقع الجغرافي للمخيم، باعتباره جزءاً من ريف دمشق الذي احتدمت فيه المعارك، وسيطرت فصائل معارضة. وإن كانت محافظة السويداء التي يقطنها مواطنون دروز قد نأت بنفسها ونجت، حتى الآن؛ فقد حدث ذلك لبعدها الجغرافي إلى الجنوب عن ريف دمشق ومخيم اليرموك، حيث الطريق إلى مدينة داريا التي لا تزال تستعصي على النظام، على الرغم من قربها من مطار المزة العسكري.

الدعوة إلى عمل عسكري مع النظام، بذريعة طرد داعش لا شأن للفلسطيني بها، وهي نذير موت محقق، لمن تبقى من الفلسطينيين في المخيم. فإن كان النظام يريد اقتلاع داعش التي تحاشى قصفها في بدايات عربدتها، وأطلق حلفاؤه في بغداد مقاتليها، في محاولة غبية لوسم التجمعات العربية السنية في العراق بالإرهاب؛ فليفعل النظام ذلك، ضد تجمعات داعش وخطوط إمدادها ومصادره، ولا يبدأ بمخيم اليرموك. أما التعارض بين المنظمة وموفدها، حول هذا الشأن، فله حديث آخر مؤجل، لأنه يتعلق ببنية العمل الفلسطيني وآلياته.

(كاتب فلسطيني، عن 'العربي الجديد')

التعليقات