18/05/2015 - 11:25

بنيامين نتنياهو.. لا جديد تحت الشمس../ عمر شحادة

استبق نتنياهو تشكيل حكومته بالإفراج عن أموال الضرائب المستحقة للسلطة، في رسالة تعبر أفضل تعبير عن سياسته القائمة على ما يسميه بالسلام الاقتصادي والأمني، ورغبته بأن لا تتوقف محطة الهدى للمحروقات في رام الله عن ملء مركبات الأجهزة الأمنية

بنيامين نتنياهو.. لا جديد تحت الشمس../ عمر شحادة

استبق بنيامين نتنياهو تشكيل حكومته بالإفراج عن أموال الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية، في رسالة تعبر أفضل تعبير عن حقيقة سياسته المنتظرة والقائمة على ما يسميه بالسلام الاقتصادي والأمني، ورغبته بأن لا تتوقف 'محطة الهدى' للمحروقات في رام الله عن ملء خزانات مركبات الأجهزة الأمنية.

تلك الحكومة التي أسفرت ولادتها المتعسرة عن مخلوق سياسي مشوّه، نتيجة لتزاوج عتاة اليمين والتيارات الدينية المحافظة، وهي نتيجة بقدر ما طوحت بأحلام اليقظة للبعض الذي مضى في الرهان على فوز ما سمي 'اليسار الصهيوني'، التوأم السيامي لليمين الليكودي، فهي كشفت أيضاً عن حقيقة الانزياح المتواصل نحو أقصى اليمين في مجتمع الاحتلال والاستيطان والعنصرية، وعن عمق المأزق الفلسطيني السياسي التفاوضي، واستفحال أزمة خيار وإستراتيجية أوسلو.

لقد أكدت الخطوط العريضة لهذه الحكومة التوقعات المبكرة، بأن يستغل نتنياهو التقدم الذي شهدته المفاوضات بخصوص الملف النووي الإيراني، للذهاب إلى ما يشبه السياسة الاستباقية التي تتذرع بتغير الظروف، وتفاقم ما يسميه 'المخاطر الأمنية' و'الإرهاب الإسلامي المتطرف'، للتراجع حتى عن مزاعم سابقة في خطابه عام 2009 في جامعة 'بار إيلان' حول إقامة دولة فلسطينية مشروطة، رغم المطالب والدبلومسية الدولية الداعية للحفاظ على أنشودة 'حل الدولتين' الخادع، وإستراتيجية إدارة الصراع طويلة المدى.

لا جديد تحت الشمس ما قبل انتخابات الكنيست وما بعدها، فما يسمى بأمن إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقلة أمران متناقضان جوهريا، وخطان متوازيان لا يلتقيان أبداً، هذا ما يريد قوله لنا نتنياهو، الذي وصل بلادنا قادما من بلاد 'العم سام' بحثا عن 'مكان تحت الشمس'، فضلا عما قالته رسائله التي أعقبت خطابه في الكونغرس المتعالي على الرئيس الأميركي باراك أوباما في نهاية ولايته الثانية والأخيرة، بأن 'الدولة اليهودية' ليست دولة أجنبية فيما يتصل بعلاقتها مع الولايات المتحدة، بل الحليف الأفضل والأشبه بولاية أميركية منقسمة بين حزبي الحمار الديمقراطي والفيل الجمهوري، تماما كما ينقسم أعضاء الكونغرس الأميركي بين حزبي العمل الصهيوني الليبرالي والليكود الصهيوني المحافظ.

وهي حقيقة يجب ان تكبح جماح المراهنين على الاختلاف فيما بين نتنياهو والرئيس أوباما، حول أفضلية تصفية الدولة الإيرانية أولاً أم مشروعها النووي، وتلقي الضوء على ثوابت الدعم الأميركي المطلق والمستدام لدولة الاحتلال وأمنها، وتفوقها العسكري النوعي وعلى 'مكارثية' نتنياهو الزاحفة وشبح الفاشية الذي يحوم فوق رؤوسنا.

 كما توضح ماهية حكومة نتنياهو الجديدة المتمسك بترسيخ الاحتلال وإشاعة الاستيطان واستقدام آلاف المستوطنين الجدد، والتطهير العرقي في كل فلسطين التاريخية وبخاصة في القدس والأغوار والجليل والنقب، والمتذاكي على القادة العرب بزعمه 'أن المصالح المشتركة لإسرائيل والدول العربية أمام إيران تخلق فرصة لدفع تحالفات وربما لتحقيق السلام'.

حكومة ستمضي في مناوراتها بدعوة السلطة الفلسطينية لاستئناف المفاوضات المباشرة، وبتحميل الفلسطينيين مسؤولية غياب عنوان واحد للتفاوض معه، وفي استبدالها لمعادلة مؤتمر مدريد الافتراضية - الأرض مقابل السلام، بمعادلة - أموال الضرائب مقابل الأمن في الضفة الغربية وتخفيف الحصار مقابل الأمن في غزة، لتلوح من جديد دوامة مفاوضات مسقوفة بسلام نتنياهو الاقتصادي والأمني وبدولة الحكم الإداري الذاتي السكاني في قطاع غزة ومعازل الضفة الغربية.

فيما يتسابق كثير من المسؤولين والواعظين الفلسطينيين في تحديد ما ينبغي على غيرهم وما لا ينبغي أن يقوموا به رداً على نتائج انتخابات الكنيست وحكومتها الدموية الاستيطانية، ويكتفون بوصف الواقع بدلا من تغييره، حريٌّ بنا التحرك أولاً للالتزام بمرجعية المؤسسات، كي لا تبقى قرارات المجلس المركزي الفلسطيني الأخير حبرا على ورق، والتي استبقت نتائج انتخابات الكنيست، برفضها مقايضة الحرية وتقرير المصير بالطحين الأميركي وسلام نتنياهو الاقتصادي والتسهيلات المزعومة في التنقل واستيعاب العماله، وأكدت على النهوض بمقاومة شعبنا الشاملة وملاحقة مجرمي الحرب في المحكمة الجنائية الدولية، وعقد الإطار القيادي المؤقت لتنفيذ اتفاقية المصالحة، سبيلا لتغيير ميزان القوى المختل لصالح المحتل، وعلى وقف التنسيق الأمني الذي تسعى دولة الاحتلال عبره إلى تكريس وظيفة السلطة وكيلا أمنيا وإدارة مدنية بإمرة قائد المنطقة الوسطى في 'يهودا والسامرة' تسهر على خدمة عدوها وحماية أمنه.

لا حاجة لنا في سلطة لا تغدو مهمتها الحصرية، الدفاع عن شعبها وحماية أمنه ومصالحه الوطنية العليا، وما لم تكن جزءا لا يتجزأ من مقاومته وإستراتيجيته الوطنية البديلة لإستراتيجية المفاوضات المتداعية، في التصدي لإرهاب حكومة المستوطنين الدموية ومخططاتها الجهنمية، و مَن لا يدرك ضرورة ذلك وأولوية إنهاء الانقسام، ويفتقر لإرادة الاستجابه لنداء الوحدة، واستعادة مكانة منظمة التحرير ممثلا وحيدا وقائدا لشعبنا في هذه اللحظة السياسية الفارقة والانعطافية، مشكوك في أهليته ليكون في قيادة الشعب الفلسطيني وغير مؤتمن على مصالحه.

لا بديل عن إنقاذ النظام السياسي الفلسطيني من الانفجار والتشظي، ولا مهرب من أن ينتفض الشباب والشعب الفلسطيني ليعرب عن رفض شرعية قوى الانقسام وسلطات الأمر الواقع درءاً لنكبة أخطر وأكبر، ومن أن تقال كلمة الفصل دون تردد وتسويف: وداعا للمفاوضات والحلول الثنائية، ونعم لمؤتمر دولي فعّال بديلاً لها تحت إشراف الأمم المتحدة لتنفيذ قراراتها ذات الصلة، وليس التفاوض بشأنها في مجلس الأمن الدولي من جديد، ولا مفر من تنفيذ اتفاق المصالحة دون تسويف أو انتقاء، وتشكيل المجلس الوطني الفلسطيني على أساس ديمقراطي بوصفه برلمان الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير ودولة فلسطين، ومن انتخاب قيادة وطنية واحدة موحدة لمنظمة التحرير ونضال شعبنا، بوصفها الشرط الحاسم لتتويجه بدحر الاحتلال والظفر بالحرية والاستقلال والعودة.

لن ينجح نتنياهو فيما فشل فيه آباؤه وأجداده، وفشلت فيه مذابحهم خلال سبعة وستين عاما من النكبة، بطمس هوية شعبنا وحقوقه الثابتة غير القابلة للتصرف، فشمس حرية فلسطين قادمة لا محالة، مهما توهم وأركان حكومته بأن لا جديد تحت الشمس، وجمح بهم الخيال في قدرتهم على الجمع بين الاحتلال وجرائم الحرب والمفاوضات، ووعود الرخاء الاجتماعي لناخبيهم ببركة الليبرالية الجديدة واقتصاد السوق، في كنف ما يسمونه بالدولة اليهودية في بلاد إسرائيل.

التعليقات