30/05/2015 - 09:07

غزة: الضرائب وصاروخ "الجكر" والتحرير../ مصطفى إبراهيم*

حركة حماس لم تدرك بعد حجم المأساة والمصيبة التي نعيشها، وهي مستمرة بالتمادي بالإساءة للناس ولنفسها، بدل البحث عن القواسم المشتركة ومشاركة الجميع في ما نحن فيه، والضغط على السلطة، والتنازل عن بعض مطالبها للمصلحة الوطنية تذهب وحيدة في تعميق الهوة بين الناس

غزة: الضرائب وصاروخ

لست من أولئك الذين يبشرون بالحرب أو المحبط أو المثبط للعزائم، والحطّ من قدرات الفلسطينيين والمقاومة على مقارعة إسرائيل والتصدي لجرائمها، والتجربة تقول إن المقاومة استطاعت التصدي لدورات العدوان الإسرائيلي المستمرة على قطاع غزة البائس، والذي يعاني خطر الموت اليومي وعلى حافة الكارثة، والجميع يبشر بالانفجار، ونحن من نعجل به من دون منعه او الحد منه.

منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار قبل تسعة أشهر ودرجة الحرارة في القطاع مستمرة في الارتفاع، وتنذر بالسخونة أكثر، والأيام الماضية بيّنت لنا هشاشة المجتمع أمام ارتفاع درجات الحرارة المفاجئة، خاصة من الذين يستهترون بحياة الناس، ولا يقيمون وزنا لمعاناتهم ومأساة المقاومة.

وكان للصاروخ الذي أطلق بالخطأ أو بالجكر ليضفي على المشهد الغزي سريالية جديدة من الرعب والخوف، والتي سبقها انتشار طائرات الاستطلاع بشكل فاجر لتعيد للأذهان مشهد القتل والدمار والخراب.

وقبل ذلك، وما قيل وما أشيع عن تعبيد طريق "الجكر" على مقربة من الحدود الشرقية لغزة، وما أثير حوله من استعراضات ومبالغات والتهديد باحتلال قلبة مقابل قلبة. وما قامت به بعض المواقع الإلكترونية التابعة لحركة حماس من استطلاع آراء الناس حول الموضوع، المقاومة لم تؤكد ولم تنف ذلك، وما قيل في ذكرى النكبة الـ 67 من قبل المسؤولين في حركة حماس عن قرب التحرير، والطلب من الناس الاستعداد وحزم أمتعتهم بالعودة لمدنهم وقراهم.

المتابع لتلك التصريحات والشائعات وصاروخ الجكر أو الخطأ أو المتعمد يدرك حجم الوهم والمبالغة غير الموضوعية والمنطقية التي تسوق للناس الذين يدركون أن كل ذلك في إطار الاستعراض، ومن لا يدرك حجم الخوف والرعب الذي يعيشه الناس منذ انتهاء الحرب قبل تسعة أشهر، والحال الذي وصلوا إليه من اليأس وعدم الثقة بأي كان لا يعيش في غزة ومعاناة الناس وتفسخ النسيج الاجتماعي.

المقاومة حق، وفلسطين هي للفلسطينيين مهما طال الزمن، وقناعتنا بحقنا بتقرير المصير حتمية تاريخية، المطلوب عدم بيع الناس الوهم والهم، واحترام إنسانيتهم وحقهم في حياة حرة كريمة، لكن كل هذا بحاجة إلى مراجعة حقيقية وحسابها من باب الربح والخسارة والإمكانات وموازين القوى. لكن كأن حركة حماس لا تدرك أنها وأننا نعيش في محيط معاد، ويضع كل يوم شروطا جديدة علينا، ويتمنى أن يبلعنا البحر جميعا وليست هي فقط، لكنها مصرّة على خوض معاركها وحيدة من دون الأخذ بالاعتبار أن الوقت يمر ومجتمعنا يزداد ضعفا وهشاشة وتفسخ.

وعلى ما يبدو، فإن حركة حماس لم تدرك بعد حجم المأساة والمصيبة التي نعيشها، وهي مستمرة بالتمادي بالإساءة للناس ولنفسها، بدل البحث عن القواسم المشتركة ومشاركة الجميع في ما نحن فيه، والضغط على السلطة، والتنازل عن بعض مطالبها للمصلحة الوطنية تذهب وحيدة في تعميق الهوة بين الناس.

وبدلا من التراجع، تصعد الشجرة مرة أخرى، ولم تعدم الوسيلة في توفير الأموال للحفاظ على بقائها في الحكم والسلطة، وعندما تتوجه للمجتمع المدني أو بعض الفصائل يكون الهدف هو استخدامهم لتلبية ما تريد، وتكون الاستشارة "تحصيل حاصل"، وتكون قد وضعت الخطط والبدائل وطرق كثيرة من أجل البقاء والحفاظ على تثبيت قواعدها وموظفيها، وتوفير المال والراتب لهم، مع حقهم الكامل في الوظيفة والعمل.

حماس ما زالت تفكر في صندوقها الخاص، ومصلحتها، وتتذرع بحجج كبيرة لتبرير ذلك، واستخدمت وسائل عدة، وشرعت وسنّت قوانين لفرض ضرائب وجمارك ورسوما كثيرة يدفعها المواطن وترهقه وتزيد من الأعباء المفروضة عليه، ويزداد الفقر والبطالة، ومن أجل ذلك شنت هجوما من خلال حملات إعلامية منظمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وإعلامها ضد الشركات الخاصة والبنوك، ووجهت الاتهامات لها بأنها قطط سمان، ولصوص، وأنهم يسرقون المواطن الفلسطيني، وطالبتهم بدفع الضرائب وكشفت حسابات ورواتب بعض أعضاء مجالس الإدارة في البنوك، وأنهم يتلقون رواتب خيالية على حساب الناس.

 كما جنّدت وسائل الإعلام للنبش في خزينة السلطة ولفضحها، واتهامها بسرقة أموال الناس في قطاع غزة، وأن مليار دولار تنهب من خزينة السلطة على حساب غزة خلال العام الماضي. حماس نجحت في فرض ضريبة التكافل، ومستمرة في جمع الأموال وجباية الضرائب، وما زالت مستمرة، هي تبحث عن بقائها، ولا تبحث عن بقاء وإنقاذ مجتمع مدمر اجتماعيا واقتصاديا ونفسياً، و لا يمتلك أي مقومات إنسانية لتعزيز صمود الناس أو أي تنمية حقيقية تعيد بناء الإنسان لمواجهة الاحتلال ورفع الحصار وإنهاء الانقسام.

التعليقات