08/06/2015 - 11:30

فرح نتنياهو بالمقاطعة وصناعة الأزمات/ خالد تيتي

​لا شك أن حركة مقاطعة إسرائيل المعروفة بالـBDS في تقدم تصاعدي بدأ يؤتي ثماره في الآونة الأخيرة فعليًا على الأرض، إلا أن أحد الإنجازات غير الملموسة لحركة المقاطعة هو اختراقها للوعي العالمي وازدياد الاهتمام الإعلامي المحلي والدولي في موضوع المقاطعة وخلفياته المستندة إلى استمرار الاحتلال والاستيطان ونظام الأبرتهايد الفعلي على الأرض

فرح نتنياهو بالمقاطعة وصناعة الأزمات/ خالد تيتي

لا شك أن حركة مقاطعة إسرائيل المعروفة بالـBDS في تقدم تصاعدي بدأ يؤتي ثماره في الآونة الأخيرة فعليًا على الأرض، إلا أن أحد الإنجازات غير الملموسة لحركة المقاطعة هو اختراقها للوعي العالمي وازدياد الاهتمام الإعلامي المحلي والدولي في موضوع المقاطعة وخلفياته المستندة إلى استمرار الاحتلال والاستيطان ونظام الأبرتهايد الفعلي على الأرض. فقد نجحت حركة المقاطعة فرض حضورها في مجالات مختلفة أهمها القطاع الثقافي والأكاديمي والعلاقات التجارية الرسمية، إضافة إلى إيجاد حلقات وصل زادت من الضغط على الشركات التجارية في القطاع الخاص.

ولكن ثمة وجه آخر لهذه الضجة الإعلامية والزخم في تغطية تبعات حركة المقاطعة، إذ تستغل إسرائيل ماكنة علاقاتها الدولية المتشعبة في استثمار هذه الضجة لصالحها وتحويل خطر المقاطعة إلى خطر وجودي وإستراتيحي من العيار الثقيل على المدى القريب، متجاهلة مدى تأثير تأجيج هذا الزخم على المدى البعيد.

ويعود هذا النهج إلى عوامل عدة أبرزها منفعة شخصية لنتنياهو في صراعة المستمر على إحكام سيطرته في المؤسسة الحاكمة كرأس الهرم الذي لا بديل عنه ولا غنى، وإلى نشوء ظروف دولية جديدة تتلاشى من خلالها، شيئا فشيئا، نظرية التهديد الوجودي لإسرائيل. فبعد دخول المجتمع الدولي في محادثات حثيثة مع نظام الجمهورية الإسلامية في إيران وتوصلها إلى اتفاقيات مبدئية تؤسس لتوقيع اتفاق مع إيران ينهي اللغط حول مشروعها النووي ويفرغه من المضمون، تلاشت ورقة إيران وتفجرت فقاعة التهديد الإيراني التي شكلت حجر الزاوية في السياسة الإسرائيلية الخارجية والتي لطالما انشغل بها نتنياهو وأشغل بها العالم والمجتمع الإسرائيلي ملوحا بها كتهديد وجودي وكأن الصواريخ ذات الرؤوس النووية ستحط في تل ابيب غدا صباحًا. وإذا ما أضفنا إلى ذلك تآكل حضور القضية الفلسطينية كقضية مركزية وتهميشها في ظل الاقتتال الحاصل في العالم العربي بعد الثورات، والهدوء النسبي على الحدود مع قطاع غزة فيبدو أن الاحتلال الإسرائيلي بات مكشوفًا لاستحقاقات دولية على المدى البعيد. الأمر الذي ينذر ببداية حقبة انشغال العالم بالاحتلال والأبرتهايد الإسرائيلي، بدلا من الانشغال بأمن إسرائيل ووجودها في المنطقة كدولة شرعية. 

أما على صعيد المنفعة الشخصية التي يتوخاها نتنياهو من تأجيج تهديد المقاطعة فهو يحاول الآن جاهدًا تحويل المقاطعة إلى تهديد وجودي، كنظرية مسيطرة وحاسمة تشكل تيارا مركزيًا في المجتمع الإسرائيلي وإجماعًا سياسيًا يلتف حوله خصومه السياسيين عامة واليساريون منهم خاصة، بهدف إسكاتهم وإخماد سخطهم بعد الانتخابات الأخيرة والتي انتقل بعدها وزراء مركزيون ومؤثرون يملكون علاقات دولية جيدة إلى المعارضة، كتسيبي ليفني ويائير لابيد. إضافة إلى هرتسوغ زعيم المعارضة وحتى زهافا چلؤون رئيسة حزب ميرتس اليساري الليبيرالي. فبعد أن كان أمر المقاطعة 'موضوعًا يساريًا' استثمره خصوم نتنياهو لمهاجمة سياسته الخارجية، ها هو نتنياهو يحوله إلى موضوع إجماع لا يستطيع خصومه إلا أن يتصدوا له بقوة حتى وإن هاجموه ظاهريًا.

ويخوض نتتياهو المعركة بأدواته التقليدية المعروفة عبر التهويل الإعلامي واستغلال علاقاته لتجنيد سفراء النوايا السيئة من الممولين ورؤوس الأموال اليهود في الولايات المتحدة وفي مقدمتهم إديلسون وسابان، منفذا بذلك ثقافة 'السوبر تانكير' لمعالجة القضايا الكبيرة، ومرسخا لشخصيته كملك إسرائيل من دون منازع.

ولا تقتصر سياسة تجنيد وإخضاع الرأي العام هذه على قدرات نتنياهو الخطابية أو استدراج خصومه ليعملوا لصالحة مرغمين فحسب، بل إن الصحافة الإسرائيلة أجبرت ان تسير مع القطيع خاصة تلك المعادية لشخص نتياهو كصحيفة 'يديعوت أحرونوت' التي بدأت حملة سميت بحملة 'مقاطعة المقاطعة' بمحاولة منها إلى الانصياع للإجماع الوطني الإسرائيلي، وحتى صحيفة 'هآرتس' بدأت بتغطية المقاطعة بطريقة تتسم بانعدام القراءة النقدية لسياسة إسرائيل. هذا علاوة على احتلال إديلسون وسابان لنشرات الأخبار المركزية قبل يومين.

لا ينفك نتنياهو عن استعمال جميع الأدوات لإحكام سيطرته على الرأي العام الإسرائيلي بهدف الاستمرار في الحكم في معركة صراع البقاء، ومن غير المستبعد أن نتنياهو عازم على البقاء في رأس الهرم السياسي في إسرائيل لسنين طويلة أخرى، خاصة في ظل الحكومة الضيقة الحالية التي لن يستمر وجودها طويلا، وهو على استعداد إذا بأن 'يحفتي' بالمقاطعة لتحويلها إلى 'قضية إيران' أو القضية اللاسامية الجديدة. ليس هذا تقليلا من دور حركة المقاطعة، التي كما قلت سيكون لها ما لها على المدى البعيد، إلا ان الجمهور الإسرائيلي بات يتجرع الخوف كل صباح، فلا يوجد إذا أفضل من تهديد المقاطعة وتراث الحرمان المتجذر في العقلية الإسرائيلية، كي يستمر نتنياهو في حكمه.

التعليقات