22/07/2015 - 13:02

حول العنف في فلسطين../ مصطفى ابراهيم*

إن إعادة الاعتبار للمشروع الوطني، وإنهاء الإنقسام لمواجهة الاحتلال والحصار، والسماح بحرية العمل السياسي، ووقف الاستبداد وسياسة التفرد والإقصاء والقمع والانتهاكات والملاحقات والتقييد على الحريات العامة وحرية التعبير، والتعامل مع المواطنين كمواطنين أحرار وليس كعبيد مسلوبي الإرادة، والاهتمام بالقضايا الوطنية المغيبة لصالح تفاصيل الناس المعيشية والجري خلف لقمة العيش، واحترام سيادة القانون، مدخل للحد من ظاهرة العنف

حول العنف في فلسطين../ مصطفى ابراهيم*

يبدو أن المعركة تدور الآن في فلسطين على الهوية والوطنية الفلسطينية وتمزقها ليس سياسياً فقط إنما اجتماعيا،ً وهذا مخيف جداً وخطير، ويؤسس لما هو أسوأ من الحاضر السيئ. ربما لا أستطيع أن أكتب تأصيلا مبنيا على إحصاءات أو دراسات علمية تظهر حجم التفكك في النسيج الاجتماعي والمشكلات الخطيرة بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وتفشي ظاهرة العنف.

هذا عدا عن العنف المسلح التطرف والأفكار المنحرفة بين الشباب في الحركات الإسلامية، وتأثير التنظيمات والجماعات الإسلامية المتطرفة والمسلحة عليهم، وانضمامهم إليها، والأوضاع في فلسطين خاصة في القطاع تشكل تربة خصبة لهم.

لكن يكفي النظر إلى البيانات النادرة التي تصدرها الشرطة في الضفة الغربية والقطاع أو منظمات حقوق الإنسان أو التقرير الشهري الذي تصدره الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان حول حال حقوق الإنسان والعنف الممارس من الناس على بعضهم من الاعتداءات على الحق في الحياة والقتل بفعل الشجارات أو استخدام السلاح والظواهر الاجتماعية التي تتفشى في المجتمع، وعنف السلطات الحاكمة والانتهاكات التي تمارسها على حقوق الإنسان، عدا عن عنف الاحتلال وممارساته وجرائمه الخطيرة ضد الفلسطينيين، ومدى خطورة ذلك، والذي يتعاظم منذ الانقسام بأشكال مختلفة ضد الخصوم السياسيين من الطرفين وبشكل ثأري وانتقامي من طرفي الانقسام.

وقد يقول قائل إن العنف في المجتمع الفلسطيني ظاهرة قديمة قدم الشعب الفلسطيني ومشكلاته و طبيعته العائلية والعشائرية والتمييز بين مواطنين ولاجئين، ومدني وحضري، وبدوي وفلاح، وعدم قبول الآخر والحقد والكراهية والتربية الحزبية المقيتة و القائمة منذ النكبة وقبلها، وغياب نظام سياسي فلسطي يوحد ولا يفرق، كما هو قائم الآن بفعل الانقسام الذي كشف عورة الفلسطينيين جميعهم، وعدم قدرتهم على توحيد أنفسهم، ولملمة ما تبقى منهم، سواء في فلسطين أو مخيمات الشتات وأماكن هجرتهم التي تتعاظم أيضا بفعل ما يجري في محيطهم العربي، ويكون الفلسطيني الحلقة الأضعف في دفع الثمن.

في بيان للشرطة في حكومة الوفاق في الضفة الغربية قالت إنها تعاملت مع 974 شجارا منذ بداية شهر رمضان، كما قتل 5 مواطنين، وأن هذه الشجارات كانت جراء أسباب بسيطة ولا تستدعي استخدام هذا العنف. وفي غزة لم تصدر الشرطة تقريرها، والعنف والشجارات تزداد في رمضان شهر الرحمة والمغفرة وقلة صبر الناس وعدم استخدام العقل، و ربما يكون العدد قريبا مما جرى ويجري في الضفة.

العنف في تعاظم و ازدياد من دون أي رادع أخلاقي أو قانوني، واستسهال استخدام العنف بالاعتداء بالأسلحة البيضاء والنارية ووسائل أخرى.

ظاهرة العنف تعبر عن قلق حقيقي وخطير، لكن للعنف أسباب نفسية و اجتماعية واقتصادية، وما يرافق ذلك من ازدياد نسب الفقر والبطالة المستشريين في المجتمع الفلسطيني وقلة الحيلة، و غياب سيادة القانون وعدم قدرة السلطة على خلق فرص عمل.

الانقسام وما نتج عنه من تدهور في العلاقات الاجتماعية والأوضاع الكارثية الصعبة التي يعيشها الناس، وما يرافقها من أمراض نفسية كالإحباط والاكتئاب وتأثير الأوضاع السياسية عليهم وعجز السلطة وعدم إيفاء الحكومة بتعهداتها، و حصول الناس على حقوقهم، والخدمات السيئة المقدمة لهم من أزمة الكهرباء في قطاع غزة المستمرة منذ سنوات في القطاع وغيرها من الأزمات التي لا تعد ولا تحصى، وتأثير ذلك النفسي والعصبي على حياتهم، وعدم قدرتهم على الاحتمال ومقاومة كل هذا العنف الممارس عليهم من الأحتلال، والحصار المفروض على الناس منذ ثماني سنوات، وتقييد حركتهم ومنعهم من السفر، ودورات العدوان المستمرة على القطاع، وما خلفه من دمار وقتل وصدمات نفسية وعصبية.

أو ما يمارسه من انتهاكات جسيمة في الضفة مثل الاستيطان والاعتقالات والحواجز، أو ما تقوم به السلطات الحاكمة في الضفة والقطاع من استبداد وتفرد وممارسات تمس بحقوق الإنسان من غياب حرية العمل السياسي والحريات العامة وقمع حرية الرأي والتعبير، في ظل غياب الأفق السياسي وانعدم الأمل في إنهاء الانقسام.

إن إعادة الاعتبار للمشروع الوطني، وإنهاء الإنقسام لمواجهة الاحتلال والحصار، والسماح بحرية العمل السياسي، ووقف الاستبداد وسياسة التفرد والإقصاء والقمع والانتهاكات والملاحقات والتقييد على الحريات العامة وحرية التعبير، والتعامل مع المواطنين كمواطنين أحرار وليس كعبيد مسلوبي الإرادة، والاهتمام بالقضايا الوطنية المغيبة لصالح تفاصيل الناس المعيشية والجري خلف لقمة العيش، واحترام سيادة القانون، مدخل للحد من ظاهرة العنف.

التعليقات