25/07/2015 - 18:25

الشيخ والشيخ وما بينهما/ عمار أبو قنديل

في ظلّ غياب خطاب معرفيٍّ جديد على صعيد الاعتماد على الدراسات الاجتماعيّة والأنثروبولوجيا والأخرى الفلسفيّة الحديثة، وهي أدوات ما زلنا نفتقدها داخل الوسط الإسلاميّ حتى يومنا هذا، إذ تعتمد بعض الحركات الإسلاميّة على العموميات البلاغية والتص

الشيخ والشيخ وما بينهما/ عمار أبو قنديل

في ظلّ غياب خطاب معرفيٍّ جديد على صعيد الاعتماد على الدراسات الاجتماعيّة والأنثروبولوجيا والأخرى الفلسفيّة الحديثة، وهي أدوات ما زلنا نفتقدها داخل الوسط الإسلاميّ حتى يومنا هذا، إذ تعتمد بعض الحركات الإسلاميّة على العموميات البلاغية والتصورات التاريخيّة والارتباط السلبي بالموروث والبرغماتيّة في التعامل التي بدورها تحرُّك بعض كوادرها بعقليّة التعنّت والاستكبار، ممّا يدفع إلى تفاقم الغلوّ والتعصّب تحت مظلّتها واتّخاذ الإقصاء مذهبًا لها.

بين النقد الذاتيّ والعاطفيّة، بما تحملها من دغدغه لمشاعر العموم، تعيش حركة الإخوان المسلمين العالميّة أزمة حقيقيّة تتجلى إحداثياتها في انعدام مشروع بناء وتنظيم دولة، وفي صلبها صراع داخليّ بين مدرسة الإخوان القديمة الّتي تشهد انتعاشًا بعد تصليح علاقتهم مع السعوديّة، وهي مدرسة القطيعة مع القوى التحرّريّة الوطنيّة وبين المدرسة الجديدة الأكثر انفتاحًا والّتي تتعامل مع المختلف بتقبُّل ومسؤوليّة وطنيّة على غرار مدرسة أحد القادة التاريخيّين لحركة النهضة في تونس الشيخ عبد الفتّاح مورو.

ظهرت نتوءات هذا الصراع الحديث القديم عندما دشّن "محمّد منتصر" المتحدّث الرسميّ للإخوان المسلمين في مصر وسم "الجماعة أقوى"، هذا التصريح مثّل ذروة جدل حادّ بين جيل الشباب في جماعة الإخوان، ورموز الجيل الذي قاد الجماعة خلال السنوات الماضية، وقد اُتّهِم رموز جيل الشباب آنذاك بمحاولة الانقلاب على القيادة الجديدة للإخوان.

السؤال الّذي يطرح هنا: هل نحن بصدد صراع شبيه؟ وهل ثمنه النسيج الوطنيّ؟

يمكن ملاحظة عوارض هذا الصراع تتجسّد من خلال متابعة صحيفة "صوت الحقّ والحرّيّة" الّتي تقرأها وتستغرب وتتساءل أين هي من الحقّ وأين الحرّيّة منها. في أوّلها "وعيد" وفي آخرها "حصل خير".
نشرت الحركة الإسلاميّة بيانا تدعو فيه للقاء والتحاور، وهنا أذكر أنّ رئيس حزب التجمّع الوطنيّ الديمقراطيّ، واصل طه، كان أوّل من دعا لهذا اللقاء، بهدف فتح طاولة نقاش وكان ردّ الشيخ رائد صلاح آنذاك ردًّا مباركًا فيه أطنان من الخير، يمكن ملاحظة الفوارق بين خطاب الشيخ رائد صلاح ودعوته للتمسّك بالثوابت والحذر من المزاجيّة، والذي يستهلّ في دعوته ويقول: "أنا وأنتم ما جئنا لنوزّع شهادات الإيمان والكفر على هذا الآخر من مكوّنات مجتمعنا الفلسطينيّ في الداخل، وما جئنا لنوزّع عليه صكوك الغفران والنيران، ولا صكوك الوطنيّة والخيانة، ولا صكوك التقدّميّة والرجعيّة، ولا صكوك الحداثة والتخلّف، ولا صكوك التوافق والإقصاء، ولا صكوك الوعي والعدميّة، ونرحّب في نفس الوقت بكلّ دعوة تدعو إلى مبدأ الحوار القائم على الحجّة والدليل والجدال بالّتي هي أحسن، كما ونرحّب بكلّ دعوة ثانية تدعو إلى التنافس العمليّ الجاد في خدمة مجتمعنا الفلسطينيّ في الداخل".
 يمكن استشعار خطاب مسؤول عقلانيّ متوقّع من قيادي يهمّه النسيج الوطني. في المقابل، نشرت مقالة للشيخ كمال خطيب والّتي يستهلّها بأوصاف مثل "الغصن المبارك" يخيّل للقارئ أنّه يتعامل مع شجرة محرّمة يمنع المساس بها وفي هذه الحالة انتقادها. ويستمرّ بأوصاف مثل "دعاة الوطنيّة" ويوصمها بأنّها تعادي الإسلام كأنّ من ينتقد الحركة وممارستها كأنّه ينتقد الإسلام، وهنا أقول: يا شيخ لا أنت ولا الحركة معصومين.

تكمن خطورة مقالة خطيب في نهايتها المزركشة بالأحمر والّتي يدّعي بها ويقول: " فإنّني أقول لمن قالوا مشكلتنا مع الحركة الإسلاميّة وليست مع الإسلام، بماذا تختلفون عن جورج بوش وأوباما ونتنياهو وكلّ قادة الغرب الّذين يقولون "مشكلتنا ليست مع الإسلام وإنّما مع الحركات الإسلاميّة الإرهابيّة؟ لن أتردّد في القول إنّكم وإيّاهم مشكلتكم واحدة؛ إنّها مع الإسلام ليس إلّا، فهنيئًا لكم هذا التحالف". الشيخ يتّهمنا بكلّ وضوح أنّنا والاحتلال والعصابات الأميركية في صفّ وسلّة واحدة. هذا تجنّي وكلام يحمل في طيّاته تضليل وتدليس واضح وسافر، إذ أنّ الشيخ يوزّع صكوك الغفران والنيران، صكوك الوطنيّة والخيانة وهو تمامًا ما نهى عنه الشيخ رائد صلاح أعلاه، فمن نصدّق؟

هناك من يقول أنّه تقسيم أدوار، لكنّني أؤمن أنّه خلاف، والسؤال هل يكون النسيج الوطنيّ هو الثمن؟ هل المصلحة تقتضي التفريط بالتربة الّتي تجمعنا؟

وعلى نفس النغمة تتصدّر الصحيفة أيضا مقالة بعنوان "من يُسكت حنين زعبي" عنوان غريب لا يتلاءم مع فكرة "صوت الحرّيّة" المزعوم، عنوان استعلائيّ ذكوريّ مقيت.
 يا أخي صاحب المقال نحن لا نتبع سياسة الإسكات، فالسكوت عن الحقّ شيطانٌ أخرس وللجميع حقّ الكلام والتعبير عن الرأي، ونعتمد المحاججة والمجادلة لا المكابرة والاستعلاء، نؤمن بلغة الحوار والنقاش ولا نؤمن بمنطق القطيع والوصاية، فلن تجد من يُسكت حنين لأنّ صوتها ثورة ومطلبك بحدّ ذاته هو العورة.

في النهاية أقول أنّ أمامنا الكثير من التحدّيات السياسيّة والوطنيّة، الاحتلال يتربّص لنا بمخطّطاته، علينا أخذ زمام الأمور بشكل جدّيّ وفتح حلقة نقاش مستديرة تحت سقف أخويّ ووطنيّ مسؤول والحفاظ على ما يجمعنا وتطويره إلى سبل وآليّات لمواجهة الاحتلال. ولن نقبل التفريط بهذا النسيج لأيّ مصلحة دنيويّة حزبيّة أو شخصيّة كانت وعلينا لجم ونبذ كلّ هذه المحاولات وأصحابها، وبالتالي تعريتهم والدفع نحو إحقاق مشروع جامع يكمن بإعادة مأسسة لجنة المتابعة عن طريق التصويت المباشر من قبل الجماهير الفلسطينيّة والّذي سيشكّل في دوره صمّام أمان لنقاشاتنا وحواراتنا.

تزامنًا مع ثورة 23 يوليو أقتبس ما قاله القائد جمال عبد الناصر: "إنّ النصر عمل والعمل حركة والحركة فكر والفكر فهم وإيمان وهكذا فإنّ كلّ شيء يبدأ بالإنسان" فلنبني ونحمي هذا الإنسان.

التعليقات