06/08/2015 - 15:52

مشوار الحوار الجديد بحاجة لـ"إرادة شعب"/ د. منصور عباس*

جرى وتجري هذه الأيام لقاءات ثنائية بين القوى السياسية العربية في الداخل، نرجو أن تستمر وترتقي لمستوى الحوار البناء الذي يتطور ليتحول إلى حوار جماعي متعدد الأطراف وشامل، يعالج القضايا الطارئة والمزمنة بالنسبة لواقعنا المحلي وعلاقاتنا البينية وعلاقتنا مع الآخر.

مشوار الحوار الجديد بحاجة لـ

د. منصور عباس

جرى وتجري هذه الأيام لقاءات ثنائية بين القوى السياسية العربية في الداخل، نرجو أن تستمر وترتقي لمستوى الحوار البناء الذي يتطور ليتحول إلى حوار جماعي متعدد الأطراف وشامل، يعالج القضايا الطارئة والمزمنة بالنسبة لواقعنا المحلي وعلاقاتنا البينية وعلاقتنا مع الآخر.

على طاولة اللقاءات يتم الحديث عن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية وأوضاع القائمة المشتركة ومستقبلها والوضع العام للمجتمع العربي، خصوصا بعض الظواهر المقلقة في المجتمع العربي كالعنف وحالة الاستقطاب والحدّة في التخاطب البيني بين أصحاب التوجهات المختلفة في القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية، وصولا أحيانا إلى إلقاء التهم والشتائم المتنوعة من تخوين وتكفير وسباب بأقسى الألفاظ والعبارات.

لقد عشنا مثل أجواء اللقاءات هذه قبل أشهر عدة عندما بدأنا مثلها لتشكيل ما يعرف اليوم بالقائمة المشتركة، وأذكر أن الأجواء كانت مشحونة ومكهربة، والأفكار مشتتة والنوايا مشكك فيها، وكل متربص ومتمترس في مواقف مسبقة وأفكار نمطية، والمسار صعب وفيه الكثير من العقبات والحواجز الملقاة في الطريق، والمثبطون والمشككون والمعطلون ما أشد تفانيهم في إفشال الوحدة والتحالف السياسي المرتقب، فماذا كانت النتيجة؟.

النتيجة كانت أننا اكتشفنا أننا كأبناء لشعب فلسطيني واحد أقرب إلى بعضنا مما نظن في مواقفنا وأهدافنا العامة وقضايانا المصيرية الكبرى، وأن الصراع الحقيقي والتناقض الأكبر ليس بيننا وإنما بيننا جميعا وبين السلطة الغاشمة التي احتلت أرضنا وسلبتنا حقوقنا وما زالت تمارس ضدنا سياساتها الاحتلالية والعنصرية، أما ما نختلف عليه وفيه، فلا شك أنه معتبر ومهم ولا يستهان فيه أبدا وأحيانا يثير الغضب والحنق، ولكن يمكن أن يدار من خلال آليات إدارة الخلاف والاختلاف، من خلال الحوار واللقاء وتحكيم القيم والمبادئ والمصالح العليا وتغليب ما يجمع على ما يفرق.

أعتقد أننا قادرون اليوم وبكل ثقة على تحقيق نفس الهدف والوصول إلى نفس النتيجة حتى لو اتسعت الشقة وتعددت أطراف الحوار لتشمل جميع قوانا السياسية، من يشارك ومن يقاطع الانتخابات العامة والقائمة المشتركة، من يتمسك بمشروعه الإسلامي ومن يتمسك بمشروعه العلماني، ببساطة كما لم يكن أمامنا غير خيار واحد وطني مسؤول هو تشكيل القائمة المشتركة، كذلك اليوم ليس أمامنا غير خيار منطقي وطني واحد مسؤول هو الاتفاق حول مجمل القضايا العامة الأساسية وإنجاز ما ينبغي إنجازه في ملف لجنة المتابعة وتطوير وتفعيل دورها ثم التقدم لصياغة خطاب وطني وحدوي جامع نلتف حوله ونحتكم إليه جميعا.

باختصار وبصراحة إن أردنا الحفاظ على جماعتنا الوطنية الفلسطينية ليس أمام الحركة الإسلامية بجناحيها الشمالي والجنوبي إلا أن يصطلحا إن لم يتوحدا، وأن يكفا عن حلم إفناء الآخر أو نزع الشرعية الإسلامية عنه، وأن يرتبا البيت الإسلامي ويطورا الخطاب الإسلامي ليرتقي لمستوى الإسلام العظيم الذي ينشدانه كإطار جامع للأمة يحميها من الزيغ عن الصراط ويحصنها من الغلو والتطرف. وليس أمام الجبهة والتجمع كذلك إلا تجاوز صراعها المرير والمنفلت أحيانا والمتأثر من رواسب التاريخ والأشخاص عبر سنين طويلة من المزاودات والمناكفات، رغم أني لا أقلل من أهمية ما يطرح من نقاط اختلاف بينهم جميعا.

نحن نحتاج خطاب "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" الإسلامي، ونحتاج خطاب الجبهة الديمقراطية الداعي للسلام والمساواة المجتمعي الداخلي، ونحتاج خطاب التجمع الوطني الذي يركز على بناء الجماعة الوطنية والتصرف كشعب واحد موحد.

حتى نستطيع أن ننجح في مشوارنا الجديد نحن بحاجة إلى إرادة شعبنا الفلسطيني في الداخل، هذه الإرادة التي قادت مسيرة تشكيل القائمة المشتركة وشكلت عامل الضغط الأساسي والحقيقي على صانعي القرار في الأحزاب المشاركة. نحن بحاجة إلى الإرادة الشعبية التي تمثل الوعي والإدراك والحس الوطني الوحدوي المسؤول الذي يعرف ما معنى أن نكون شعبا واحدا مستضعفا ومسلوب الحقوق وواقعا تحت سلطة عنصرية تريد سلبه هويته ووعيه الوطني والديني.

نحن بحاجة إلى خطاب فلسطيني إسلامي ووطني وإنساني متجاوز القوالب المعروفة والمتمترسة في خنادق وهمية مصطنعة، تفرضها علينا صراعات طويلة ومستمرة في عالمنا العربي وتغذيها جهات سيادية وأخرى مأجورة في داخلنا الفلسطيني، لسنا بحاجة للدفع بمواضيع الخلاف والاختلاف إلى صدارة المواجهة بين بعضنا البعض وليعبر كل من شاء عن موقفه وقناعته من غير تعريض ولا مزاودة ولا مناكفة ولا اتهام للآخر وليترك للمجتمع الفلسطيني في الداخل يختار طريقه وموقفه وقناعته.

ينبغي ألا نخاف من بعضنا بل على بعضنا، لا أخاف من التيار الإسلامي الداعي إلى الخير والصلاح والإصلاح والذي يتفانى في خدمة أبناء شعبنا في كثير من المواقف والمناسبات ويحترم كل طوائف شعبنا ومذاهبه وقواه السياسية والمجتمعية ويسعى للتواصل معها، لا أخاف عليه من التطرف والغلو لأني أعرف أنه أسس على قواعد الشرع الإسلامي الحنيف وأنه متمسك بنهجه الوسطي القويم، ولو ظهر ملمح من ملامح التطرف والغلو فسرعان ما يرده مشايخه الأعلام الثقات إلى الصراط المستقيم.

وكذلك لا أخاف من التيار العلماني الوطني الداعي إلى قيم إنسانية سامية ويتصدى لمواجهة الأفكار والمواقف والمشاريع العدوانية والعنصرية والفاشية للحركة الصهيونية، ولا يتجاهل هويته العربية والإسلامية ويعتد بها، ولا أخاف عليه من نزعة الإلحاد المحدودة والمحصورة جدا والتي تريد أن تجعل تناقضه مع الدين والإيمان لا مع الفاشية والعنصرية والاحتلال.

أعتز بحركتي الإسلامية التي أنتمي إليها وبقدرتها على تقديم خطاب إسلامي وطني وإنساني يتجاوز الاعتبارات الحزبية والفئوية ويتقدم لصياغة مشروعنا الوحدوي الجامع، وهي تمارس هذا الدور بجدارة واقتدار تحت عين فضيلة شيخنا المؤسس عبد الله نمر درويش وشيخنا الرئيس حماد أبو دعابس وإرشاد مجلس شوراها القطري، حتى لو دفعت أحيانا ثمنا لهذا الدور المتميز، فعذرا من الأخوة الذين لا يدركون غاياتنا ومقاصدنا النبيلة ومعذرة للإخوة الذين يسيؤون الظن فينا، هذا ما تعلمناه من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله رحمة للعالمين وهاديا إلى صراطه المستقيم، وهو وفق فهمنا البشري لكلام ربنا سبحانه وتعالى وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم.

قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) صدق الله العظيم. 

*نائب رئيس الحركة الإسلامية

التعليقات