12/08/2015 - 14:45

كما مع الأرض كذلك مع الإنسان../ منيب طربيه

مخطئ من ظن أن مشاغل الحياة والهرولة وراء لقمة العيش، أنست الفلسطينيين لقضيتهم، وأن مغرياتها أوجدت خللا في سلم الأولويات لدى فلسطينيي البلاد، إنما تبقى القضية الفلسطينية على رأس سلم الأولويات والنضال للحصول على كامل الحقوق شرط أساسي للاستمرارية في العيش بهدوء

كما مع الأرض كذلك مع الإنسان../ منيب طربيه

اعتادت المؤسسة الإسرائيلية، حتى بمحاولات ممارستها للإنسانية مرغما أخاك لا بطل، أن تستعمل أساليب طالما تبنتها لمحاولة تلميع صورتها أو منعا لتشويهها مستقبلا بسبب أزمة متوقعة هنا وهناك أمام "العالم الحر".

فمنذ اليوم الأول لقيام الكيان الإسرائيلي وهو يتبع سياسة "العصا والجزرة" ليتبين وجه آخر من الذي حُفِر في ذهن وعقل العالم بسبب الممارسات القمعية التي مارسها الكيان على مرّ سنوات. 

إن وضع المؤسسة الإسرائيلية لا تحسد عليه، فالقمع والتهميش أصبحا واضحين للعالم، فلم يعد يخفى على أحد أن من ابتدأ بالبطش بأصحاب الأرض الأصلانيين منذ عشرات السنين، لم يغير من سياسته حتى اليوم. 

ففي سياسة مصادرة الأرض لم تأبه المؤسسة الإسرائيلية بأن لها أصحاب ولم تلتفت لمطالبهم، ومع مرور الوقت بان أن هناك أراضي ما زالت مسجلة بأسماء أصحابها العرب الفلسطينيين، الأمر الذي لم يرق للمؤسسة، فاتبعت عدة وسائل احتيال وتلاعب على أصحاب الأرض، كان آخرها بث الأكاذيب بين الناس عن طريق أبواق السلطة المقنعين المحليين.

مؤخرا تتردد أقاويل بأن الأرض التي صودرت في سنوات الخمسينيات والستينيات، لا يحق لأهلها التعويض بعد تاريخ أقصاه آذار/مارس من العام 2016، مما جعل عملية ضم الأراضي أسهل بحيث تدفق الناس لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان. 

إن ما لم تنجح السلطة بتمريره بشكل مباشر مررته على يد وكلائها المحليين بصورة لبقة وسلسة. 

لم تعد تستطع المؤسسة أن تبطش وتصادر الأراضي بشكل عشوائي، خصوصا وأنها تحت المجهر من قبل العالم الحر، ولكي تبقى صورة المؤسسة ناصعة لم تعد قادرة على تلطيخ أياديها بحيث تقوم بإغراء بعض ضعفاء النفوس ماديا، وهم بدورهم يقومون بذلك في الوقت الذي يتبين للمراقب وكأن للمؤسسة لا ناقة ولا بعير في الأمر، وكل ما هناك هو تعويض أخلاقي للمواطنين من ناحية، ومن ناحية أخرى هي صفقات بين المواطنين لا دخل للمؤسسة بها.

معركة الإنسان 

اليوم وبعد أن تمكنت آليات البطش والقمع في السيطرة على الأراضي ومصادرتها بطرق عدة مثل المصادرة المباشرة بحجج عديدة، أو عن طريق وكلاء من أبناء جلدتنا، وغيرها من الطرق، بدأت بتطوير مسار السيطرة على العقول والأمعاء.

فبعد مسار مصادرة الأراضي منذ سنوات، تستمر المؤسسة بالسيطرة على العقول والنفسيات وحتى الأمعاء، فمن لم يقتنع يجب أن يقتنع حتى ولو عنوة. فمن بطش وقمع لم يعد يأبه لغير هدفه، وهو الخروج من الأزمة العينية. فمحاولة إطعام الأسير عنوة نابعة من عقلية قمعية استعلائية بنفسية مرضية على أنها قادرة على كل شيء وهي الآمرة الناهية، متجاهلة وجود من يتعارض معها ومع نهجها أصلا. 

يحاول الكثيرون تفسير ما يحدث مع الأسير محمد علان ومع محاولة تغذيته قسريا، وأين يندرج ذلك. 

كثيرون يرون بذلك محاولة أخرى عبثية لقمع الشعب الفلسطيني ونضاله، ولكنه أكثر من ذلك بكثير، فهو مرحلة من المراحل الممنهجة في قمع وبطش كل ما يتناقض مع المؤسسة ومشروعها من ناحية ومحاولة أخرى في شد الخناق والحصار وجلد الذات الذي تنتهجه السلطة بدءا ببناء الجدار الفاصل الذي هدف إلى فصل الفلسطينيين عن بعضهم وتقسيمهم، مرورا بمحاولة محو القضية الفلسطينية من الذاكرة ومصادرة كل ما هو فلسطيني، وصولا إلى السيطرة حتى على العقول والأمعاء، عمليا بالإضافة إلى قمع كل ما هو فلسطيني، تقوم المؤسسة بمحاصرة نفسها بأساليبها القمعية التي تنعكس عليها سلبا، حيث أنها تنتهج أساليب القمع والحصار لتفكك مجتمعها وابتعاده عن القيم والأخلاق الإنسانية.

إن النقاش الأخير الذي وصل إليه الشارع الإسرائيلي ليس مفاجئا، إنما هو استمرارية لنقاشات متتالية تعمل على ترويض كل معارضة للكيان ولكل محاولة للوقوف في وجهه. 

هناك البعض ممن ما زالوا يظنون أنهم قادرون على كل شيء، متجاهلين أن الشعوب المقموعة هي منبع مستديم للأشاوس والمقاومين بالفطرة، فرغم كل المحاولات لطمس الحقائق والروح المقاومة سيبقى هناك أبطال تفخر بهم الأمم لا ينكسرون ولا يتوانون في إكمال المسير لتحرير الأرض والإنسان.

مخطئ من ظن أن مشاغل الحياة والهرولة وراء لقمة العيش، أنست الفلسطينيين لقضيتهم، وأن مغرياتها أوجدت خللا في سلم الأولويات لدى فلسطينيي البلاد، إنما تبقى القضية الفلسطينية على رأس سلم الأولويات والنضال للحصول على كامل الحقوق شرط أساسي للاستمرارية في العيش بهدوء.

تحاول المؤسسة الإسرائيلية أن تبين للعالم وجها حسنا، ولكنها سرعان ما تخفق في مسار تلميع صورتها، بحيث أنها لا تستعمل إلا البطش ولا تتقن غيره في مواجهة الإرادة الفلسطينية. 

فمنذ اليوم الأول لقيام الكيان الصهيوني لم تتوان المؤسسة عن انتهاج أساليب القمع للقضاء على كل حالة نضالية فلسطينية. ولم يعد يحتمل الكيان الصهيوني صلابة وإرادة الشعب الفلسطيني وحبه للحرية مثله كمثل باقي شعوب العالم المقموعة التي لا تتنازل عن حقها في الحياة بكرامة وعن حقها في تقرير مصيرها. 

في الظاهر تتعامل المؤسسة مع المواطنين العرب الفلسطينيين كمواطنين مع حقوق محدودة الضمان، وفي الباطن لا تتعامل معهم إلا كرعايا، ويتوجب عليهم أن ينصاعوا للأوامر، وأن يتعايشوا مع الوضع كما هو، وأي مطالبة للحقوق تندرج في خانة الإخلال بالنظام العام، ويتوجب عليها أن تنزل بمثل هؤلاء أشد العقوبة.

لم يعد هناك شك أنه يجب علينا أن نبقى متيقظين للحفاظ على أرضنا، هويتنا وإنسانيتنا في مواجهة عقلية انتقائية لا ترى بك سوى رعية، ولا ترى أن هناك إمكانية دمجك بالمجتمعات المختارة. 

فحري بنا أن نستمر في المحافظة على هويتنا كل بطريقته، وإيصال الرسالة وكأن القضية الفلسطينية ظهرت في الأمس القريب.

 

التعليقات