14/10/2015 - 12:42

نتنياهو يُغذي الهبة لتتحول لانتفاضة/ بلال ضاهر

في وضع كهذا، يأمل نتنياهو، سيكون بالإمكان إبعاد شبح الضغوط الدولية الحالية على إسرائيل، وضمان حكمه لسنوات مقبلة

نتنياهو يُغذي الهبة لتتحول لانتفاضة/ بلال ضاهر

أوقف أفراد شرطة الاحتلال في القدس مجموعة من الشبان، بالقرب من البلدة القديمة، وعندما طلب أحد أفراد الشرطة بطاقة هوية الشاب محمد سعيد، بدا كأن هذا الشاب يخرج البطاقة من جيبه، لكنه بدلا من ذلك استل سكينا وراح يطعن الشرطي، وأصاب غيره بسكينه، إلى أن تجمع أفراد شرطة آخرون وأطلقوا النار عليه وقتلوه.

لا شك في أن هذا المشهد يستدعي التأمل والتفكير في الأسباب التي دفعت سعيد إلى الإقدام على طعن شرطي في منطقة مليئة بأفراد الشرطة. ويبدو أن السبب الأول يتعلق بشحنة الغضب واليأس الكبيرة الموجودة بداخله. ثانيا، استفزاز أفراد شرطة الاحتلال الذي يتحرشون بشكل دائم بالشبان المقدسيين، وبات مجرد وجودهم يشكل استفزازا للمقدسيين. ثالثا، محمد سعيد هو من سكان مخيم شعفاط، المنكوب بالفقر واليأس والإهمال والحصار. رابعا، الوجود الاستفزازي للمستوطنين في القدس المحتلة كلها وفي محيط البلدة القديمة بشكل خاص. خامسا، الأجواء البالغة التوتر في القدس في أعقاب اقتحامات المستوطنين للحرم القدسي وممارسات الاحتلال في محيطه. سادسا، البطالة المستفحلة بين الشبان المقدسيين. وهناك أسباب كثيرة ومتنوعة أخرى تستدعي الهبة الحاصلة حاليا في القدس خصوصا.

رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، يعرف كل هذه الأسباب، وربما غيرها أيضا، التي تنغص حياة المقدسيين وتجعلها مستحيلة. ويعرفها الشاباك ومخابرات الشرطة أيضا. رغم ذلك، لم يطرح نتنياهو اقتراحا واحدا من أجل تخفيف التوتر. وعندما قرر منع اقتحام أعضاء كنيست ووزراء للحرم القدسي، استمرت جماعات المستوطنين بالاقتحام.

وينبغي التوضيح هنا، أن المشكلة ليست بدخول مواطنين يهود، يأتون من تل أبيب أو حيفا أو أي مكان آخر داخل الخط الأخضر، إلى الحرم كزائرين يريدون مشاهدة أشهر معلم في البلاد. وإنما المشكلة هي اقتحام المستوطنين وقادتهم ووزرائهم، بشكل استفزازي، للحرم، والإعلان بالإيحاء أو بشكل صريح أنهم يريدون بناء 'الهيكل' في المكان. وبعد كل هذا، يزعم نتنياهو أنه لا يسعى إلى تغيير الوضع القائم. لماذا إذن يسمح لهذه المجموعات المتطرفة والاستفزازية بالذات باقتحام الحرم؟

ورغم علم نتنياهو، والأجهزة الأمنية، بأسباب الغليان بين الفلسطينيين في القدس، ليس فقط أنه لا يسعى إلى تهدئة الأجواء، وإنما قرر تصعيد الإجراءات الأمنية ضد المقدسيين، وزج المزيد من القوات من خلال تسيير دوريات الجيش إلى جانب دوريات الشرطة. وقرر سحب الإقامة من عائلات منفذي عمليات الطعن، وهدم بيوت هذه العائلات، علما أن هناك شكوكا حول قسم منها.

كل هذه الإجراءات ستزيد من حدة التوتر وترفع مستوى الغليان في الشارع الفلسطيني في القدس. وهذا بشهادة خبراء ومحللين أمنيين إسرائيليين، الذين يؤكدون أن نتنياهو لا يضع حلولا. وفي موازاة ذلك، يتهم نتنياهو الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بالتحريض على العنف، علما أن الضفة هادئة نسبيا بفضل التنسيق الأمني إياه، وعباس يصرح صباح مساء أنه يعارض انتفاضة ثالثة. لكن نتنياهو يريد انتفاضة ثالثة. هذا ما تشي به إجراءاته الجديدة ضد المقدسيين على الأقل.    

في كتابهما 'سهم مرتد'، الذي صدر في العام 2005، يصف الصحافيان رفيف دروكر وعوفر شيلح، والأخير أصبح عضو كنيست الآن، كيف أن إسرائيل صعدت وغذّت الهبة الفلسطينية التي اندلعت في العام 2000، وخرقت كافة تفاهمات التهدئة، بإجراءات وعمليات عسكرية، لتتسع الهبة في حينه إلى ما نعرفه اليوم باسم الانتفاضة الثانية. وجرى ذلك بمصادقة رئيس الحكومة حينذاك، ايهود باراك، وخلفه أريئيل شارون. ورافق ذلك عملية تحريضية وإعلامية، وعسكرية أيضا، ضد الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، من أجل نزع شرعيته في العالم.

ويبدو، من خلال قرارات المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (كابينيت)، أمس الثلاثاء، والتي أكدت التقارير الصحفية الإسرائيلية أن مكتب نتنياهو سرب هذه القرارات فيما كان اجتماع الكابينيت جاريا وقبل أن يعرف أعضاءه بها، أن نتنياهو يسير الآن على خطى سلفيه باراك وشارون، اللذان سعيا إلى تدمير العملية السياسية التي انطلقت في قمة كامب ديفيد العام 2000، بعد أن رفض عرفات الشروط الإسرائيلية، وخاصة فيما يتعلق بالحرم القدسي.

ويدرك نتنياهو أن الإجراءات والعقوبات لن تردع المقدسيين، لأن العقوبات لا تردع المنتفضين الرازحين تحت الاحتلال. ولذلك هو يأمل بأن مزيدا من القمع والتنكيل يمكن أن يؤدي إلى اتساع الهبة، لتشمل الضفة الغربية، وعندها ستندلع مواجهات أوسع من تلك التي نشهدها اليوم، عند حاجز قلنديا أو 'بيت إيل' مثلا، وليس مستبعدا وقوع عمليات فردية ومنظمة، بالسكاكين وإطلاق نار، وقد حدثت مثلها مؤخرا، وربما عمليات انتحارية أيضا.

في وضع كهذا، يأمل نتنياهو، سيكون بالإمكان إبعاد 'شبح' الضغوط الدولية الحالية على إسرائيل من أجل تهدئة الوضع في القدس واستئناف العملية السياسية. وقد بدأ نتنياهو فعلا بصد هذه الضغوط متذرعا بالوضع الأمني في القدس، عندما رفض هذا الأسبوع استقبال وفد عن الرباعية الدولية. واللافت في هذا السياق أن 'المعارضة' الإسرائيلية لا تقف ضد سياسة نتنياهو، العلنية والخفية، بل أنه ما زالت تتردد حتى الآن تقارير صحفية حول محادثات بين نتنياهو ورئيس 'المعسكر الصهيوني' المعارض، يتسحاق هرتسوغ، حول انضمام الأخير للحكومة.

والفائدة التي يأمل نتنياهو بتحقيقها من مخططه لتصعيد وتغذية انتفاضة فلسطينية عارمة جديدة، هي إبعاد الضغوط الدولية المطالبة باستئناف العملية السياسية، لأنه لا يريد التوصل إلى تسوية لحل الصراع من جهة، ويريد مواصلة فرض واقع على الأرض في الضفة بحيث يمنع تسوية من الجهة الأخرى. وهو، بعقيدته، يعارض قيام كيان آخر غير إسرائيل بين النهر والبحر.

والأهم من ذلك، أن نتنياهو يأمل أيضا بأن انتفاضة فلسطينية جديدة ستعزز احتمالات بقائه في الحكم، وذلك على ضوء توقعات في إسرائيل بتقديم الانتخابات العامة إلى النصف الثاني من العام المقبل، أو توسيع حكومته بضم هرتسوغ ومعسكره الصهيوني، على أساس سيناريو الرعب الذي يبثه نتنياهو بأن الفلسطينيين والإسلام المتطرف في الدول المجاورة يريدون 'القضاء' على إسرائيل.    

التعليقات