19/10/2015 - 09:27

حرب إسرائيل الدينية في القدس/ رامي منصور

إذا كانت الحرب الاستيطانية في الضفة الغربية خاضعة لاعتبارات سياسية تتحرك وفق “ضوابط وتوازنات”، فإن الحرب على القدس تبدو جنونية لا يقودها مهوسون فحسب، بل يدعمها ويغذيها نتنياهو ذاته.

حرب إسرائيل الدينية في القدس/ رامي منصور

لطالما ذهب المحللون سواء الإسرائيليون أو الفلسطينيون إلى القول إن اندلاع الهبة الشعبية في القدس المحتلة تحديدا وليس في الضفة الغربية أو غزة  ناتج عن كونها غير خاضعة للسلطة الفلسطينية التي تقمع أي محاولة لمواجهة الاحتلال. وهذا القول محق إلى درجة كبيرة، لكنه يتجاهل عاملا آخر أشد خطورة، وهو أن إسرائيل بحكومتها اليمينية تحول الصراع في القدس وفلسطين عموما إلى صراع عقائدي ديني، ومن صراع على الأرض إلى صراع على ما تحت الأرض.

وفي نظرة عامة للسياسة الاستيطانية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، يبدو لافتا أن غول الاستيطان انتقل بشكل كبير من الضفة الغربية إلى القدس الشرقية تحديدا، حاملا معه رموزا ومعتقدات دينية يهودية شديدة الخطورة، والتي تنفي الحق لأي طرف في هذه المدينة المقدسة سوى اليهود. وهذا الانتقال له عدة أسباب أولها أن المجتمع الدولي لا يرى في الاستيطان بالقدس المحتلة غير شرعي في معظمه، إلى جانب التشدد الديني العقائدي الآخذ بالتوسع في صفوف المنظمات الاستيطانية والذي يؤمن بـ”الملكوت” ولا يؤمن حتى بشرعية قيام إسرائيل، ويرى أن التصعيد في المدينة المقدسة للديانات الثلاث سيفجر الأوضاع ويقود إلى دمار يعجل الخلاص.

وإذا كان دافع الاستيطان في الضفة الغربية عقائديا صهيونيا قوميا، فإن دافع الاستيطان في القدس عقائدي ديني خلاصي - مسيحاني ممزوج بتطرف قومي عرقي، حوّل الاستيطان من احتلال وسيطرة على الأرض إلى إحلال بالكامل وتهجير جماعي من خلال السيطرة على أملاك المقدسيين في البلدة القديمة ومحيطها ومخططات نسف مقدسات الآخر، وما خطط التقسيم الزماني والمكاني في مسجد الأقصى إلا جزء مما يحاك للمدينة المقدسة وأهلها الفلسطينيين.

وفي هذا الصدد يجدر الالتفات إلى ما كتبه رئيس الكنيست السابق وابن مؤسس التيار الصهيوني المتدين، أبراهام بورغ في صحيفة “هآرتس” يوم الجمعة الماضي، الذي أكد أن عصب الاتئلاف الحكومي الحالي هو ديني عقائدي محملا حكومة بنيامين نتنياهو مسؤولية تحويل الصراع إلى صراع ديني متطرف.

كما من اللافت أن الحكومة الإسرائيلية تتيح لنحو ١٥ جمعية يهودية متطرفة أو خلاصية الاستيطان في البلدة القديمة، وتخطط لبناء الهيكل المزعوم وتقوم بالتدرب على ذبح البقرة ميلودي وتقديم القرابين! 

وخصصت جمعيات يهودية متطرفة مكانا خاصا في جبل الطور قبالة المسجد الأقصى لذبح البقرة الحمراء ميلودي المذكورة في التوراة، والتي قيل أنهم عثروا عليها في أستراليا.

***

إحدى ميزات الحرب على القدس أن الحركات التي تنشط لتهويد البلدة القديمة لا تقوم بذلك بهدف ضمان أغلبية يهودية في المكان كما الحال في الضفة الغربية، وإنما بدوافع عقائدية دينية تسعى لتقريب الخلاص. وبالنسبة لجمعيات مثل “عطيريت كوهنيم” أو “جمعية تراث جبل الهيكل”  المعركة على القدس ليست معركة على السيادة الإسرائيلية أو معركة على الأرض بقدر ما هي معركة من أجل بناء الهيكل والخلاص.

فإذا كانت الحرب الاستيطانية في الضفة الغربية خاضعة لاعتبارات سياسية تتحرك وفق “ضوابط وتوازنات”، فإن الحرب على القدس تبدو جنونية لا يقودها مهوسون فحسب، بل يدعمها ويغذيها نتنياهو ذاته.

وما يلفت الانتباه ويؤشر إلى جهل المحللين الإسرائيليين وحتى السياسيين بما يجري بالقدس المحتلة، هو ادعاؤهم بأن انفجار الغضب الحاصل لدى الفتية المقدسيين ناتج عن سياسة إهمال الأحياء العربية وعدم تطوير البنى التحتية فيها ودعمها اقتصاديا. ويغفل معظمهم أن كل هذه الأسباب ليست إلا عوامل هامشية فيما المحرك الأساسي في الحقيقة انفلات المتدينين اليهود في القدس واعتداءاتهم ليست فقط على المقدسيين وحرقهم أحياء، كما حصل مع الفتى محمد أبو خضير، وإنما اعتداءاتهم المتكررة على المقدسات بشكل يومي ومستفز بموازاة حالة الإحباط واليأس التي تخيم على الجيل الناشئ في القدس.

القدس مدينة مقدسة لمعظم الديانات وفيها من عوامل الانفجار ما يكفي لتدمير المنطقة، ويبدو أن حكومة نتنياهو تدرك وتعي ذلك جيدا، ولا تأبه بخطر الانفجار لأن حربها عقائدية دينية متطرفة. 

هذه حالة جنون ديني تقودها حكومة لم يتردد قادتها مثل نفتالي بينيت بالدعوة علانية لقتل العرب ويتباهون بقتل العرب، وليس من الصعب توقع ردة الفعل المقابلة، لكن لا يمكن توقع توقيتها وحجمها. 

هُم، المتطرفون اليهود، لا يريدونها حربا دينية، بل حولوها كذلك على أرض الواقع ومن يزور القدس والبلدة القديمة يشعر بذلك، ولا يمكن أمام هذا الجنون إلا الحكمة والتأكيد على أن معركتنا هي معركة تحرر وطني وأن صراعنا ليس مع اليهود، وإنما مع الصهيونية حتى لو سيطر عليها تيار ديني متزمت.

أخيرا، تعترف التقارير الإسرائيلية بنشاط ١٥ جمعية يهودية في البلدة القديمة بالقدس كما ذكرت أعلاه، وتعتبر 'جمعيات ثرية' ممولة من اليهود في الخارج وبعضها بتمويل حكومي. وهنا يجدر التساؤل، ما عدد الجمعيات العربية أو الفلسطينية التي تنشط في القدس عموما، وليس في البلدة القديمة تحديدا، وتحميها من مخططات سلب الأملاك والعقارات؟ 

التعليقات