17/11/2015 - 00:13

"كوسموبوليتية" عودة و"تحرير الجندي" الحالم بالاحتلال../ سليمان أبو ارشيد

الكوسموبوليتية تميز أداء وسلوك النائب عودة منذ توليه عضوية الكنيست في منصب رئيس القائمة المشتركة، ربما لغرض محاولة تسويق نفسه أمام المجتمع الاسرائيلي بصورة المعتدل أو العربي المقبول

"أنا لا أعتقد أن هناك شعبًا يحتل شعبا آخر، بل أن اثنيهما مستعبدان- الجندي الذي يحلم بالاحتلال والفلسطيني الواقع تحت الاحتلال الذي يحلم بالحرية". هذه الرؤية "الكوسمبوليتية" المحايدة للصراع لم تصدر عن كاتب حالم أو وسيط أجنبي، بل تفتقت عن قريحة رئيس القائمة المشتركة وممثل الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، عضو الكنيست أيمن عودة، خلال مداخلته في مؤتمر السلام الذي نظمته صحيفة "هآرتس" الأسبوع الفائت.

و"الكوسموبوليتي" وفق التعريف الأكثر دقة، والذي وجدناه واردًا في مقال لـلمرحوم  د. أحمد سعد، مسنودا بقاموس كوجمان للكلمات والتعاريف الأجنبية المعرّبة من العبرية، هو "عالمي، غير محلي، شائع الوطن، لا انتمائي، مواطن العالم، أي من يعتبر العالم وطنا له"! ويواصل سعد استنادا إلى كوجمان، "أنه من حيث المدلول السياسي والاجتماعي فإن الكوسموبوليتي من يتجاهل عمدًا واقع المجتمع والعالم الذي يعيش فيه وبنيته التعددية، القومية والإثنية والعقائدية وما يترتب عليها من قضايا تعددية مختلفة،.....".

و"الكوسموبوليتية" تلك تميز أداء وسلوك النائب عودة منذ توليه عضوية الكنيست في منصب رئيس القائمة المشتركة، ربما لغرض محاولة تسويق نفسه أمام المجتمع الاسرائيلي بصورة المعتدل أو "العربي المقبول".

وبغض النظر عن التعريف الذي وضع أيمن عودة نفسه فيه في موقع المحايد، وهو ما أراد أن يكون عليه في ذاك المقام، فإن مقولة تحرير أبناء "الشعبين" من الاحتلال، عدا عن أنها تساوي بين المحتل والواقع تحت الاحتلال، وبين الضحية والجلاد، فإنها تجافي حقيقة حالة احتلال كولونيالي كالحالة الصهيونية في فلسطين ما قبل 67 وما بعدها أيضا، حيث الحديث يدورعن حركة كولونيالية استيطانية نقلت مجموعات سكانية من مناطق مختلفة في العالم وأسكنتها في فلسطين بعد أن قامت بإجلاء غالبية السكان الأصليين، وهو مشهد حدث بعد احتلال 67 أيضا، وإن كان على نطاق أقل، رغم أن النازحين من الضفة الغربية وقطاع غزة، إثر احتلالهما خلال الحرب المذكورة، تعدى مئات الآلاف، بينما يبلغ عدد المستوطنين الذين جرى إسكانهم في هذه المناطق مئات الآلاف أيضا.

وفي هذا السياق، من الجدير الالتفات إلى مقال نشر مؤخرًا للصحفي اليساري غدعون ليفي، تحت عنوان "إسرائيل لا تريد السلام"، يعتبر فيه السلام والاستيطان خطين متوازيين لا يلتقيان، ويشير الى أن إسرائيل رفضت التخلي عن الاستيطان حتى في أوسلو، ما يعني أنها لم ترِد السلام مع الفلسطينيين أبدًا.

 ويرى ليفي أن  معارضة وقف الاستيطان متجذرة عميقا جدًا في حمض إسرائيل النووي، في دورتها الدموية، في مسببات وجودها وفي أسس عقيدتها الأكثر بدائية. هناك تكمن فكرة أن هذه البلاد خصصت لليهود فقط،كما يقول، وهناك، في قلب العمق، تتجذر قيمة "شعب القيم"، تلك التي تقول "أنت اخترتنا"، التي تعني أنه يحق لليهود ما هو غير مباح للآخرين في هذه البلاد". ومن يسعى إلى نزع  الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين، ومن يقتنع بأن الفلسطيني هو "شيء مشبوه"، وأنه "يرغب بإلقاء كل اليهود في البحر" لن يحقق معه السلام إطلاقا. وهذه قناعة معظم الإسرائيليين، وفق ما يقول غدعون ليفي.

والحال كذلك، لا نعرف كيف يصح أخلاقيًا وسياسيًا مساواة المستوطن بالفلسطيني الذي اقتلع من أرضه أو الذي ما زال يتعرض لكافة صنوف التضييق والاضطهاد بهدف اقتلاعه، فيما يؤدي هذا المستوطن أو هؤلاء المستوطنون الدور الوظيفي المرسوم له/لهم، ليس فقط في الحلول محل الفلسطيني المقتلع، بل في عملية الاقتلاع ذاتها من خلال خدمته/هم في جيش الاحتلال أو في مليشيات المستوطنين.

وكيف يمكن مساواة الجندي الحالم بالاحتلال، والذي يرتع على سطح منزل الفلسطيني الذي سطا عليه، أو على رأس الشارع الذي يقيم عليه حاجزه العسكري، وهو يأمر ويمنع وينهى ويفتش ويهين ويضرب ويطلق النار ويقتل بسبب أو بدون سبب- كيف يمكن مساواته  بالفلسطيني الذي تنتهك أرضه وسماؤه وتصادر حقوقه وحريته وحرماته وحياته، ويعدم أبناؤه في الشوارع من قبل الجندي الحالم بالاحتلال؟!   

التعليقات